نصرالله يمسك بمصير النظام اللبناني.. تغيير الدستور وتطويع الجميع
رسم أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، برنامجاً متكاملاً، يتضمن رؤية حزبه للوضع في لبنان، ليُنفذ على مراحل متعددة، القريبة، المتوسطة والبعيدة.
خيارات حزب الله
وعاد نصر الله في صيغته إلى موقف أطلقه في العام 2011، في أعقاب أزمة سياسية أيضاً، فدعا آنذاك إلى مؤتمر تأسيسي، ثم تراجع عنه في ما بعد. وفي خطابه الأخير، جدد حديثه عن استعداده للبحث في تعديل الدستور، أو سد ثغرات النظام السياسي. لكنه لم يشأ أضفاء طابع واضح على كلامه هذا. والأكيد أن لدى حزب الله جهات تفكر ملياً في هذا الأمر.
ووضع نصر الله معالم خطة سياسية ودستورية جديدة. فطرح أفكاراً بعضها معروف والبعض الآخر لا يزال مبهماً. شروطه المعروفة، هي تفعيل حكومة تصريف الأعمال والذهاب إلى حكومة تكنو سياسية. أما المبهمة، فهي الفكرة التي تتحدث عن إيجاد حلّ دستوري.
وتقول مصادر قريبة من حزب الله إن الخيار الدستوري لن يكون قابلاً للتطبيق سريعاً، ولكنه برنامج طويل الأمد. وتلفت المصادر إلى أن الحزب إياه، بدأ منذ أشهر عديدة وتحديداً بعد ثورة 17 تشرين، يعقد لقاءات متعددة، بحثاً عن الدخول إلى مرحلة سياسية جديدة في لبنان، تتطابق مع الوقائع المتغيرة.
الحزب وهاجس باسيل
يعلم حزب الله أن موضوع الدستور يحتاج إلى 86 نائباً، أي أكثرية الثلثين. ولذلك قد يطرح مستقبلاً فكرة تفسير الدستور في المجلس النيابي: حول حكومة تصريف الأعمال، وآلية تكوين السلطة، ومسألة تحديد مهلة التكليف أو سحبه.
وهو لا يريد الدخول في تعديل الدستور بكليته، بل النقاش في نقطتين أو ثلاث، يلتقي فيها مع عون وباسيل. فالأخير اقترح قبل مدة إجراء تعديلات دستورية: تحديد مهلة مدة زمنية لرئيس الجمهورية للاستشارات النيابية، في مقابل تحديد مهلة شهر للرئيس المكلف لتشكيل حكومته، وعدم ترك الوقت مفتوحاً أمامه.
ضبابية المثالثة والمداورة
ويحضّر نصر الله للمرحلة المقبلة، والتي سيطرح فيها المشكلة الأساسية في البلد: أزمة النظام والحكومة، وأساسها الدستور. لذا دعا إلى ضرورة البحث في إجراء تعديلات دستورية، تتعلق بمهلة التكليف أو التأليف. وفي إحدى جمل خطابه، قال سريعاً إن هناك ثغرات لا بد من سدّها في النظام.
وهنا تؤكد المعلومات أن حزب الله لديه اقتراحات كثيرة في هذا المجال. بعضها حاضر وأخرى لم تتبلور بعد. وبعضها يتعلق بإعادة تكوين السلطة، وبكيفية انتخاب رئيس الجمهورية، وتكليف رئيس الحكومة، وإلزامهما بمهل دستورية للدعوة للاستشارات والتكليف والتشكيل أو الاعتذار. بمعنى أنه لا يمكن للرئيس المكلف أن يتمسك بتكليفه لمدة مفتوحة.
وبعض النقاط التي لم يتحدث عنها نصرالله، تقول مصادر قريبة من الحزب إنها لا تريد الغوص فيها. ولدى طرح أسئلة عما إذا كان حزب الله قابل لطرح فكرة تعديل الدستور، للذهاب إلى المثالثة، تستبعد مصادره أن يكون الطرح بهذا الوضوح. وكذلك إعادة طرح توزيع المناصب الأولى في الدولة، أو المداورة فيها بين الطوائف: كمثل حاكمية مصرف لبنان، ليتولاها بالمداورة أشخاص من طوائف متعددة، وإمكان انسحاب ذلك على قيادة الجيش. ويسري عدم الوضوح على البحث في تعيين نائب لرئيس الجمهورية. وهذه كلها نقاشات مؤجلة، ولا يمكن البحث بها، حسب المصدر.
المسألة: ماهيّة لبنان
في المقابل، هناك إجماع لدى القوى السياسية اللبنانية على أن الكلام عن تعديل الدستور، تهويلي بدايةً. وهو استباق لأي مرحلة تتعلق بتغيير قواعد اللعبة. وأراد نصرالله توجيه رسائل إلى الجميع -وخصوصاً إلى البطريرك الماروني بشارة الراعي- بأن الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي، والبحث في السلاح، يفتحان الباب على طرح مقابل: تغيير أسس النظام وإجراء تعديلات دستورية. وبالتالي إعادة توزيع للحصص والمكاسب والمواقع والمناصب في الدولة.
لكن المشكلة الأساسية التي يعاني منها لبنان حالياً، لا تحلها مثل هذه الطروحات والنقاشات. فالسؤال المطروح حقاً يتعلق بماهية لبنان، أو أي لبنان نريد؟ فيما تعصف به أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، لا يعالجها تغيير النظام وإعادة توزيع الصلاحيات.
توريط الجميع
وطرح نصر الله مسألة العودة إلى الحكومة السياسية. وهذا تعني أبلغ الردود على طرحه تغيير النظام. فهو يريد إعادة إنتاج السلطة ذاتها والتركيبة نفسها، مقابل أن يستمر هو بالتحكم بها وإدارتها على طريقته، بناء على تطويع القوى السياسية داخل حكومة واحدة، ليكون الجميع متورطاً بهذه الدوامة.
مصلحة حزب الله الفعلية هي في بقاء الواقع الحالي على ما هو عليه. مشروعه الخاص محفوظ ومصان. ويحميه بلعبة سياسية يستثمر فيها الخلافات بين المتخاصمين المتحاصصين، فيما يتربع هو في مرتبة أعلى منهم، وقادر على تجيير مواقفه لصالح هذا الطرف أو ذاك.