ما هي ابعاد رافعي استقالة رئيس الجمهورية من وجهة حليفه؟

النوع: 

 

ليست المرة الاولى التي تتردد في الاوساط السياسية والاعلامية صدى دعوة توجهها جهة ما او شخصية معينة الى رئيس الجمهورية لكي يتنحى طوعا او تحت تاثير حراك ما. ولكن العنصر الجديد هو ان تنطلق في الايام القليلة الماضية الدعوة اياها من ثلاث جهات وعلى نحو متقارب وهي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. واللافت ان لاجامع مشتركا بين هذه الشخصيات الثلاث ولاشيء يشي بأن ثمة تنسيقا مسبقا بينها،فالمعلوم ان كلا منها يعلي صرخته من منطلق مختلف تماما عن الاخر ولمقاصد تكاد تكون متباينة. ففرنجية الموغل في عدائه مع الحاضنة السياسية للعهد وانتقل اخيرا ليضع نفسه في مواجهة سيد هذا العهد، انما اختار ان يطلق دعوته هذه في هذه المرحلة بالذات لغايتين اثنين:  الاولى انه كان طبيعيا لفرنجية الذي يمضي بلا هوادة في معركة تصفية الحسابات بمفعول رجعي مع التيار البرتقالي، ان يرفع وتيرة هذا السلوك في لحظة يتبدى فيها ان هذا التيار يترنح تحت وطاة ازمة سياسية. الثانية شاء فرنجية ان يبعث بشكل ناعم وضمني برسالة احتجاج على تعويم حزب الله وسيده تحديدا لتفاهمه القديم مع التيار الوطني وهو تطور استشفه زعيم سياسي مثل فرنجية يتملكه طموح بلوغ ما بلغه جده الراحل سليمان فرنجية، فضلا عن انه يعتبر انه كان قاب قوسين او ادنى من الحصول عليها قبل نحو خمس اعوام وتنازل عنها بناء على وعد. اما جنبلاط فهو ينطلق من هواجس وحسابات مختلفة. فليس جديدا القول ان جنبلاط بهذه الدعوة يستانف صراعه المزمن مع التيار ولكن الجديد نوعا ما انه يسقط عملية مساكنة نظمها مع سيد العهد نفسه بعد وصوله الى قصر بعبدا بفترة طويلة بناء على نصائح وحسابات.وانه استطرادا يشرع في مواجهة اشد ضراوة مع التيار والعهد. واللافت في هذا ان جنبلاط يطلق دعوة كان في تجارب سابقة لايقيم لها اعتبار ويدعو الى الكف عنها لانها مضيعة للوقت وتشتيت للجهد. وعليه كان التفسير الاقرب لانحياز سيد المختارة الى هذه الدعوة في هذه المرحلة انه يطلقها لهدفين اذ يجدد رغبته في منازلة التيار في لحظة التأزم التي يثبت فيها هذا التيار انه يوشك ان يكون رأس الحربة وحيدا وليبعث من جهة أخرى برسالة سلبية مشفرة الى حزب الله وهو الحريص على الا تكون له معه خطوط تماس دائمة ومفتوحة مذ آل على نفسه ضبط هذا الخلاف ضمن حدود واعية ودقيقة ومقبولة من الجانب الآخر توحي انه ما برح على العهد القديم مع الحزب. فضلا عن ذلك فإن جنبلاط يعي بأن المرواحة سمة المرحلة لذا فهو محتاج دوما إلى تأكيد حضوره في المشهد المحتدم.

