جلابيط وصيصان وجمهورية ثالثة!
وسط صراع محموم على اختراع التعابير الانتخابية «الخلاقة»، من «الجلابيط» و«الصيصان»، وربما غدا الفئران والجرذان والقرود والديدان، يتبارى أهل الموالاة والمعارضة في مقامات التمسك باتفاق الطائف، الى حد الرقي به احيانا الى درجة القداسة. ذلك ان بعض الاصوات والاقلام تأخذ على المعارضة رغبتها بالخروج على الطائف، ومحاولة الذهاب الى نظام سياسي جديد، ما يدفع هذه الاخيرة الى نفي هذه التهمة، وكأن تطوير الانظمة السياسية عيب أو رجس من عمل الشيطان، ولأن الطائف ادى قسطه للعلى كتسوية لم ترق الى مستوى الحل، وبات لبنان فعلا بحاجة الى جمهورية ثالثة، ينبغي التوقف امام هذا الموضوع بقسط من العقل والمنطق.
يدين اللبنانيون للطائف بإنتاج تسوية اوقفت الحرب الأهلية في لبنان وفتحت المجال على حل دائم. توقفت الحرب واقرت الاصلاحات الدستورية وتشكلت السلطات على أمل الولوج الى الحل. لكن ما تحقق من الطائف حتى الآن ينبئ بعودة لبنان مسافات الى الوراء، بدلا من التقدم الى الأمام وانتاج وطن لجميع اللبنانيين يقوم على الغاء الطائفية السياسية واعتماد المواطنة نهجا في التعامل مع المواطنين. تحققت التسوية وبقي الحل الدائم بعيد المنال.
وفي اطار هذا الحل تنص وثيقة الوفاق الوطني التي صدرت قبل عشرين عاما على ركائز اساسية، أهمها: تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية بعد اول مجلس نيابي منتخب مناصفة بين المسلمين والمسيحيين. تحقيق الانماء المتوازن. اعتماد المحافظة دائرة انتخابية في قانون الانتخاب. تشكيل مجلس للشيوخ بعد اول مجلس منتخب على اساس وطني لاطائفي. الغاء قاعدة التمثيل الطائفي في الوظائف العامة. تحقيق اللامركزية الادارية وتوسيع صلاحيات المحافظين واعادة النظر في التقسيمات الادارية. انشاء مجلس دستوري لتفسير الدستور ومراقبة دستورية القوانين(المجلس معطل منذ سنوات ولم تُنط به مهمة تفسير الدستور). تقوية قوى الامن الداخلي وعودة الجيش الى الثكنات. حل مشكلة المهجرين جذريا. تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي.
هذا غيض من فيض الركائز الاساسية للطائف، التي لم تتحقق حتى الآن. اكثر من ذلك، تعززت خلال السنوات الماضية العصبيات الطائفية والمذهبية في حين كان يفترض الغاء الطائفية السياسية، وتخلخلت صيغة العيش المشترك، وتنابذت السلطات التي كان يفترض ان تكون متوازنة وعلى اساس المشاركة، فانكشفت صيغة الطائف عن سلطة برؤوس غير متوازنة: رئيس يمارس سلطة امبراطورية، ورئيس يستطيع تعطيل السلطة، ورئيس يمكن تجاوزه بعد تركيب السلطة.
وبعد، يحدثونك عن التمسك بالطائف المتوقف عند حدود التسوية من دون الولوج الى الحل، حتى ليبدو لكل صاحب بصيرة اننا امام جثة هامدة يمتنع أهلها عن الدفن، في حين تقول القاعدة الشرعية «ان اكرام الميت دفنه». فأي اصلاح يمكن تحقيقه في ظل هذه المعادلة؟
عود على بدء. ان المعارضة معنية بالدرجة الاولى بالاصلاح. ولا قيمة ولا معنى لأي معارضة ولا لفوزها في الانتخابات اذا لم يكن في «نافوخ» برنامجها هز الطائف واعادة النظر فيه، إما باتجاه استكماله والغاء الطائفية السياسية، وإما الخروج عليه نحو نظام سياسي وطني يعتمد المواطنة سبيلا للحكم وليس العودة الى توازنات الطوائف، مثالثة او مرابعة اومخامسة، او انتزاع صلاحيات من رئيس لرئيس آخر. ولا يعفي هذا الامر القوى المندرجة اليوم في اطار الموالاة من مسؤولية الاصلاح على هذا الاساس، اذ ان برامجها تضج بالوطنية والافكار المفعمة بحب الوطن.
هذا هو الطريق الى بناء وطن. اما اذا كان المطلوب استمرار المزرعة، فلا فضل لمعارضة على موالاة... وأبشر بطول سلامة يا مربع!