بعد الفرزلي.. من سينزل من طائرة الرئيس؟

النوع: 

 

في كتاب سيرته ومذكراته بعنوان "أجمل التاريخ كان غداً"، يروي نائب رئيس مجلس النواب الحالي إيلي الفرزلي كيف تشكل وعمل فريق مكوّن من ستة مستشارين بطلب من جبران باسيل، لأكثر من سنتين في اجتماعات أسبوعية متواصلة في الحادية عشرة من قبل ظهر كل يوم سبت في الرابية، للوصول إلى أمرين:

الأول، قانون انتخابات نيابية يسمح للمسيحيين بانتخاب نوابهم.

والثاني، إيصال ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية.

ضمت حلقة المستشارين التي اقترحها باسيل بداية، إضافة إلى الفرزلي وكريم بقرادوني، كلا من السفير السابق عبد الله بوحبيب، سليم جريصاتي، جان عزيز، ومن ثم حبيب افرام.

الاجتماع الأول لمجموعة الستة كان في حزيران 2014، والأخير في تشرين الأول 2016. أي قبل أيام من انتخاب عون رئيساً للجمهورية، وقد كللت مهمة هذا الفريق بالنجاح. إذ أُقرّ قانون انتخاب رديف لـ"الأرثوذكسي"، يؤمن حسب رأيهم صحة التمثيل المسيحي، عبر نظام النسبية والصوت التفضيلي على أساس مذهبي، على مستوى القضاء. كما انتخب ميشال عون رئيساً للجمهورية.

بعد أربع سنوات على نجاح فريق الستة في عمله، فإن من زرع ذاك الزرع حصد غير ما قصد. وكان القطاف بعيداً عن تمنيات ورغبات من خطط. فكان حساب الحقل مختلفاً عن حساب البيدر.

وبما أن الثورات عادة أول ما تأكل هم أولادها، كما يقال، فإن أول الخارجين أو المُخرَجين من جنة السلطة في بعبدا والحكم الجديد كان الإعلامي جان عزيز، الذي تحول إلى "ناشط سياسي" معارض لدود، يكتب كل يوم عن الارتكابات والتجاوزات الحاصلة من الفريق الحاكم، ما لا يكتبه أشد المعارضين، مناشداً العودة إلى الأصول العونية النقية، حسب زعمه، بعد أن ضاع التغيير وفشل الإصلاح في متاهات السلطة الفاسدة والقوة والمال.

أما كريم بقرادوني شيخ المستشارين العونيين، باعتباره أول من تولى مواكبة وصياغة خطوط اتفاق عودة عون إلى لبنان من منفاه الفرنسي، بتكليف من إميل لحود، وبالتنسيق مع الرئيس السوري بشار الأسد وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، فقد أعلن بوضوح عبر برنامج "فورتي" عبر شاشة (أم. تي. في) أن سطوة جبران باسيل على رئيس الجمهورية والعهد، هي التي أفشلت طموحات عون بالتغيير والإصلاح.

لذلك، فإن من تابع مطالعات ومطولات إيلي الفرزلي، عن أهمية تكليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة وضرورة نجاحه، يدرك أن الحلقة التي كانت مقربة من عون لم تعد على صلة ببعضها البعض، وقد تفرقت نتفاً وقطعاً متناثرة تحت وقع ضربات باسيل وسيطرته. وإذا كان تعيين المستشار الإعلامي والسياسي لرئيس "التيار الوطني الحر" أنطوان قسطنطين، مستشاراً سياسياً وإعلامياً في القصر الجمهوري، بملامح ناطق رئاسي، قد سار باتجاه الحد والتخفيف من قوة موقع ونفوذ المستشار المفوّه سليم جريصاتي، باعتباره مسؤولاً عن صياغة أغلب الفزلكات القانونية والدستورية، التي يمتطيها عون على صهوة حصانه في الهجوم على الطائف، وما حمله ونتج عنه لمصلحة المرشح الطامح إلى الوراثة العائلية والسياسية.

