العوامل المتقاطعة "على" تشكيل الحكومة
إذاً، وافق فريق 8 آذار على أن تتشكّل الحكومة.. أي وافق على وقف التعطيل. وعلى ما يبدو، فقد إكتمل "المشهد الإقليميّ" المساند للتشكيل، وأعطيت "التعليمات" إلى مَن عطّلوا طوال أربعة أشهر ونيّف بالتوّقف عن التعطيل.
يحصل ذلك على تقاطع مع عدة عوامل ومستجدّات إقليميّة جديرة بأن يتمّ تحديدها.
ممّا لا شكّ فيه أنّ العامل الأوّل في هذا المجال، هو العلاقة السوريّة ـ السعوديّة أو ما سُمّي التقارب السوريّ ـ السعوديّ. وفي هذا الإطار، أعطت سوريّا، لا سيمّا في لبنان، إشارات إستعداد للتعاون مع المملكة العربيّة السعوديّة بما يؤدّي إلى تقصير أمد أزمة تشكيل الحكومة. وفي عناوين أخرى خارج لبنان تعني السعوديّة، أعطت سوريّا أيضاً إشارات إيجابيّة.. كما في اليمن مثلاً.
العاملُ الثاني يتجسّد في العلاقة السوريّة ـ الفرنسيّة. وعلى خطّ هذه العلاقة أيضاً تعطي سوريّا إشارات إستجابة لما تطلبه فرنسا منها في لبنان، لا سيمّا أنّ فرنسا تشكّل بالنسبة إلى سوريّا أحد الممرّات الرئيسيّة نحو الولايات المتحدّة والمجتمع الدوليّ. وإذا كانت العلاقات الديبلوماسيّة وتبادل السفراء بين سوريّا ولبنان مِن إنجازات فرنسا، فإنّ وقف إحتجاز تشكيل الحكومة اللبنانيّة مطلبٌ فرنسيّ وعدت سوريّا بتحقيقه قبلَ زيارة الرئيس بشار الأسد إلى باريس في الثالث عشر من الجاري ولقائه الرئيس نيكولا ساركوزي.
العامل الثالث يتصّل بالعلاقة السوريّة ـ الايرانيّة. وهنا، لا بدّ من أن يأخذ أيّ تحليل في الإعتبار، أنّه بقدر حرص سوريّا على عدم الوصول بالإختلاف مع إيران إلى حدّ الإفتراق، فإنّ ثمّة حرصاً إيرانياً مماثلاً على عدم "ترك" سوريّا. ذلك أنّه، وبالرغم من كلّ ما هو معروف عن النفوذ الإيرانيّ الذي تعاظم في لبنان بعدَ إنسحاب سوريّا عام 2005، فإنّ سوريّا تبقى بالنسبة إلى إيران و"حزب الله" ممّراً جغرافياً إستراتيجياً "إجباريّاً".
العامل الرابع هو المتصّل بالعلاقة الإيرانيّة ـ السعوديّة. وقد وصلَت هذه العلاقة في الآونة الأخيرة إلى حدّ التصادم "غير المباشر" في اليمن، أخذاً في الإعتبار "الواسطة الحوثيّة" لإيران هناك، وبلغت ذروة التأزّم "المباشر" بين الجانبَين على خلفيّة محاولة إيران تحويل مناسك الحجّ إلى مناسبة سياسيّة وتصعيد طهران حملاتها على المملكة في عناوين عدّة أخرى.
وليس خافياً أنّ إيران "حرّكت" بتدخّلها المكشوف في دول عربيّة عدّة من ناحية وبـ"تصادمها" المباشر وغير المباشر مع السعوديّة من ناحية "خطّ" الفتنة السنيّة ـ الشيعيّة. ولعلّها أدركت أخيراً هذا الخطر الكارثيّ فقرّرت إيفاد وزير خارجيّتها منوشهر متّكي إلى الرياض. ولعلّ السبب الداهم لزيارة أمير قطر إلى طهران هو هذا الخطر بالتحديد. وفي هذا السياق، أي بين حرص إيران على عدم "ترك" سوريّا وبين إدراك الخطر الكارثيّ المترّقب على التصادم مع المملكة، يبدو أنّ إيران وافقت على وقف عرقلة تشكيل الحكومة في لبنان.
وهذا الأمر يُفترض أن يُنظر اليه بوصفه تخفيفاً من جانب إيران لحدّة التوتّر مع السعوديّة "المنخرطة" بقوّة في جهود حلّ أزمة تشكيل الحكومة اللبنانيّة.
هكذا إذاً، وعلى تقاطع هذه العوامل الأربعة، يمكنُ قراءةُ موافقة "المعارضة" على تشكيل الحكومة في لبنان في الساعات المقبلة.. بعد أن كان جرى التمهيد لتلك الموافقة بإستدعاء ممّثل التيّار العونيّ إلى دمشق لـ"تبليغه".
بيَد أنّ تحليل العوامل الإقليميّة التي يستند اليها التطوّر الأخير المؤدّي إلى ولادة الحكومة، لا يُقفل النقاش عند هذه الحدود.
ذلك أنّ هذه العوامل بقدر ما تقود إلى تسهيل تأليف الحكومة، هي نفسُها تعني أنّ الحكومة العتيدة محاطةٌ بتوازن إقليميّ "يتداخل" فيه العامل السعوديّ بالعامل السوريّ بالعامل الإيرانيّ الخ.. أي انّ هذا التوازن "هشّ" أو "قلق"، على إعتبار أنّ التقاطع الذي سمح بتشكّل المشهد الإقليميّ لمصلحة قيام الحكومة في لبنان، هو تقاطع "حسابات" أكثر من كونِه تقاطعاً ناجماً عن تموضعات "نهائيّة". وبكلام آخر، فإنّ الحكومة اللبنانيّة عندما تولد، ستولد في لحظة إقليميّة لا تزال سمتُها الغالبة أنّها لا تزال "إنتقاليّة".. ومن ضمن الأزمة العامّة في "الإقليم".
ثمّ إنّ التوازن داخل الحكومة نفسها، ليسَ لمصلحة فريق الأكثريّة النيابيّة، حتّى لو أنّ العدد الأكبر من الوزراء هو منها، لأنّ الحكومة منحكمة إلى ما يُسمى "التوافق" المسبق في الأمور الرئيسيّة.
عليه، فإنّ الحكومة العتيدة، منظور اليها من الجانبين الإقليميّ واللبنانيّ الداخليّ، تبدو وفقاً للمعاني الآنفة جميعاً حكومة فيها الكثير من سمات "الإنتقاليّة".. أو "حكومة إدارة أزمة".
بإختصار، إنّ ولادة الحكومة في الساعات المقبلة سيولّد بلا شك إرتياحاً لدى اللبنانيين. لكنّ هذا الإرتياح ليس لأنّ ولادة الحكومة عنوانٌ لمرحلة "راسخة" أو لإستقرار "نهائيّ"، بل على قاعدة أنّ البلد بحكومة "مضمونٌ" أكثر ممّا لو بقيَ بلا حكومة، وعلى قاعدة أنّ وجود مؤسسّة القرار أضمن بداهةً من الفراغ.