انقلاب سياسي بنسف حزب الله للطائف؟
يسجن وباء كورونا العالم بأسره من دون شفقة ورحمة، وبالتالي بات لبنان من ضمن الدول المصابة بهذا الوباء، ولكنّ ما يميّزه عن سواه وجود أمراض كثيرة مزمنة وجديدة تحيط به من الجهات كافة وليس له قدرة على التصدي لها، أكان في الحكومات السابقة أم مع الحكومة الحالية، بينما العهد بات لا حول له ولا قوة وقطع أكثر من نصف مسافة ولايته دون أي إنجازات وخطوات يمكن تذكير الأجيال المقبلة بها كما كانت الحال مع الرئيسين فؤاد شهاب وكميل شمعون، حتى إنّ الأزمات الحالية لم يسبق أن حصلت مع أي عهد وإن كانت المسؤوليات المتراكمة مشتركة إنّما ليس لدرجة الارتخاء الذي آلت إليه الأوضاع اليوم في “العهد القوي”، وتالياً القلق من أن لا تنحصر الكوارث بالاقتصاد والمال والبطالة والجوع، إنّما ثمة أجواء عن انقلاب سياسي يعقب الانقلاب الاقتصادي الذي يعيشه البلد اليوم.
وفي السياق، هناك معلومات عن تحضيرات ولقاءات وتشاور بين شخصيات سيادية وثقافية ودستورية بغية قطع الطريق على أي انقلاب سياسي قد يحصل في أي توقيت، بعدما كثر الحديث عن نسف الطائف والتحضير لمؤتمر تأسيسي، الأمر الذي يردّده حلفاء إيران في لبنان، ومن الطبيعي أنّ “حزب الله” الذي يُعَدّ القائد الفعلي لأي حركة انقلابية لا يتأخّر في تغيير هذا النظام الذي لا “يطيقه” أو يهضمه، وما ممارساته منذ الطائف إلى اليوم ولا سيما في الآونة الأخيرة إلا مؤشر على هذا المعطى، وعليه هل يصدر (البلاغ رقم واحد) في هذا الإطار عندما تحين الساعة؟
وتوازياً، تؤكد مصادر سياسية متابعة لـ “النهار” أنّ هذه اللقاءات من الشخصيات المذكورة التي تتنادى في ما بينها للتشاور حول تحصين الجبهة الداخلية والحفاظ على ما تبقّى من قيم دستورية وحريات وديموقراطية وتعددية، قد تُتوَّج بمؤتمر ربما خارج البلد تُعلَن خلاله عناوين سيادية أساسية مدعومة من الدول الصديقة للبنان والتي لها باع طويل في الوقوف إلى جانبه في الظروف الصعبة، وباريس ليست بعيدة من حصول مؤتمر كهذا لأنّ المسألة الراهنة في لبنان أضحت تستدعي حراكاً استثنائياً قبل فوات الأوان، إذ تشير إلى جملة عناوين ومعطيات تؤشّر إلى أنّ ما حصل في البلد هو انقلاب اقتصادي ومالي تفرّعت عنه أزمات اجتماعية ومعيشية وبطالة، وسيعقبه انقلاب سياسي كي تقبض الجهات المتضرّرة من اتفاق الطائف على مفاصل البلد وتحكمه بقبضتها، وهنا لا بد من الإشارة إلى جملة عناوين تؤشر إلى هذا الانقلاب: أولاً أنّ الطائف لم يستسغه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وسبق له أن خاض معارك عسكرية يوم كان قائداً للجيش ورئيساً للحكومة العسكرية لقطع الطريق على هذا الاتفاق، وإن كان مشى به لاحقاً وخاض الانتخابات النيابية على أساسه وانتُخب رئيساً للجمهورية أيضاً نتاج هذا الاتفاق، ولكنّ “حزب الله” يبقى “الحاقد” الأكبر على الطائف إذ يراه خياراً أميركياً – سعودياً وإن كان حينذاك ضمن توافق من واشنطن والرياض ودمشق والجامعة العربية بشكل عام وحظي بمباركة المجتمع الدولي على اعتباره كان الملاذ الأول والأخير يومها لوقف الحرب في لبنان وهذا ما حصل، وإنّما ممارسات “حزب الله” في السياسة والأمن لا تتماهى مع النظام الحالي أو مع وثيقة الوفاق الوطني بل هدفه المؤتمر التأسيسي وضرب الطائف الذي قصفه الحزب مراراً وتكراراً في أكثر من محطة سياسية واستحقاقية وأمنية، ومن الطبيعي للوصول إلى أي هدف يجب تدمير النظام الاقتصادي وهذا ما حصل بعد انهيار الوضع المصرفي والمالي وبلوغ البلد حالة الانفجار الاجتماعي والفوضى المصرفية، وذلك ما يتبدى من خلال المشهد السوريالي اليومي إن في المصارف وسواها.
وتضيف لافتةً إلى أنّ “حزب الله” ومن الطبيعي العهد الذي يماشيه في ضرب الطائف والانقضاض عليه، لا يهضمان الدور السعودي في لبنان ويعتبران أنّ الدستور الحالي هو نتاج دور سعودي، وما زاد من حملاتهما على هذا الاتفاق والمملكة العربية السعودية، إنّما تنامي الخلاف السعودي – الإيراني وحرب اليمن وما يجري في العراق ولبنان، ويعتقد “حزب الله” بدعم من إيران، وهنا الأساس، أنّ ضرب الطائف وتغيير النظام هما ضربة للسعودية وللولايات المتحدة الأميركية، ومن هذه الخلفية يرتفع منسوب حملاتهما على الرياض ودورها وحضورها في لبنان والمنطقة.
وتخلص لافتةً إلى أنّ تغيير النظام مطروح بقوة، والممارسات على الأرض تنبئ بذلك، ولكن ثمة إحاطة دولية بلبنان لا يمكن تجاهلها، إذ تنادي الولايات المتحدة الأميركية دائماً بضرورة تحصين الطائف ودعمه، وذلك ما ينسحب على دول القرار بما فيها روسيا، كذلك إنّ السعودية تشدّد دوماً على الحفاظ على الاتفاق المذكور والسير بروحيته باعتباره الضامن للسلم الأهلي وهو الدستور، ما يعني أنّ صعوبات تواجه إيران وحلفاءها، ولتعويض خسائر طهران في سوريا والعراق واليمن فإنّهم يسعون للإمساك بلبنان في السياسة والاقتصاد والأمن، وهذا المشهد بات ماثلاً للعيان في كل المحطات التي يجتازها البلد.