الحوار: من الرئاسة إلى استكمال الطائف ومجلس الشيوخ
جلسة فجلسة، تتشعّب مواضيع طاولة الحوار وتضيع البوصلة. من الرئاسة وقانون الانتخاب، انتقل البحث في اليوم الثاني إلى النقاش في اللامركزية الإدارية ومجلس الشيوخ. لعلّ كلمة النائب وليد جنبلاط بالأمس عن أن موعد الرئاسة لم يحن بعد ولا حلول قريبة للأزمة، استبقت مجريات الحوار في يومه الثاني الذي غاب عنه جنبلاط لعلمه إلى أين هي وجهة الأمور، وأن النقاش سيكون حول جنس الملائكة، فيما الأزمة في مكان آخر. لم تُبحث الانتخابات الرئاسية إلا عرضياً، ولاسيما مع تجديد الوزير جبران باسيل المطالبة بانتخاب الرئيس الذي يمثّل الأكثرية المسيحية، وهو النائب ميشال عون في نظره. فيما عارض الوزير بطرس حرب ذلك، وردّ على وزير الخارجية بالقول إنه لا يمكنهم احتكار التمثيل.
تشعّب النقاش هنا، وخصوصاً بعد تأكيد الرئيس فؤاد السنيورة أن النائب سليمان فرنجية مازال مرشّح "المستقبل". تسلّح فرنجية بموقف السنيورة، طالباً من "التيار الوطني الحر" إحترام كل المكونات، لا اختصار المسيحيين بشخص النائب عون. وطالب بإجراء إستفتاء شعبي على شخص الرئيس. الأمر الذي وافق عليه باسيل واصفاً إياه بالانتخابات من قبل الشعب. وهنا أيضاً عارض حرب، معتبراً أن ما يجري من نقاش هو خروج على الدستور والقانون والمنطق.
بعيداً من ذلك، افتتح الرئيس نبيه بري الجلسة، بالتأكيد على وجوب التوصل إلى حلّ. وقدّم بحسب مصادر لـ"المدن" ثلاثة بنود لحلّ الأزمة بمعزل عن الرئاسة، أي البحث في إنشاء مجلس الشيوخ، اللامركزية الإدارية، والبحث في قانون الانتخاب. وقد وزع بري على المجتمعين أوراقاً بهذه البنود على أن يتم البحث في قانون الانتخابات في جلسة الخميس.
ووفق مصادر، فقد تم التوافق على إحالة دراسة مشروع اللامركزية الإدارية إلى لجنة الإدارة والعدل ولجنة الداخلية والبلديات في مجلس النواب، لأجل البحث في كيفية تطبيقها، على أن تحول إلى لجنة متخصصة فيما بعد كي تحال في مرحلة لاحقة إلى اللجان النيابية المشتركة لإقرارها، خلال مدة زمنية لم يتم تحديدها. أما حول طرح إنشاء مجلس الشيوخ، فقد شدد المتحاورون على أنه يعطي ضمانة لكل الطوائف والمذاهب، كي تكون ممثلة فيه بشكل متساوٍ وليس على أساس عددي.
أما في شأن البحث في قانون انتخابات وطني وجامع يحفظ حقوق الجميع، فقد طرح كل من "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" على الطاولة أن هذا الكلام يعني الذهاب نحو خيار النسبية، بينما لم يقدم "تيار المستقبل" أي جواب لهذا الأمر، مفضلاً الإنتظار إلى البحث التفصيلي في هذا الملف. رغم الموافقة على النقاط السابقة، خصوصاً أن "المستقبل" يعارض مبدأ النسبية في ظل السلاح.
وقد جرى الاتفاق على البحث في كيفية إنشاء مجلس الشيوخ في جلسة الخميس، على أن تجري قراءة ذلك من خلال دستور الذي "ترجم" اتفاق الطائف، وعلى أن يجري أيضاً تشكيل لجنة متخصصة للبحث في كيفية إقرار هذا الأمر. إلا أن أحد الأقطاب المشاركين في الحوار يقول لـ"المدن" إنه إذا كانت الرئاسة مؤجلة إلى أن تحصل الإنفراجات الإقليمية، فإن هذه المواضيع المطروحة للنقاش قد تحتاج إلى ألفية جديدة للتوافق عليها.
وهنا يعتبر "المستقبل" أن ما يجري يهدف إلى إشاحة النظر عن إستحقاق رئاسة الجمهورية، والذهاب إلى البحث في أمور أخرى، تمهيداً للدخول إلى مبدأ السلّة التي تخدم "حزب الله". وتجزم مصادر "المستقبل" أن ذلك لن يؤدي إلى أي نتيجة. في المقابل، يعتبر الوزير علي حسن خليل أن هذه الجلسة الحوارية هي من أهم الجلسات التي انعقدت في تاريخ جلسات الحوار، وهي أرست أسلوباً إصلاحياً جديداً في الحوارات، ومنها تطبيق ما تبقى من بنود اتفاق الطائف. ونحن لا نستطيع الحديث عن توافق كامل، ولكن هناك نسبة من التوافق تسمح للاستمرار بالبحث.
واعتبر النائب سامي الجميل أن هناك انجازاً مهماً حصل في جلسة الحوار بالنسبة إلى التعاطي مع مشروع اللامركزية الإدارية، إذ تمت احالته إلى مجلس النواب لبحثه. وهذا الموضوع يوقف الاستنساب في التعاطي مع حياة المواطنين، ويسمح للناس الاهتمام بشؤونهم لأن الدولة المركزية لا تستطيع الاهتمام بها. وأسف الجميل للهرب من الديمقراطية التي ميزت لبنان، لأن الرئيس لا يتعين ولا يتم الاتفاق عليه على طاولة، بل يتم انتخابه بالاقتراع السري في مجلس النواب.
من جهته قال النائب علي فياض إن جلسة الحوار تجاوزت البحث في منطق دوحة جديدة الى البحث في تطبيق شامل لما تبقى من بنود اتفاق الطائف وتطبيق كل البنود الإصلاحية فيه والتي لم تطبق لغاية الآن. فالبحث فتح الباب على مصراعيه في ما يتعلق بتطوير النظام السياسي اللبناني في اطار اتفاق الطائف.