دمشق تعمل على إسقاط الصيغة الحالية لـ”الطائف” وعون رأس حربتها

النوع: 

تجمع كل الدلائل على أن هناك خطة مبيتة بدأ النظام السوري وحلفاؤه في لبنان العمل عليها بهدوء من أجل إسقاط اتفاق الطائف, بعد ان حاولوا إسقاط اتفاق الدوحة.

لماذا تريد سوريا إسقاط اتفاق الطائف؟ هل من أجل المسيحيين وصلاحيات رئيس الجمهورية؟ أم من أجل إعادة تركيب وضع مختلف في لبنان مناقض ومخالف لما كان عليه قبل العام 2005؟

في اعتقاد مراجع سياسية أن إسقاط "الطائف" يحمل في طياته أكثر من هدف مباشر فضلاً عن أهداف كثيرة يمكن أن تتحقق بشكل غير مباشر.

وبحسب ذلك الاعتقاد فإن أول الأهداف المباشرة هي:

– نزع صلاحيات رئاسة الحكومة السنية, بعد أن باتت سوريا غير واثقة بأنها تستطيع الاعتماد على السنة في لبنان للتحالف معها وإقامة حكم قريب منها.

– اضعاف موقع السنة في التركيبة اللبنانية من أجل إسقاط تأثيرهم الكبير على السلطة.

– تقوية الفريق الشيعي في لبنان والذي تثق به سوريا كثيراً خصوصاً من خلال تجربة السنوات الأربع الماضية, حيث استطاع هذا الفريق أن يبقى رأس حربة لها ولطموحاتها وتأثيرها في لبنان.

– إعادة المسيحيين إلى السلطة بقوة من خلال رئيس كتلة "التغيير والإصلاح" النائب" ميشال عون الذي أصبح رجل سوريا الموثوق في لبنان.

– تنصيب عون كمنقذ للمسيحيين وكزعيم لهم في الشرق الأوسط, تعويضاً عن عدم قدرتها على الوفاء له بوعدها ترشيحه لرئاسة الجمهورية بدلاً من الرئيس العماد ميشال سليمان.

– خلط الأوراق في لبنان من خلال إسقاط اتفاق الطائف وعدم وجود صيغة بديلة تؤمن حماية لبنان.

– خربطة الوضع اللبناني بكامله لإسقاط المحكمة الدولية من أجل محاكمة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري والجرائم الأخرى التي حصلت في لبنان وترتبط بتلك الجريمة منذ العام 2005.

– إسقاط الصيغة التي نظمها اتفاق الطائف وتوازناتها بين اللبنانيين, سعياً إلى اصطدام يستدعي طلب النجدة من سوريا للبحث في صيغة بديلة تؤمن مصالح نظام دمشق في لبنان.

– إسقاط التفاهم الذي قام عليه اتفاق الطائف بين المملكة العربية السعودية وسوريا والولايات المتحدة الأميركية وذلك لتحقيق ثلاثة أهداف دفعة واحدة: الأول, هو إقصاء المملكة عن التركيبة اللبنانية وإضعاف دورها وتأثيرها في لبنان, والثاني, هو فرض واقع جديد على الولايات المتحدة يدفعها للتفاهم مع سورية في الملف اللبناني وكذلك في ملفات أخرى.

أما الهدف الثالث فهو تركيب تفاهم جديد لأي اتفاق مقبل بعناصر جديدة, تريد سوريا أن تكون إيران شريكة فيه إلى جانبها, وذلك كثمن سياسي تريد دمشق تقديمه لطهران عن ما قدمته الأخيرة خلال السنوات الثلاث الماضية لها.

– الإطاحة بكل طرح يؤدي إلى نزع سلاح "حزب الله" والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات وداخلها في لبنان, كسلاح سوري-إيراني ستراتيجي في المنطقة, وبالتالي حماية هذا السلاح وبقائه لتنفيذ هذه الستراتيجية المرتبطة بالترتيبات في المنطقة, حيث تريد سورية استثماره في المفاوضات مع الأميركيين من أجل حماية نظامها والمفاوضات مع إسرائيل, بينما تريد إيران استثماره في مفوضات ملفها النووي.

 

من الواضح أن خطة سوريا للإطباق على الطائف كانت بدأت عملياً منذ أن بدأ حلفاؤها في لبنان بتعطيل جلسات الحكومة ثم استقالة الوزراء الشيعة, وبعدها إقرار فكرة الثلث المعطل في الحكومة لصالح المعارضة, وهو ما يعترف كثير من قادة المعارضة بأنها غير دستورية وغير منطقية ولا تمت إلى مفهوم النظام الديمقراطي بصلة, ووصولاً إلى إعلان العماد عون رسمياً أن المعارضة ستبدأ تعديل اتفاق الطائف بعد أن "تنتصر" في الانتخابات النيابية المقبلة.

وعمليا, كشف عون الهدف الستراتيجي لسوريا وحلفائها في فريق "8 آذار", خصوصاً أن كلامه جاء في المرة الأولى في محاضرة له في دمشق والثاني بعد عودته من جولته الانتخابية في المدن السورية.

وبحسب كثير من الآراء داخل فريق "8 آذار" فإن مسألة الطائف باتت حتمية, وأن أي تأجيل لتعديل هذا الاتفاق لا يلغي أن هذا الأمر حتمي ولا يمكن لأحد أن يقف في وجه هذا المسار الأكيد.

