بين ” المارونية السياسية ” و” السنية السياسية ” و” الشيعية السياسية”

النوع: 

 

دعونا نتكلم بصرحة والصراحة فضيلة افتقدها اللبنانيون منذ إعلان دولة لبنان الكبير في العام 1920.

أنكر الموارنة واستنكروا مصطلح ” المارونية السياسية ” الذي ابتكره المفكر منح الصلح ، وعابوا عليه هذا المصطلح ، مع أنه أبقاه مجهول الأب ، ولم يجهر به علنا ، سائرا على خطى سعيد عقل في نكرانه أبوة أغنية ” أجراس العودة ” التي غنتها فيروز ذات سنة من ستينيات القرن العشرين.

رأى الموارنة في مصطلح ” المارونية السياسية ” ، تهمة من ذوات الرماح الجارحة ، وهي الرماح التي اعترضت ” السنية السياسية ” وعارضتها منذ آلت مقاليد الحكم والموازين الإقليمية إليها بعد سريان “اتفاقية الطائف” في العام 1990.

والآن تعترض ” الشيعية السياسية ” وتعارض المصطلح الآيل إليها .

كل ما في الأمر ، أن ابتكار مصطلح ” المارونية السياسية ” لم يكن عبثيا ولا وهما منفصلا عن الواقع ، بل كان حقيقة .ومع ” السنية السياسية ” كان الأمر مماثلا .ومع ” الشيعية السياسية ” الأمر مطابق لما سبقه من نظائر وأقدميات .لنكن صريحين مرة والحكمة تفترض أن نكون صريحين في كل مرة

حين سادت ” المارونية السياسية ” ، كانت سيادتها تعبيرا عن حيوية قلت أشباهها في لبنان والعالم العربي .

لم يكن أحد يشبه الموارنة ومن هم في دائرتهم ، ولم يكن محض صدفة ” اختراع لبنان ” ، فلبنان تعبير عن حيوية مارونية فائقة تحولت واقعا وطنيا متميزا ، في الفكر والثفافة ، في الإعلام والفن ، في الحرية والنظام السياسي التعددي ، وفي المحاولة الوحيدة لبناء دولة في مجتمعات الشرق الأوسط الذي لم يعرف سوى محاولات لبناء سلطات وأجهزة أمنية .هذه الحيوية المارونية ، دارت دورتها لترثها بعد حين الحيوية السنية والحيوية السنية لم تكن ضربا من ضروب العفوية حين تم تتويجها ب ” إتفاقية الطائف”.

و” اتفاقية الطائف” هي الباب الذي خرجت منه ” المارونية السياسية ” ودخلت منه ” السنية السياسية “.

هذا الكلام لا يعني إسقاط أو إلغاء ” المارونية السياسية “، بل يعني تراجعها وفقدانها للحيوية التي كانت ، بحيث أصبحت ” السنية السياسية ” أولى بين آوائل.

سعت ” السنية السياسية ” في ذروة حيويتها مع الرئيس رفيق الحريري ، لإعادة صوغ لبنان ما قبل حرب العام 1975، فحمل الرئيس الحريري ” قنديلا مارونيا ” لإخراج لبنان من عتمة الحرب ، تمثلت إضاءاته في : إحياء قطاع الإقتصاد السياحي ـ إنعاش الإقتصاد المصرفي ـ تفعيل الإقتصاد العقاري ـ التركيز على تنمية المركز ( بيروت ) لتعقبه تنمية الأطراف ـ إعادة الإعتبار للفنون المختلفة ـ تحديث البنى التحتية وطرق المواصلات بين المناطق اللبنانية .

كان ثمة معارضون للرئيس رفيق الحريري ولم يكن هناك بدائل لمشاريع ” السنية السياسية “.

وكان ثمة معارضون أيضا ل” المارونية السياسية ” ولم يكن هناك مشاريع ـ بدائل ل” المارونية السياسية ”

ولم يبرز بوجه ” المارونية السياسية ” بدائل مقبولة ومعقولة ، إلا بعد اندلاع الحرب الأهلية في العام 1975 ، حين أطلقت الحركة الوطنية اللبنانية ” اليسارية النزعة والنزوع ، ما يُعرف ب ” البرنامج المرحلي ” لإصلاح النظام السياسي اللبناني ، إنما السيف كان قد سبق العذل ، فالحرب اندلعت في شهر نيسان ، وبرنامج ” الحركة الوطنية “، ظهر في شهر آب.

