فيما يتعدى السجال حول قانون الانتخاب..!
بعيداً عن هموم الناس وهواجسها الحقيقية في الأمن والاستقرار والطمأنينة وتامين لقمة العيش، وفي ظل مرحلة إقليمية ودولية ضبابية تشهد متغيرات ومتحولات متعددة في كل الإتجاهات، تستمر المشاورات الهادئة واللقاءات المطولة ضمن إطار لعبة تحسين الشروط وتحقيق المزيد من المكتسبات في بازار إقرار قانون الإنتخاب العتيدة التي تطول معه حالة الشلل المتنامي والإنكشاف السياسي والأمني في البلد .
في حين إن المطلوب من القوى السياسية في هذه المرحلة البالغة الدقة والتعقيد تحمل مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية للخروج من حالة الجمود التي فرضتها إنقسامات المرحلة الماضية بتشنجاتها وتوتراتها، للإنتقال بالبلد إلى مرحلة جديدة عنوانها الحوار الوطني الهادئ والعقلاني وحماية السلم الاهلي ووأد الفتنة و تكريس المصالحات وتأكيد أواصر العيش المشترك والتنوع والتعدد على قاعدة احترام الاختلاف السياسي الذي يجب أن يبقى تحت سقف الشراكة الوطنية و احترام الدستور و القوانين المرعية الاجراء، وهذا الأمر يتطلب عملياً اليوم الاسراع إقرار قانون وطني للإنتخاب يحظى بقبول كافة الأطراف لا المراوحة في البحث بطروحات طائفية يريدها البعض لحسابات فئوية ضيقة.
نعم، من حق أي فريق سياسي أن يسعى إلى تغيير وتطوير النظام السياسي في لبنان ومن البديهي القول بأن الطائف ليس بكتاب مقدس، إلا إنه ايضاُ من الضرورة والأهمية بمكان القول بأن التغيير أو التعديل لا بد ان يأتي بعد اسكمال تطبيق اتفاق الطائف نصاً وروحاً بكل بنوده الإصلاحية وعلى رأسها تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية برئاسة فخامة رئيس الجمهورية ومن بعدها إقرار قانون عصري للإنتخاب يؤدي إلى قيام مجلس نيابي غير طائفي إلى جانب مجلس الشيوخ وإقرار اللامركزية الإدارية وقانون جديد للأحزاب .
والغاية من استكمال تطبيق اتفاق الطائف هو تحديد الثغرات وبلورة نقاط الإصلاح الذي لا بد ان يتم تحت مظلة التوافق والإجماع بين اللبنانيين بعيداً عن وطاة أي ضغط أو تهديد أو تهويل،وبالتالي فإن اي محاولة أحادية أو ثنائية لتقويض اتفاق الطائف كميثاق ودستور للبلاد وكمرجعية شرعية لرعاية شؤون الدولة والمواطنين في لبنان والذي يكرس صيغة التعايش والمناصفة بين المسيحيين والمسلمين هو مسألة خطيرة وقفز نحو المجهول ودفع باتجاه الفوضى في مرحلة شديدة الخطورة والعواقب في ظل محيط وجوار مشتعل.
فالتجارب العديدة أثبتت بأن هذا البلد بتعدده وتنوعه لا يحكم إلا بتوافق وانسجام جميع مكوناته بعيداً عن سياسة الفرض والاستقواء التي لا تنتج سوى الانقسامات والصراعات والحروب العبثية التي لا يربح فيها أحد ولا تغير قيد أنملة من الواقع الوطني الميثاقي والدستوري في البلد المحكوم بصيعة الوحدة الوطنية والعيش الوطني المشترك كإطار لإدارة دفة الحكم في لبنان.أما سياسة الرهانات والمغامرات المبنية على استقواء وهمي لتغيير معادلات داخلية فقد أثبتت التجارب أيضاً فشلها وعبثيتها وعواقبها الوخيمة على كل المستويات السياسية والامنية والإقتصادية والإجتماعية والمعيشيةـ بحيث إن هذه الرهانات السياسة لم تؤدي إلا إلى تحويل لبنان إلى ساحة وشعبه إلى وقود في آتون صراع المصالح والتزاحم على النفوذ والهيمنة بين القوى الإقليمية والدولية الكبرى .