لماذا يصرّ حزب الله على وزارة المالية في الحكومة اللبنانية؟

النوع: 

 

يصرّ حزب الله اللبناني مدعوماً من حركة أمل على وزارة المالية، ويعطل منذ ما يزيد عن أسبوعين ولادة الحكومة المنتظرة بموجب مبادرة أطلقها الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون نهاية الشهر الماضي.

ويقول كل من الحزب والحركة إنّ هذه الوزارة حقّ للطائفة الشيعية بموجب مناقشات حصلت في “اتفاق الطائف” الذي أوقف الحرب الأهلية عام 1989، وأرسى تعديلات دستورية دون تخصيص أي وزارة لأي طائفة، وهو ما أكده رئيس الجمهورية ميشال عون في خطابه الأخير.

ما يدعيه حزب الله وحركة أمل المقربين من إيران لم يعلن قط عنه، بل تقتصر الروايات على مباحثات ضمن “اتفاق الطائف” لم تترجم في نصوص، حيث تؤكد مقدمة الدستور على روح إلغاء الطائفية السياسية بوصفها “هدفاً وطنياً أساسياً يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية”، وهذا يعني أن ما يطالب به الحزب والحركة اليوم بوصفه حقاً مكتسباً للشيعة، يتناقض مع روح “الاتفاق” الذي دعا لإلغاء الطائفية وحصر التمثيل بمجلس الشيوخ الذي لم يُنشأ حتى اليوم.

ويستند كل من حزب الله وحركة أمل على نظرية “التوقيع الثالث” في السلطة التنفيذية بعد توقيعي رئيس الجمهورية الماروني وتوقيع رئيس الحكومة السني، ويعتبران هذا المطلب “ميثاقياً” ويخص كل الشيعة وليس حزبيهما فقط، لعدم حضور الطائفة جدياً ضمن السلطة التنفيذية.

يقول المحامي حسان الرفاعي الذي يكتب مذكرات والده حسن الرفاعي العلامة الدستوري الحاضر خلال نقاشات “اتفاق الطائف”: “من يدّعي أنّ حقيبة المال لطائفة محددة عليه أن يُبرز وثيقة مكتوبة بذلك، ويقول لنا أين ورد هذا الأمر؟ كلها مجرّد أفكار بُحثت في الطائف، ولم يُتفَق عليها”.

ويؤكد الرفاعي أنّ “من غير الجائز أن يستعمل رئيس الحكومة أو أي وزير توقيعه ليمنع صدور مرسوم وافق عليه مجلس الوزراء”، ويعتبر أنّ مطلب حزب الله المتعلّق بحقيبة المالية له أهداف تعطيلية؛ ولهذا يقدم مطالعة دستورية تشرح كيف أنّ “الدستور يلزم رئيس الجمهورية خلال 15 يوماً بإصدار المرسوم أو طلب إعادة النظر به من قبل مجلس الوزراء، وكذلك بالنسبة للنواب وتشريع القوانين ضمن مهلة حددها الدستور.

أما فيما يعود لرئيس الحكومة فليس له أيّ حقّ بتأخير صدور مرسوم جرت مناقشته، وتمت الموافقة عليه بالأكثرية المطلوبة؛ فكيف يُعطى هذا الحق لوزير دون ضوابط؟ مع العلم أنه بذلك يصبح كل وزير يملك حق النقض داخل مجلس الوزراء يفوق توقيع رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية قوةً، وبما أن إقالة الوزير بحاجة لقرار من ثلثي زملائه، فالوزير المُعطِّل في هذه الحالة سيصبح محمياً بعدم قدرة المجلس على إقالته إلا بأغلبية موصوفة، وهذا أمر لا يستوي مع مفهوم المصلحة العامة”.

وبخلاف الشأن الدستوري، تلعب وزارة المالية دوراً محورياً في الحياة السياسية والمالية والاقتصادية، ولن نبالغ إذا قلنا إنّ وزير المالية هو بمثابة “وزير ملك” في الحكومة.

وتظهر المؤشرات على ذلك في مواد “قانون المحاسبة العموميّة” التي تمنح الوزارة صلاحيات التخطيط والإنفاق والجباية والتمويل، وقد تضاعف دورها اليوم في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان والحاجة لإصلاح مالي حقيقي، وأهمية التفاوض مع الجهات المانحة وكلها مهام يتطلّع إليها حزب الله وحركة أمل كفرصة للسيطرة على قرارات الدولة. 

