«حزب الله» قد يتغيّر... ولكن بعدَ المؤتمر التأسيسي
من المؤكد أنّ «حزب الله» سيتأثّر بالصفقة حول الملف النووي الإيراني. لكنّ المراهنةَ على أن تكون إيران قد باعت «الحزبَ» لتشتري أشياء أخرى ليست في محلّها على الإطلاق. فلا شيء لدى إيران أغلى من «الحزب».
لم يكن عبثياً تحديدَ ستة أشهر لإختبار الصفقة حول النووي الإيراني. فهي تلتقي، في صيف 2014، مع المهلة الممنوحة للرئيس بشّار الأسد حول الكيماوي السوري. والمهلتان تتشابكان مع إستحقاقٍ للإنتخابات الرئاسية تكتنفه الشكوك، في كلٍّ من سوريا ولبنان.
وما بين بين، إنتظارٌ لمساراتٍ أخرى، أبرزها المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية. فكأنّ هناك مَن يضرب المواعيدَ في الشرق الأوسط لتلتقيَ كلُّها في صيف 2014. ولذلك، سيكون هذا الصيف محطةً مفصليةً في تقرير مصير المنطقة وشعوبها وأنظمتها والخرائط.
وحتى ذلك الحين، الجميع يعيش مراحلَ تجريبيّة: تجارب تركية وسعودية وإسرائيلية للتأقلم مع حدود أوسع للنفوذ الإيراني. وفي سوريا تجارب على تسوية في "جنيف ـ 2"، مقابل تنازع شرس للسيطرة على الأرض. وفي لبنان تعبئة الوقت الضائع بأوهام التسويات الصغيرة التي لا تنضج.
وخلافاً للتوقعات الأخرى، يعيش "حزب الله" فترةَ الإنتظار مطمئنّاً، بل هو يشارك في صُنعها وكأنه عرّابُ المتغيّرات الآتية، وإطمئنانه سابِقٌ للصفقة النووية. فهو إستطاع تعطيلَ الإنتخابات النيابية وتأليف حكومة جديدة. وفي الصيف سيكون قادراً على منع الإنتخابات الرئاسية.
ويستند "الحزب" إلى ثلاث نقاط للقوة في المرحلة المقبلة:
1- إستمراره ممسكاً بالمؤسسات جزئياً، وبالسلاح كلياً، وإنعدام قدرة أيّ من القوى الداخلية حتى على مناقشته.
2- تحسُّن وضع حليفه السوري عسكرياً وسياسياً، وحصوله على غطاء دولي للإستمرار في السلطة حتى إنتهاء الولاية على الأقل.
3- تحسُّن وضع حليفه الإيراني من خلال الصفقة مع الغرب وفكّ الحصار الدولي عنه، ولو جزئياً. ويستفيد "الحزب" من توجُّه الولايات المتحدة إلى إعادة الوكالة القديمة لطهران والأسد لمواجهة "الإرهاب"، علماً أنّ شكوكاً حقيقية تحوط بالعلاقة ما بين الأسد وطهران وعدد من المجموعات الموضوعة في الخانة الإرهابية.
ولذلك، سينتظر "حزب الله" على الأرجح إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية ليصبح الفراغ شاملاً. وحتى ذلك الوقت، لن تكون هناك حكومة لا يتحكَّم بها وبمصيرها. وسيواصل عروضَ القوة في عدد من المناطق ليثبت أنّ "الأمر له". وليس للقوى المعادية له، من العاصمة إلى صيدا فعرسال وطرابلس.
وهناك مَن يعتقد أنّ "الحزب"، ونتيجةً للضغوط الأمنية والسياسية والإقتصادية التي يمارسها، سيكون قادراً على وضع الجميع أمام خيارٍ من إثنين: إما الفراغ، وإما المؤتمر التأسيسي. فالمعطيات الحالية تكرّس الفراغ. ولن يبذل "الحزب" جهوداً مضنية للخروج منه.
ولكن، إذا نضجت الظروف لمؤتمرٍ تأسيسي، فسيفرضه "الحزب" على الجميع. وعلى الأرجح، سيتجاوب معه كثير من القوى إضطرارياً، وحتى الخصوم، خصوصاً إذا جاءتهم "كلمة سرّ" سعودية، عبر تسوية سعودية ـ إيرانية مرحلية. فالنائب وليد جنبلاط سيكون جاهزاً على الأرجح، وسائر الوسطيين، وكذلك غالبية فريق 14 آذار.
في صيف 2014، قد تبلغ مؤتمرات "جنيف ـ 2" و3 و4... مراحلَ متقدمة في رسم مصير سوريا وتركيبتها السياسية. وعندئذٍ، سيكون "حزب الله" قادراً على تسويق "مؤتمره" التأسيسي. وسيكون الأقوى على الطاولة، هو وسلاحه. وعلى الأرجح، سيبدأ في هذا المؤتمر حلّ مسألة السلاح.
وسيتمّ إنتاج التسوية البديلة من "إتفاق الطائف"، والتي ستعيد تقسيم الحصص بين الطوا ئف والمذاهب. وفيها، لن يتخلّى "حزب الله" عن أمن مناطقه، ولا عن سلاحه الذي يؤدي دوراً إستراتيجياً مهماً. فهو الذي ساعد الرئيس بشار الأسد على الصمود. ولن يتخلّى "الحزب" عن هذا السلاح، إلّا إذا إنتفت الحاجة إليه في لبنان وسوريا وخارجهما. وهذا الأمر ليس وارداً قبل إنتاج الحلول.
يتخلّى "حزب الله" عن سلاحه، تحتَ سقف التسويات الكبرى، ووفق ضماناتٍ يكرّسها المؤتمرُ التأسيسي. وهذه الضمانات لا تنتزع السلاح، بل تمنحه الشرعية، كجزءٍ من المنظومة الأمنية والعسكرية الرسمية. وتكون لـ"الحزب" مسؤولية الحفاظ على الأمن في مناطقه.
إذا تحقّق ذلك، وفقاً لسيناريوهات متقاطعة، فسيكون نموذجاً لخصخصة الأمن طوائفياً ومذهبياً. وفي المؤتمر التأسيسي، سيُرسَم لبنان على صورة الشرق الأوسط الآتي ومثالِه.