وفي التكتيك المعتمد للوصول إلى هذا الهدف هناك ثلاث خطوات يجري العمل وفقها بالتزامن:

الأولى مرحلية تمهيدية من خلال إسقاط تفاهم الدوحة, وخصوصاً ما يتعلق منه بمبدأ عدم استخدام الثلث المعطل وهو ما ظهر جلياً في جلسة مجلس الوزراء ما قبل الأخيرة التي تم فيها تعيين هيئة الإشراف على الانتخابات النيابية, وفي ذلك عملياً تجاوز لتفاهم الدوحة ومس باتفاق الطائف.

الثانية من خلال الطعن المباشر بصلاحيات رئاسة الحكومة وإشرافها على عدد من المؤسسات الرسمية التنفيذية, باعتبار أن رئيس الحكومة هو رئيس السلطة التنفيذية, وخصوصاً مجلس الإنماء والإعمار وهيئة الإغاثة العليا فضلاً عن مؤسسات وقطاعات أخرى.

الثالثة من خلال التركيز على صلاحيات نائب رئيس الحكومة الأرثوذكسي وضرورة وضع نظام داخلي لمجلس الوزراء, بما يقضم من صلاحيات رئيس الحكومة لصالح نائبه وباقي الوزراء وبما يحول رئاسة الحكومة إلى موقع شكلي رمزي من دون صلاحيات مباشرة مؤثرة.

وتاليا, فإن هذه الخطوات تهيئ الأجواء المناسبة لمرحلة فاصلة عنوانها الانتخابات النيابية, التي تشكل أول خطوة عملية في مرحلة إسقاط اتفاق الطائف من أجل صياغة اتفاق جديد ينزع من رئاسة الحكومة صلاحيات أساسية.

ومن دون أن ينتبه المسيحيون, فإن أي تعديل للطائف على أساس تغيير توازن الصلاحيات بين المواقع الرسمية (رئاستي الجمهورية والحكومة) لا يمكن أن يحصل من دون مراعاة التوازنات الديموغرافية, التي ستفرض نفسها حتماً على طاولة البحث لتكون في أساس أي اتفاق وطني جديد على الدستور اللبناني. وهذا ما يحذر منه قياديون مسيحيون بارزون, ويعتبرون أن رفع مطلب تعديل الطائف من أجل تعزيز صلاحيات رئاسة الجمهورية تحت شعار "استعادة حقوق المسيحيين" لم يعد في مصلحة المسيحيين أصلاً لأن ذلك سيؤدي إلى إضعاف حصة المسيحيين في التركيبة اللبنانية لصالح صيغة جديدة تقوم على أساس واقع ديموغرافي جديد, قاعدته عدد المسيحيين ونسبتهم إلى عدد السكان مقارنة مع عدد ونسبة السنة والشيعة, وهو ما سيفضي حتماً إلى إضعاف حصة المسيحيين في السلطة ومؤسساتها وإداراتها ووظائفها, وفي كل ما يقوم على القاعدة الحالية المبنية على أساس المناصفة بين المسيحيين والمسلمين, وحتى في مشاريع التنمية, وبالتالي ستتراجع مشاركة المسيحيين في المجلس النيابي وفي الحكومة ووظائف الفئة الأولى والثانية والثالثة وحتى في المؤسسات الأمنية من مختلف الرتب والمواقع والمسؤوليات.

ويبدو أن هذا الأمر بات يشكل قناعة لدى النخب المسيحية التي تتخوف جدياً من استمرار طرح تعديل الطائف الذي يتولاه العماد عون وبدعم غير معلن من سورية وفريق "8 آذار", خصوصاً "حزب الله", حيث أن هذا الأمر يصب في مصلحتهم, وهم يرون أن عون يحقق لهم هذا المكسب بطريقة مباشرة ومن دون علمه.

وبحسب معلومات موثوقة, فإن هناك اتجاهاً لدى بعض تلك القيادات المسيحية للبحث مع البطريرك الماروني نصر الله صفير في هذه القضية على اعتبار أن صفير من المتشبثين بالطائف لمعرفته بمخاطر التعديل, وذلك من أجل عقد اجتماع مسيحي كبير تدعى إليه القوى المسيحية كافة, لإعلان التشبث بالطائف كصيغة مثلى للمسيحيين في لبنان والتمسك بالتوازن الذي أقره هذا الاتفاق بين اللبنانيين.

وتشير بعض المعلومات إلى أن الاتصالات التي بدأت منذ نحو أسبوعين أخذت تتوسع دائرتها وهي تسير حتى الآن نحو ترجيح عقد هذا المؤتمر المسيحي العام الذي سيأتي, تحت شعار العمل بروحية السينودوس المسيحي الذي أقره بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثاني.

التاريخ: 
الخميس, ديسمبر 25, 2008
ملخص: 
من الواضح أن خطة سوريا للإطباق على الطائف كانت بدأت عملياً منذ أن بدأ حلفاؤها في لبنان بتعطيل جلسات الحكومة ثم استقالة الوزراء الشيعة, وبعدها إقرار فكرة الثلث المعطل في الحكومة لصالح المعارضة, وهو ما يعترف كثير من قادة المعارضة بأنها غير دستورية وغير منطق