خطة لإعادة صياغة التركيبة اللبنانية: الاستراتيجية الدفاعية مقابل تعديل اتفاق الطائف

النوع: 

 

أثارت الأفكار التي طرحها رئيس الجمهورية ميشال سليمان حول صلاحيات رئاسة الجمهورية وضرورة تعديل اتفاق الطائف, جملة مخاوف ومحاذير, خاصة لجهة استعادة تلك الصلاحيات, بما ينسف عملياً الركائز الأساسية الواردة في ذلك الاتفاق-الدستور, من ناحية الإجازة لرئيس الجمهورية أهم تعديلين سحبهما اتفاق الطائف منه وهما حل مجلس النواب الذي بات يخضع لشروط صعبة جداً, بل وتكاد تكون مستحيلة, وليس لرئيس الجمهورية دور مباشر في هكذا قرار, والثاني إقالة الحكومة حيث ألغى اتفاق الطائف أي دور لرئيس الجمهورية في تحديد مصيرها الذي أصبح حصراً رهناً بواحد من أربعة شروط, هي استقالة رئيس الحكومة, أو وفاته, أو استقالة أكثر من ثلث الوزراء, أو سحب الثقة منها في المجلس النيابي.

 عملياً, جاء اتفاق الطائف في العام 1989 ليسحب الصلاحيات من رئاسة الجمهورية, ولكن ليس لصالح أي موقع رئاسي آخر, وإنما لصالح مجلس الوزراء مجتمعاً الذي تتمثل فيه كل الطوائف اللبنانية.

ومع أن الأجواء اللبنانية التي سادت خلال وبعد اتفاق الدوحة الذي شكل فرصة لتسوية سياسية لبنانية على قاعدة التمسك باتفاق الطائف والتوازنات الوطنية والطائفية التي أرساها, باعتبار أن دستور الطائف جاء على قاعدة التفاهم الوطني على صيغة الحكم في لبنان بما يراعي أحجام وحقوق وهموم ومخاوف وهواجس الطوائف اللبنانية, إلا أن الاقتراح الذي جاهر به الرئيس سليمان إنما جاء ليدق إسفيناً في منطلقات تسوية الدوحة, ويعيد النقاش إلى مكان كان يفترض أنه تم تجاوزه في الدوحة.

لماذا يطرح الرئيس سليمان مشروع تعديل الطائف لصالح استرداد صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي-الماروني?

في اعتقاد كثيرين من المواقع السياسية التي تعاملت مع طرح الرئيس سليمان بحذر, أن الظروف الموضوعية لهذه التعديلات غير متوفرة راهناً, فلبنان يمر بمرحلة دقيقة جداً لم تخفف تسوية الدوحة من خطورتها وإنما ساهمت في لجم تلك الاندفاعة التي كان ينطلق بها اللبنانيون نحو مشروع حرب أهلية جديدة.

وإذا كانت الظروف الموضوعية غير مؤاتية لإجراء تعديل في اتفاق الطائف بهذا المستوى من الخطورة, فهل يمكن القول أن الرئيس سليمان قد طرق الباب في التوقيت الخطأ وأنه ارتكب "دعسة ناقصة" سترتد عليه في الوقت الذي يشعر فيه الممتعضون من طرحه بأنهم قادرون على مواجهته?

في اللحظة التي أعلن فيها الرئيس سليمان عن "رغباته" كان رئيس سابق للحكومة يشرح للكادرات القيادية من أنصاره الموقف السياسي, عندما دخل عليه أحد مستشاريه ووضع أمامه على المنصة التي يتحدث منها قصاصة ورق, فقرأها الرئيس السابق بتمعن أربك الحاضرين, ثم التفت إلى جمهوره قائلاً "يبدو أننا سنقاتل على أكثر من جبهة", ثم أردف متابعاً "بدأت معركة إلغاء الطائف والعودة بلبنان إلى ما قبل العام ,1989 وهذا يعني أننا مقبلون على خطر كبير, الإخوان يريدون استعادة صلاحيات رئاسة الجمهورية على حساب السنة, بدأت الأمور تتضح وعلينا الاستعداد لمواجهة هذه الخطة ومنعها من التنفيذ".

لم يكن رئيس الحكومة السابق في وارد الإفاضة في الشرح حول قصاصة الورق التي احتوت ما قاله رئيس الجمهورية الى نقابة محرري الصحافة اللبنانية حول رغبته بعودة النظام الرئاسي إلى لبنان, لكنه عندما أنهى مداخلته مع الكادرات, بادر إلى الاتصال بمرجع نيابي كبير وسمع يقول له "كيف سترد الآن? الموضوع أصبح مباشراً ولم يعد بالتلميح".

والواقع أن معارك استعادة صلاحيات رئيس الجمهورية لم تتوقف منذ إقرار اتفاق الطائف في العام ,1989 وكان رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون أول من مواجه ذلك الاتفاق ورفضه لأنه يسحب صلاحيات رئاسة الجمهورية, لكن الغطاء العربي والدولي الذي كان مؤمناً لاتفاق الطائف أطاح العماد عون ونفاه إلى فرنسا, في حين أن باقي القوى المسيحية بقيت على معارضتها لنزع صلاحيات رئاسة الجمهورية معتبرة أنها تسلم لبنان للمسلمين السنة, مع الإشارة إلى وجود قوى مسيحية أخرى كانت تسير مع اتفاق الطائف, نظراً لأنها كانت تعتبر من القوى التابعة لسورية في لبنان.

