ميشال معلولي لـ”النهار”: مناقشات الطائف لم تذكر النسبية

النوع: 

 

نصت "وثيقة الوفاق الوطني" او "اتفاق الطائف"، الذي اعتمد دستوراً جديداً للدولة اللبنانية، على اعتماد المحافظة دائرة انتخابية، مشترطاً اعادة النظر في التقسيم الاداري. وبما ان الدساتير لا تنص في متنها على تفاصيل بنودها، فان العودة الى المحاضر التي ادت الى وضع بنود الطائف، هي التي توضح الأسس التي يجب اعتمادها في تقسيم الدوائر الانتخابية. وفي ظل إخفاء محاضر جلسات الطائف، توجهت "النهار" الى النائب ونائب رئيس مجلس النواب السابق، ميشال معلولي، الذي شارك في وضع الوثيقة الدستورية الجديدة واقرارها، لايضاح حقيقة ما دار في الطائف في شأن الانتخابات النيابية.

■ اذا أردنا اليوم العودة الى "اتفاق الطائف" في ما يتعلق بأنظمة الانتخابات النيابية وقانونها، هل يمكننا الوقوف على نص قانوني – دستوري يحدد نظام الانتخابات؟

– في باب الاصلاحات التي نص عليها اتفاق الطائف، هناك بند يتعلق بقانون الانتخابات النيابية. ينص هذا البند، حرفيا، على ان "تجري الانتخابات النيابية وفقاً لقانون انتخاب جديد على اساس المحافظة، يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين، وتؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب واجياله وفعالية ذلك التمثيل، بعد اعادة النظر في التقسيم الاداري في اطار وحدة الارض والشعب والمؤسسات".

أين المحاضر؟

وبما أن "وثيقة الوفاق الوطني" صارت دستوراً للبنان ما بعد الحرب، وبما ان المشترع يستحيل عليه ادراج التفاصيل في نص دستوري قانوني، جامع وشامل، يرسم الخطوط الاساسية لما يتوافق عليه اللبنانيون نظاما سياسياً للدولة ومؤسسات الحكم فيها، فان عبارة "اعادة النظر في التقسيم الاداري" هي بيت القصيد في مسألة "اجراء الانتخابات على أساس المحافظة". واذا قال قائل ان الدستور سكت عن ماهية التقسيم الاداري ولم يحدده، وجب علينا التوجه الى المشترع بالسؤال عن ماهية ذلك التقسيم. ذلك ان الدساتير والقوانين هي حصيلة مناقشات طويلة ووجهات نظر كثيرة ومتعددة. وفي حالة "وثيقة الوفاق الوطني"، جاءت عبارة "اعادة النظر في التقسيم الاداري" المتعلقة بالدوائر الانتخابية "على اساس المحافظة"، حصيلة مناقشات بين النواب اللبنانيين في الطائف. لذا يتوجب ان يُسأل هؤلاء النواب عما دار في مناقشاتهم، وصولاً الى هذه العبارة وكيف جرى الوصول الى صوغها، وما هو المقصود بها. وهذا يستتبع العودة الى محاضر المناقشات الطويلة في هذه المسألة في جلسات الطائف، على ما يحصل عادة عندما تحدث مناقشات واجتهادات حول مواد في الدساتير والقوانين، لتوضيحها. لكن محاضر جلسات اتفاق الطائف ومناقشاته، اختفت، ويجب ان يسأل عنها رئيس مجلس النواب ومدير الجلسات آنذاك، الرئيس حسين الحسيني. ولو ان المحاضر لم تختفِ من ارشيف مجلس النواب ووثائقه، لكان يمكن اي كان الاطلاع عليها وتوضيح مقاصد النواب في مسألة التقسيم الاداري التي توافقوا عليها وأدرجوها في النص الدستوري.

حتى القضاة في احكامهم الجنائية، غالباً ما يعودون الى محاضر النصوص القانونية التي لا تنص على الكثير من المسائل التفصيلية في الأحكام القضائية التي تتضمنها المحاضر وحدها، للوقوف على اعتبارات المشترع التي أدت الى النص القانوني القضائي.