دارت ” السنية السياسية ” دورتها ، ولحقت بها انتكاسة في العام 1998 ، حين اعتذر الرئيس الحريري عن تشكيل الحكومة ، واستعادت زخمها بحيوبة متجددة بعد انتخابات العام 2000 ، وحين استشهد الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 ، كانت ” السنية السياسية ” قد بلغت ذروتها واكتملت عناصرحضورها المحلي والإقليمي والدولي .

هذا ما كانت بلغته ” المارونية السياسية” ، محليا وإقليميا ودوليا حتى العام 1975. وهذا الحضور المحلي ـ الإقليمي ـ الدولي بلغته ” السنية السياسية ” حتى العام 2005.

وهذا الحضور نفسه ، المحلي ـ الإقليمي ـ الدولي ، ستباشر ” الشيعية السياسية ” سلوكه ابتداء من العام 2006 ، وليتوسع هذا الحضور بعد الأزمة السورية والإنخراط المباشر في يومياتها الميدانية منذ العام 2013.

ولنلاحظ هنا التالي :

ـ ” مارونية سياسية ” بحضور ثقيل محلي ـ إقليمي ـ دولي

ـ “سنية سياسية ” بحضور ثقيل محلي ـ إقليمي ـ دولي

ـ ” شيعية سياسية ” بحضور ثقيل محلي ـ إقليمي ـ دولي

هذه هي الطوائف الكبرى في لبنان

هذا حراكها هذا غليانها وهذه هي حيوياتها المتنقلة وعدوى المصطلح المتنقل من واحدة إلى أخرى .

كأن الحيويات الثلاث أمام دورات ثلاث ، مثل الدورات ” الحضارية ” لإبن خلدون ، ما أن تنتهي حيوية طائفة حتى تتلقفها حيوية طائفة بديلة .

قلنا : حديث الصراحة فضيلة والصراحة حكمة والحكماء قليلون في هذا الزمان وفي كل زمان

والصراحة تفترض القول : إن ” المارونية السياسية ” ليست عيبا ولو تم استغلال قوتها الحضارية وعوامل ايجابياتها لكانت الشمس تشرق من لبنان وتغرب في لبنان. و”السنية السياسية ” ليست نقيصة ولو تم استغلال قوة علاقاتها الدولية وعقلها الإقتصادي لكان لبنان قلب العرب وإحدى عواصم العالم و” الشيعية السياسية ” ليست مسبة ولو تم استغلال قوتها الضاربة وحيويتها الفائضة ، لغدا لبنان قلعة لا تقترب منها فهود أو نمور

أخطأ من وصف ” المارونية السياسية ” بأنها جسر عمالة للغرب بالغ من وصف ” السنية السياسية ” بأنها وصلة انتهازية لمشاريع إقليمية يتطرف من يصف ” الشيعية السياسية ” بأنها رأس حربة للخارج.

هذه مشكلة عند اللبنانيين في انتقاء المفردات وأدوات التعبير،مشكلة أن تتحول مفردة إلى شعار ومشكلة أن يتحول الشعار إلى مشروع ومشكلة أن يتحول المشروع إلى حرب.تعالوا نسرح مع الخيال المحمود :

خيال يجمع الحيويات الثلاث

حيوية حضارية عند ” المارونية السياسية ”

وحيوية اقتصادية عند ” السنية السياسية”

وحيوية حماية لبنان عند ” الشيعية السياسية”

يمكن أن نتخيل ؟

يمكن أن نحلم ؟

يمكن أن نعيد توضيح الواضحات وتثبيت الثابتات، ونستعيد قولا يقول : إن من خصائص الإنسان عن سائر الكائنات والمخلوقات ، أن الله خصه بالحلم ؟.

هل يمكن أن نحلم؟

هل يمكن أن نتخيل لبنان مع الحيويات الثلاث ؟

أي لبنان يكون بعد الحلم ؟

أي لبنان يكون مع الحيويات الثلاث ؟

مع الحيويات الثلاث يتحول لبنان وطنا

دعونا نحلم

نحلم بوطن

نحلم فقط

عشتم وعاش لبنان.

الكاتب: 
توفيق شومان
التاريخ: 
الأحد, نوفمبر 25, 2018
ملخص: 
دارت دورتها لترثها بعد حين الحيوية السنية والحيوية السنية لم تكن ضربا من ضروب العفوية حين تم تتويجها ب ” إتفاقية الطائف”. و” اتفاقية الطائف” هي الباب الذي خرجت منه ” المارونية السياسية ” ودخلت منه ” السنية السياسية “.