لكن المفارقة أنه منذ عودة العماد عون من منفاه الفرنسي استؤنفت حملة تعديل الطائف, بالعودة إلى الوراء وليس بتعديل يواكب المتغيرات, زخماً كبيراً استخدم إلى أبعد مدى في الانتخابات النيابية في العام ,2005 ما أدى إلى تجييش الشارع المسيحي خلف عون وشعاراته في استعادة الحقوق المسيحية ودور المسيحيين وموقعهم في التركيبة اللبنانية.

ولهذا, فإن وثيقة التفاهم التي أنجزها العماد عون مع حزب الله, كانت تغطي قواسم مشتركة من الأهداف السياسية والتي أبرزها محاولة إضعاف السنة وموقعهم ودورهم في تركيبة الحكم في لبنان باعتبار أن ذلك يستفيد منه المسيحيون مباشرة عبر صلاحيات تؤول إلى رئاسة الجمهورية, ويستفيد منه الشيعة الذين يعتبرون أن مرحلة الرئيس رفيق الحريري قد انتهت, بعد أن تمكن من خلال حجمه الكبير محلياً وعربياً وعالمياً من "خطف" الحكم اللبناني وابتلاع كل الآخرين الذين كانوا مضطرين للالتفاف حوله طالما أنهم كانوا لا يستطيعون مواجهته.

وبالفعل, كانت تتكرس المصالح المشتركة بين العماد عون وحزب الله في أكثر من محطة نحو الستراتيجية الأساسية المتمثلة بإضعاف موقع السنة في صيغة الحكم, ولهذا حصل انسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة من أجل إصابة أكثر من عصفور بحجر واحد:

– إضعاف فريق 14 آذار وإرباكه.

– محاصرة الكتلة السنية داخل الحكم واتهامها بالتفرد بالسلطة تمهيداً لمواجهتها.

– التمهيد لإسقاط الحكومة.

– التحضير لتضخيم أي خطأ تقع فيه الحكومة من أجل اتهام السنة بممارسة السلطة بشكل خاطئ.

– تغيير معادلة تشكيل الحكومة من خلال طرح فكرة "الثلاث الثلاثة": ثلث لرئيس الجمهورية, ثلث للموالاة, وثلث للمعارضة.

– فرض تعديل بالسلوك والعرف على اتفاق الطائف, تمهيداً لطرح تعديله بشكل رسمي من خلال مجلس النواب.

وعندما لم تتحقق معظم تلك الأهداف من خطوة انسحب الوزراء الشيعة والاعتصام الطويل في الوسط التجاري لبيروت, نفذ حزب الله اجتياح بيروت في 7 مايو الفائت ثم جاء اتفاق الدوحة في غير حساباتهم, عندما أكد هذا الاتفاق التمسك باتفاق الطائف.

بعد ذلك, اضطر العماد عون إلى الدخول بشكل مباشر على خط المواجهة لانتزاع صلاحيات رئيس الحكومة مرة عبر طرح فصل هيئات الرقابة ومجلس الخدمة المدنية ومجلس الإنماء والإعمار عن رئاسة الحكومة, ومرة عبر طرح قضية صلاحيات نائب رئيس الحكومة وضرورة منحه صلاحيات تؤول إليه في غياب رئيس الحكومة وفي حضوره أيضاً, ثم جاءت مسألة إقامة نائب رئيس الحكومة في السراي الحكومي كمحاولة للتسلل إلى موقع رئاسة الحكومة بفرض أمر واقع من ازدواجية القرار التي يمكن أن تحصل من وجود الرئيس ونائبه في السراي.

كل ذلك لم يفلح في فتح ثغرة بسيطة نحو فرض أمر واقع بتعديل الطائف ولو بالعرف, لكن الثابت أن مشروع التعديل كان سيستمر, وهو ما كشفه الوزير السابق وئام وهاب المقرب جداً من سورية بأن "القرار قد اتخذ بإسقاط الطائف, بل إن هذا الاتفاق أصبح من الماضي ولم يعد مسموحاً أن يبقى الحكم بيد السنة في لبنان".

وبات واضحاً أن الفريق المتحالف في إطار المعارضة مع سورية سيخوض في الأسابيع المقبلة جولة جديدة من المحاولات المحمومة لفرض واقع جديد يحمل في طياته مضمون القرار المتخذ بنسف اتفاق الطائف من أجل صياغة اتفاق جديد, وربما كان الضغط الأمني الذي يحصل في مدينة طرابلس والشمال أحد أبرز إشارات تلك الاستعدادات لفرض واقع جديد يسمح بالشروع في وضع الطائف على مشرحة التعديل, وفق معادلة بدأت تطل برأسها وستكون عنواناً للمرحلة المقبلة على طاولة الحوار الذي يفترض أن يدعو إليه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان: الاستراتيجية الدفاعية مقابل تعديل الطائف.

فمتى موعد انعقاد هذه الطاولة? قبل الانتخابات أم بعدها?, أم أنه ينتظر ما ستسفر عنه أحداث الشمال الأمنية المتكررة?.

التاريخ: 
الاثنين, سبتمبر 8, 2008
ملخص: 
عملياً, جاء اتفاق الطائف في العام 1989 ليسحب الصلاحيات من رئاسة الجمهورية, ولكن ليس لصالح أي موقع رئاسي آخر, وإنما لصالح مجلس الوزراء مجتمعاً الذي تتمثل فيه كل الطوائف اللبنانية.