■ كيف توصلتم في الطائف، إذاً الى صوغ عبارة "إعادة النظر في التقسيم الإداري"، وما هو المقصود بها؟

– في ظل اختفاء المحاضر، صارت شهادات النواب المشاركين في الطائف، هي المحاضر، وبصفتي أحد أولئك النواب أتكلم الآن وأشهد، كواحد من 26 نائباً لا يزالون اليوم أحياء يرزقون، من أصل 62 نائباً حضروا جلسات الطائف. والحق أن ما جرى إخفاؤه من الطائف ليس المحاضر وحدها، بل إن الاتفاق جرى إهمال تنفيذه في معظم بنوده. لذا تداعى بعض النواب للقاء سمي "لقاء الوثيقة والدستور"، الى عقد اجتماعات هدفها العمل على تطبيق بنود الطائف. جرت الاجتماعات في العام 2001، في مكتب النائب إدمون رزق، وكان عددنا حوالى 15 نائباً، فأصدرنا بيانات حول الموضوع، ثم جمعناها في كتاب صدر العام 2004 في عنوان "لقاء الوثيقة والدستور – شهادات ومواقف".

في موضوع الانتخابات النيابية واعادة النظر في التقسيم الاداري، وفقاً لنص اتفاق الطائف، رأينا ان الانتخابات النيابية في نماذجها الثلاثة في دورات العام 1992، والعام 1996، والعام 2000، نقضت روح الاتفاق ونصه. ذلك لأن إعادة النظر في التقسيم الإداري لم تتم حتى الآن، وكان يتوجب أن تسبق وضع أي قانون للانتخابات، لتنشأ محافظات جديدة تحل محل الأقضية الحالية وتفوقها عدداً. فنحن، نواب الطائف، الذي اختفت محاضرة، نشهد ونقرّ بأن مناقشاتنا في الجلسات المتعلقة بمسألة قوانين الانتخابات، لحظت تحويل الأقضية محافظات هي الدوائر الانتخابية، على أن يجري تقسيم الأقضية الكبرى في عكار والبقاع مثلا، الى محافظات تكون جديدة. وهذا يعني أن الدوائر الانتخابية، وفقاً للطائف، روحاً ومناقشات، يفوق عددها عدد الأقضية اللبنانية الحالية، وأن الاتفاق لحظ في خلفياته تصغير الدوائر الانتخابية، وليس توسيعها، على ما جرى بعد الاتفاق، وخلافاً لروحه. لذا رأينا أن الاستمرار في نقض روح هذا البند، رأس المعاصي التي ترتكبها السلطات المتعاقبة، تأميناً لإعادة إنتاج ذاتها وبقائها في عزلة تامة عن الشعب، ومنعاً لإنتاج سلطة وطنية لبنانية مستقلة وشرعية، تنبثق منها حكومة وفاق وطني حقيقية.

إن ما قصده المشترع في الطائف في ما يتعلق بالانتخابات، هو وضع قانون ديموقراطي عصري للانتخابات يوفر التمثيل الصحيح لفئات الشعب وأجياله على أساس تقسيم إداري جديد، عبر تحويل الأقضية محافظات تكون هي الدوائر الانتخابية، وصولاً الى الدائرة الفردية المعتمدة في الانظمة الديموقراطية المتقدمة. وقد وقّع هذه البيانات – الشهادات من النواب الذين كانوا حاضرين في اجتماعات الطائف: نصري المعلوف، محمود عمار، شفيق بدر، رفيق شاهين، الياس الخازن، ميشال معلولي، إدمون رزق، عثمان الدنا، بيار دكاش، أنور الصباح، ألبر منصور، أوغست باخوس، طارق حبشي… الخ.

لذا، إذا أردنا اليوم تطبيق روح "وثيقة الوفاق الوطني" في ما يتعلق بالانتخابات النيابية، علينا العودة الى محاضر جلسات الطائف التي يتوجب على الرئيس حسين الحسيني الإفراج عنها، وإلا فإن شهادات النواب المشاركين في الطائف تكون في مثابة وثائق تحل محل المحاضر المختفية.