  أما أن تأتي هذه الدعوة من معراب، فلذلك تفسيراته المتعددة منها مثالا أن جعجع يكاد يعلن فصم عرى تفاهمه السابق الذي ابرمه على مضض مع التيار وانه يمضي قدما في دعواته وشعاراته التي ابتدات مذ اوعز الى وزرائه في حكومة الحريري الى الاستقالة غداة انطلاق الحراك وركز جهوده على مدى اشهر لكي يوحي بانه سيد لعبة الشارع.ثم سارع ليطلق شعار الدعوة الى حل مجلس النواب والذهاب الى انتخابات مبكرة وبعدها كانت دعوته الى رحيل الثلاثي الحاكم باعتباره ” رأس المعصية “.لذا لم يجد راصدوه غضاضة في ان يعلي جعجع الدعوة الى رحيل عون. من باب الاستئناس والتذكير ليس الا ان رئيسا لبنانيا واحدا اختار ان يتلقف الدعوة الى رحيله ويقدم استقالته وهو الرئيس الراحل بشارة الخوري وكانت هذه المحطة الفارقة في 81 ايلول عام 1952.ومن باب العلم ايضا ان المبرر الاول لهذا الرئيس لكي يرحل بهدوء انه يريد حقن الدماء بعد عصيان شعبي شهده وسط العاصمة وبعد مهرجان نظمته جبهة المعارضة وقطباها يومذاك كميل شمعون وكمال جنبلاط في دير القمر علما ان الخوري كان يملك شرعية تاريخية فهو الرئيس الذي على يده ولد الاستقلال عام 1943 فضلا عن انه كان يحوز حينها على اكثرية نيابية مريحة. وما خلا هذا الحدث فان الدعوات ذات الصوت العالي الى الاستقالة وجهت لاحقا الى اربعة رؤساء وهم كميل شمعون عام 1958 والرئيس سليمان فرنجية عشية اندلاع الحرب الاهلية عام 1975والرئيس امين الجميل في شباط عام 1984والرئيس اميل لحود في اعقاب اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط عام2005. وعليه ظلت هذه الدعوات المصحوبة دوما بضغوط في الشارع مجرد شعارات بلا تطبيق اذ اكملواولايتهم الرئاسية الى اليوم الاخر وان كانوا ذهبوا لاحقا الى نوع من النفى السياسي. وليس خافيا ايضا ان هذه الدعوات ترتفع عادة بناء على معطيات ووقائع ساخنة عدة منها:

- احتدام الانقسام وبلوغ التازم مرحلة غير مسبوقة ووصول جهود الحل الى حائط الاستعصاء.

- عندما يوحي مسار الامور بتدحرج الاوضاع نحو الهاوية او الاحتراب.

- عندما تستشعر قوى الاعتراض انها فقدت القدرة على التغيير بالاساليب المتاحة وفقدت تاليا القدرة على التاثير والعجز عن المبادرة.

- عندما يحتدم الصراع بين المحاورالاقليمية المؤثرة في الداخل على نحو يوحي بأن الامور ذاهبة باتجاه تحولات وانعطافات جذرية واعدة.

 ومع ان كل هذه المعطيات تبدو الان متوفرة في المشهد اللبناني فان الثابت لدى فريق 8 اذار ومحوره “حزب الله”انه مطمئن الى ان الدعوة الى استقالة رئيس الجمهورية هي بلا جدوى وانما هي مجرد شعار للاستهلاك لشراء الوقت رهانا على ما هو في ظهر الغيب. لاينكر هذا الفريق ان البلاد تمر بازمة حادة لكنه ما زال يستشعر في نفسه القدرة على المواجهة.واستتباعا فانه على يقين من ان كل المحاولات التي بذلت منذ انطلاق حراك 17 تشرين لم تكرس معادلة او وقائع من شانها ان تدفعه الى الانزياح نحو طلب التسوية مع الاخرين بشروط الغالب وبإذعان المغلوب ومصداق ذلك ما يكتنف عملية استيلاد الحكومة.اما مفتاح الحل برايه فهو ان يعيد الاخرون النظر في طريقة مقاربتهم للامور.

الكاتب: 
إبراهيم بيرم
التاريخ: 
الاثنين, ديسمبر 21, 2020
ملخص: 
شاء فرنجية ان يبعث بشكل ناعم وضمني برسالة احتجاج على تعويم حزب الله وسيده تحديدا لتفاهمه القديم مع التيار الوطني وهو تطور استشفه زعيم سياسي مثل فرنجية يتملكه طموح بلوغ ما بلغه جده الراحل سليمان فرنجية