يوضح سامي نادر الخبير الاقتصادي ومدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية لـ”إيران وير” أنّ وزارة المالية بالنسبة لـ حزب الله وحركة أمل هي “مفتاح أساسي لتغيير النظام، والسير نحو المثالثة التي يسعيان إليها (المثالثة بين المسيحيين والسنة والشيعة في المناصب)، ولن يتوقف الأمر هنا، لأن وزارة المالية ممرّ إلزاميّ لأيّ إصلاح، وهما يريدان أن يكونا الشريك الأول في هذا الملف”.

ويعود نادر بالذاكرة إلى قانون “الكابيتل كونترول” (مراقبة رأس المال) الذي عطله الرئيس نبيه بري في مجلس النواب وفي الحكومة، فيقول: “لاحظ كيف أوقفوا هذا القانون لأسباب يقال إنّها تخصّ الودائع التي يملك الشيعة 65% منها في المصارف اللبنانية؛ وبالتالي فإنّهم سيكونون في الموقع الأقوى للتفاوض واتخاذ القرارات بشأن إقرار إعادة الرسملة في المصارف أو توزيع التعويضات على المودعين”.

ويذكر نادر بأنّه “لا يمكن عقد صفقة أو صرف ليرة دون الموازنة العامة التي هي من هندسة وزارة المالية؛ وبالتالي فإن هذه الأسباب رئيسية وجوهرية وتبرر إصرارهما”.

وفي نفس السياق، يكشف مستشار سابق لوزير مالية في إحدى الحكومات اللبنانية أنّ “حزب الله وحركة أمل متمسكان بهذه الوزارة، لأنّ الصفقات التجارية والعقود التي كانا يحصلان عليها تُمنح لشركات وأفراد مقربين منهما، خاصة للحزب الذي يعتمد على هذه العقود كمصدر إضافي للدخل”، وبالتالي فإن التخّلي عن الوزارة الآن لصالح جهة أخرى “سيتسبب بخسارة هذا المصدر، ناهيك عن احتمال فضح كل الصفقات”.

ويضيف المستشار: “هذه الوزارة هي أساس الدولة وخزينتها، وكان الحزب والحركة يتحكمان بكل ملفات الصرف في الدولة من خلالها وعلى مدى سنوات”.

يتطابق هذا الكلام مع منحى العقوبات التي فرضتها الخزانة الأميركية قبل أسابيع على وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس المقرّب من حزب الله، وعلى وزير المالية السابق في حركة أمل علي حسن خليل، ثم على الشركتين اللبنانيتين Arch Consulting و Meamar Construction اللتين كُشف أنهما تدوران في فلك الحزب؛ حيث يذكر الموقع الإلكتروني لإحداهما المشاريعَ التي تم تنفيذها، وتقع في مجملها ضمن مناطق نفوذ حزب الله وحركة أمل في جنوب لبنان وبقاعه، وتصل قيمتها إلى 180 مليون دولار.

وقد اتهمت الخزانة الأميركية حزب الله بـ”استغلال الاقتصاد اللبناني وموارده من خلال تلاعب سياسيين فاسدين يمنحون الشركات المرتبطة بالحزب عقوداً حكومية لإثراء قادتهم، بينما يعاني الشعب من عدم كفاية الخدمات”، وقالت الخزانة: “إنّ حزب الله تآمر مع مسؤولين منهم وزير الأشغال العامة والنقل السابق يوسف فينيانوس لتوجيه عقود حكومية بملايين الدولارات للشركتين”.

وبناء على كل ما سبق تشكل وزارة المالية بالنسبة لحزب الله باباً لتهريب الأموال من خارج النظام المصرفي الدولي، ومن خلال إدارات الدولة وبعملتها.

كما تفسر تمسّك الحزب والحركة بموقفيهما ولو على حساب عرقلة الحكومة وسير عملها وإصلاحاتها، فتولّيهما لهذه الوزارة قد يشكّل خطراً على المساعدات الدولية التي تملك الولايات المتحدة الأميركية كلمة الفصل فيها، خاصة أنّها كانت إلى جانب السعودية من أشد المطالبين بعدم مشاركة حزب الله على وجه التحديد في الحكومة، فيما يصرّ هو على مكافأة أبناء طائفته بأهم وزارة فيها.

 

الكاتب: 
عماد الشدياق
التاريخ: 
الخميس, سبتمبر 24, 2020
ملخص: 
وزارة المالية بالنسبة لـ حزب الله وحركة أمل هي “مفتاح أساسي لتغيير النظام، والسير نحو المثالثة التي يسعيان إليها (المثالثة بين المسيحيين والسنة والشيعة في المناصب)، ولن يتوقف الأمر هنا، لأن وزارة المالية ممرّ إلزاميّ لأيّ إصلاح، وهما يريدان أن يكونا الشري