النسبية

■ هل أتت المناقشات في جلسات الطائف على البحث في مسألة النسبية في الانتخابات النيابية؟

– اليوم يشيع طرح موضوع النسبية، وشارك في هذا الموضوع كل من رئيس الجمهورية، والبطريرك الماروني الجديد، ووزير الداخلية السابق زياد بارود، وغيرهم. لكن اجتماعات الطائف كلها، لم تأتِ قط على ذكر النسبية في الانتخابات النيابية، إلا في موضع واحد يشير الى اعتماد النسبية في تمثيل الطوائف في مجلس النواب. وقد حصلت مناقشات حول عدد النواب في الدائرة الانتخابية الواحدة (أي القضاء)، فقرّ الرأي على ألا يتجاوز العدد ثلاثة مقاعد في أي من الدوائر، وعلى اعتماد المناصفة في المقاعد ما بين المسلمين والمسيحيين، بصرف النظر عن أعداد الناخبين. والمؤسف أن كثيرين اليوم، ومنهم البطريرك الماروني، يتحدثون عن ضرورة تعديل دستور الطائف، غير مدركين أن فتح باب تعديل أي بند من الدستور، سوف يؤدي، بالضرورة، الى تشريع باب التعديل على مصراعيه الى ما لا نهاية، ما قد يفضي الى حروب جديدة في لبنان.

السوري زاد العدد

أنا لا أناقش في هذا المجال إن كان اعتماد النسبية في الانتخابات أفضل أم أسوأ للتمثيل النيابي، بل أعرض ما دار في الطائف من مناقشات، والحصيلة التي توصلت اليها. وهنا أشير الى أن محاضر الطائف ذكرت أن عدد الدوائر الانتخابية هو 36 دائرة. وبما أن عدد المقاعد في الدائرة يجب ألا يتجاوز الثلاثة، أقر الطائف أن إجمالي عدد النواب يكون حصيلة ضرب عدد الدوائر بعدد المقاعد في الدائرة الواحدة، أي 36 x 3= 108 نواب، مناصفة ما بين المسيحيين والمسلمين. لكن ما زاد عدد المقاعد الى 128، هو تدخل المفاوض السوري الذي أراد حشد أكبر عدد من أتباعه في المجلس النيابي، على طريقة مصفقي مجلس الشعب في سوريا. لذا اقترح زيادة عدد المقاعد الى 148، فاعترض عدد كبير من النواب ودارت مناقشات استقرت على اعتماد رقم 128 مقعداً، كحل وسط.

هنا لا بد من التساؤل: ما هي الحاجة الى اعتماد النسبية في الانتخابات، إذا كان عدد المقاعد في الدائرة الانتخابية الواحدة، لا يتجاوز ثلاثة مقاعد؟ فالنسبية تصير ضرورية وصالحة في دوائر انتخابية كبرى وعدد الناخبين فيها كبير. وإذا كان الجميع اليوم يقولون إنهم مع تطبيق اتفاق الطائف، فإن ترجمة هذا القول العملية في ما يتعلق بقوانين الانتخابات، تعني اعتماد ما جاء في نصوص الاتفاق ومحاضره المبينة أعلاه، وإلا فإن استنساب ما يلائم هذا وذاك من الاتفاق، لا يعدو كونه إزدواجاً في المعايير، أو نفاقاً سياسياً. وهذا ما فعله النظام السوري بعدما جرى تسليمه الوصاية على لبنان ودولته، فأختار من بنود الاتفاق ما يلائم مصالحه وسيطرته على الدولة اللبنانية، وجعل من التلاعب بقوانين الانتخابات وأنظمتها ودوائرها مطية الى هذه السيطرة.

أخيراً لا بد من الاشارة الى أن اعتماد روح اتفاق الطائف في ما يتعلق بالانتخابات النيابية، يؤدي الى تفكيك ما سمي "المحادل الانتخابية"، والى الحدّ من استزلام المرشحين للزعماء ورؤساء اللوائح الانتخابية، وصولاً الى تمثيل صحيح وحقيقي ومتوازن للناخبين، جماعات ومواطنين. وهذا ما تؤمنه الدوائر الصغرى التي تغني عن اعتماد النسبية وتعقيداتها ومساوئها.

التاريخ: 
الأربعاء, سبتمبر 7, 2011
ملخص: 
ولو ان المحاضر لم تختفِ من ارشيف مجلس النواب ووثائقه، لكان يمكن اي كان الاطلاع عليها وتوضيح مقاصد النواب في مسألة التقسيم الاداري التي توافقوا عليها وأدرجوها في النص الدستوري.