ثرثرة حول «الطائف»... ولا تعديل
يلاحظ اللبنانيون المتابعون أن السجالات السياسية الدائرة حول قانون الانتخاب لم تصِل بالمتساجلين وباللبنانيين عموماً الى نتيجة موحدة حول مشاريع القوانين الانتخابية المطروحة، وفي مقدمها مشروع اللقاء الارثوذكسي، وانّ النقاش لم يؤدّ عملياً الى قواسم مشتركة تتيح التوافق على مشروع قانون تجرى الانتخابات على اساسه في مواعيدها الدستورية.
جلّ ما يمكن استخلاصه من السجال الدائر هو تمسّك كل فريق بموقفه حتى الرمق الاخير، ما يعني ان الانقسامات باقية، والمناقشات مستمرة، والانتخابات ورقة لا تزال في مهب الريح.
و"الثرثرة" الكثيرة الدائرة هذه الايام حول مشاريع القوانين الانتخابية المطروحة مقدّر لها ان تستمر وترتفع وتيرتها بين الأفرقاء حيث تدعو الحاجة لذلك، في انتظار اتضاح الصورة المقبلة على لبنان والمنطقة وتحديداً من باب التطورات السورية المقلقة وتداعياتها الاقليمية.
غير ان هذه "الثرثرة" التي ليس لها ان تصِل بلبنان واللبنانيين لا الى قانون انتخابي عادل للمسيحيين حسب ادعاء البعض، ولا حتى الى حتمية إجراء الانتخابات، حسبما يؤكد البعض الآخر وفقاً لأيّ من مشاريع القوانين المطروحة، تخفي وراءها قطبة مخفية اساسية هي اعادة النظر في العقد الاجتماعي القائم بين اللبنانيين، اي تعديل اتفاق الطائف المفترض انه الدستور الذي تُدار به حالياً الدولة اللبنانية بكل مكوناتها.
وهذا الشعور لمسَه كثير من المتابعين للشأن اللبناني ليس الآن بل منذ سنوات خلت، وتحديداً بعد فترة قصيرة من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حيث ارتفعت اصوات من هنا وهناك تسرّب احيانا وتطرح احيانا أخرى مقولة ان الطائف اغتيل باغتيال الحريري، وانه لا بد من البحث عن طائف جديد، أو إدخال تعديلات معينة عليه من شأنها اعادة رسم الحصص والاحجام والصلاحيات في لبنان، وفقاً لصورة المنطقة مستقبلاً، وارتباط التحالفات الداخلية اللبنانية بامتداداتها الاقليمية واعادة تقدير حصة الطوائف في ضوء الحجم المفترض للمشاريع الاقليمية التي تتبع لها هذه الطائفة أو تلك.
ومن المعروف انّ المطالبين بتعديل "اتفاق الطائف" والذي لم يطبق لا بروحيته ولا بحرفية بنوده إلّا انتقائياً منذ اقراره عام 1989 وحتى اليوم للظروف المعروفة عند اللبنانيين والمرتبطة بالوجود العسكري السوري منذ تلك الفترة حتى نيسان من العام 2005، هم مجمل أطراف 8 آذار وفي مقدمهم "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، بينما يتمسّك فريق 14 آذار بهذا الاتفاق ويدعو الى تطبيقه بكامله أولاً، من دون ان يغلق الباب على تعديلات وتحسينات عليه لتصحيح بعض الثغرات التي برزت او قد تبرز في المستقبل من خلال الممارسة الفعلية في تنفيذه. ويبقى السؤال المركزي: هل حان الوقت لتعديل هذا الاتفاق وتغيير موازين القوى فيه والتي نشأ على أساسها؟
المتابعون لا يجيبون عن هذا السؤال للاعتبارات الاساسية الآتية:
اولاً، لأنّ اتفاق الطائف في الاساس جاء نتيجة توازنات دولية ـ اقليمية دقيقة لا تزال مفاعيلها سائدة حتى الآن، على رغم حصول بعض الخلل فيها من دون ان تؤدي الى تغيير كبير في الصورة الاقليمية وتنعكس بالتالي على هذه التوازنات.
ثانياً، لأنّ اتفاق الطائف جاء نتيجة تسوية دولية اقليمية في المنطقة شملت لبنان وأنهت الحرب التي كانت تعبث به وقتذاك، أي ما سمي "حرب التحرير" التي قادها رئيس الحكومة الانتقالية في حينه العماد ميشال عون ضد الوجود العسكري السوري وأدّت الى اسقاطه وخروجه من قصر بعبدا، وهذه التسوية لا تزال قائمة حتى اللحظة.
ثالثاً، لأنّ اطراف تسوية "الطائف" الأساسيين في حينه، اي واشنطن والرياض ودمشق، توافقوا في ما بينهم على هذه المعادلة التي تبنّاها الاطراف اللبنانيون ووافقوا عليها، في حين ان المعادلة نفسها اختلفت اليوم لناحية ان الولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية لا تزال الأوضاع فيهما على حالها، إلّا انها تغيرت بنسبة كبيرة في سوريا ولم يعد النظام السوري قويا وقادرا على فرض شروطه مثلما كان سابقاً.
ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني ان المعادلة الدولية والاقليمية التي فرضت اتفاق الطائف لا تزال قوية، وان الحليف الاقليمي للسّاعين والمطالبين بتعديل الاتفاق هو في وَضع حرج ويحتاج الى من ينقذه ويرسم له خريطة طريق جديدة على غرار "الطائف" اللبناني، وليس العكس!!