لم يبق حول عون أي مقاتل يعتد به من المقاتلين الأوائل، وخصوصاً الذين يتصفون بالقدرة والقوة وبعض النقاء والكفاية. فقد تكفّلت تصرفات باسيل الشخصية الجامحة في تطفيش النخبة المقاتلة وفرسان مائدة يوم السبت الأوائل.

ثلاثة من حلقة المستشارين الستة تفرقوا في اتجاهات عدة، مبتعدين عن عون وصهره ووريثه، الذي يخوض أعنف المعارك التي دمرت الجمهورية وتكاد تطيح بالكيان. وكل ذلك من أجل الوصول إلى كرسي الرئاسة الأولى لوراثة والد زوجته في الموقع الأول في جمهورية مندثرة، تتلوى من أوجاع الصراع على سلطة متهاوية، لم يتبقَّ منها غير تصدير ومفاقمة الهم والدم والدموع، وطوابير الذل والفقر المروع الذي يلف "شعب لبنان العظيم"، الذي ينتظر بلهفة بطاقة تموينية موعودة ومدعومة، أسوة بنازحين ومشردين من بلدهم في وطنهم.

من يستمع إلى كلمات صهر رئيس الجمهورية الآخر، الجنرال المتقاعد والنائب الذي ترك كتلة عمه، شامل روكز، الذي يتحدث عن النهب والسرقة والاستيلاء على أرزاق الناس وحقوقهم وأموالهم، يظن للوهلة الأولى أن الكلام يجري عن بلدٍ آخر غير لبنان، وعن الذي يجلس على كرسي رئاسته رجل آخر غير ميشال عون!

إذا كان فريق المستشارين والمقاتلين الأوائل إلى جانب الرئيس الجنرال "بيّ الكل" قد قفزوا من نوافذ بعبدا أو أُبعدوا وتفرقوا في كل الاتجاهات، فمن الطبيعي أن يصرخ بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق كل يوم، خوفاً من اندثار الجمهورية والموئل الأخير للمسيحيين في الشرق المشلع، ألا تعالوا ننقذ ما تبقى مما كان لنا.

هل من بلد غير لبنان يعلن فيه قائد الجيش أمام عدسات المصورين "لن أوفر جهداً لطلب المساعدات والحاجات لجنودي"! بعد أن كان صرخ قبل أسابيع "إلى أين أنتم ذاهبون وماذا ستفعلون بالجيش وجنوده؟" إثر ملامح انتشار الفوضى وفرار البعض، وقرار تقنين استخدام اللحوم على موائدهم!

حين أعلن قائد الجيش رئيس الحكومة العسكرية الانتقالية، العماد ميشال عون، عام 1989 بدء حرب التحرير، صدم آنذاك صديقه النائب ألبير منصور، لأنه لم يكن على علم بالقرار، مع أنه كان من المقربين، فقال لصديقه: "أنا من صعد معك إلى هذه الطائرة آملاً برحلة ميمونة وواعدة، لكنك قررت خطفها ونحن فيها من دون أن تخبرنا"!

قرر منصور يومها النجاة بنفسه والنزول من الطائرة المختطفة، عند أول محطة، وذهب مع الرئيس حسين الحسيني إلى الطائف، لإنقاذ ما تبقى من جموح الجنرال. وكانت الفرقة بينهما وما تلاها..

أما اليوم، وبعد أن جدد العماد اختطاف طائرة لبنان بمن فيها، من دون استشارة أحد، إلّا طموحات صهره جبران باسيل، وأطلق نبيل نقولا إرشاداته وتهديداته في وجه حزب الله، والسيد نصرالله.. من سيقفز من الطائرة بعد الفرزلي وبقرادوني وعزيز؟ وفي أي محطة؟

الأيام المقبلة تحمل وحدها الجواب.

 

الكاتب: 
عارف العبد
المصدر: 
التاريخ: 
الأحد, يناير 17, 2021
ملخص: 
حين أعلن قائد الجيش رئيس الحكومة العسكرية الانتقالية، العماد ميشال عون، عام 1989 بدء حرب التحرير، صدم آنذاك صديقه النائب ألبير منصور، لأنه لم يكن على علم بالقرار، مع أنه كان من المقربين، فقال لصديقه: "أنا من صعد معك إلى هذه الطائرة آملاً برحلة ميمونة