لبنان: اللامركزية تنطلق من النقل المشترك!

النوع: 

 

رغم الأصداء الإيجابية التي أعقبت تشكيل الحكومة، لا يزال الأفق مسدوداً اجتماعياً واقتصادياً بانتظار انطلاق ورش العمل التي سيكون من مهامها إبطاء الانهيار تمهيداً لإيصال البلد إلى موعد الانتخابات النيابية.

وفي المدى المنظور، تبدو الحكومة عاجزة عن إحداث أي اختراق يخفف من وطأة الضغوط عن الشعب، ولا سيما في ما يتعلق بأزمة المازوت ونكبة الكهرباء التي استنزفت 40 مليار دولار ولا تزال عصية على أي إصلاح.

فمؤسسة كهرباء لبنان حذرت من انهيار شامل للشبكة وعدم إمكان بنائها من جديد، عازية السبب إلى توقف معمل الذوق الحراري قسرياً، بعد نفاد مخزونه من النفط، وانخفاض إنتاج الكهرباء إلى ما دون 500 ميغاواط، واستمرار خروج محطات تحويل رئيسية عن سيطرة المؤسسة.

حياتياً، التدهور الاجتماعي على حاله من التأزم بل يتصاعد تدريجياً مطبقاً كل السبل أمام اللبنانيين الذين يكافحون أفراداً أو قطاعات منتجة للتأقلم مع الأوضاع عبر ايجاد بعض المبادرات والحلول الفردية للصمود.

وكما يجتاح التفلت والفوضى كل القطاعات من فاتورة المولدات إلى السلع الغذائية والأدوية وقطاع المحروقات، كذلك تعم الفوضى قطاع النقل في ظل غياب تسعيرة موحدة حتى باتت أجرة النقل للموظف و«المياوم» هماً آخر يراكم همومهما المعيشية.

ويضطر عدد غير قليل من الموظفين للتنقل من مكان إقامتهم في القرى والبلدات البعيدة الى مراكز عملهم في العاصمة، متكبدين مشقة الطريق ومشقة تأمين الأجرة. حتى بات شعار البعض «نعمل لنصل إلى العمل»، بدلاً من «نعمل لنأكل».

من جونيه في قضاء كسروان إلى بيروت تتجه رلى فلفلي يومياً الى عملها في إحدى شركات المحاسبة. قبل أشهر كانت كلفة الطريق ذهاباً واياباً تكلّف نحو 12 الف ليرة، اما اليوم فاصبحت تدفع يومياً 80 الف ليرة واحياناً أكثر بـ«حسب طلب السائق».

ورغم المعاناة تسرد رلى لـ القبس طرفة قرأتها قبل أيام على مواقع التواصل الاجتماعي وتقول إن مواطناً لبنانياً يشكر ربّه على نعمة العمل وتقاضي راتبه كاملاً رغم نسبة البطالة في البلد التي تخطت %40، وعندما سئل ماذا تفعل براتبك كان جوابه «اذهب الى العمل». و«هذه حالي تماماً».. تقول رلى.       

 الباص وركابه صورة مصغرة عن لبنان، السائق منهك ويشكو ضيق الحال والركاب ضائعون ويبادلونه الشكوى ويتهمونه باستغلال الأزمة لرفع الأجر، ثم يبدأ كل بدوره بسرد معاناته للسائق، ولمن يرغب من الركاب لتنطلق النقاشات التي تجمع كلها في نهاية المطاف على شتم الدولة والمسؤولين وتمني مغادرة البلاد في اقرب فرصة.

مبادرتان

ولتخفيف الضغط عن المواطنين في ظل عجز الدولة وتخبطها، برزت مبادرتان فرديتان لدعم النقل المشترك، واحدة تربط المتن ببيروت وتدعمها جمعية هاني صليبا، والثانية تؤمن التواصل بين البلدات والقرى في قضاء جبيل بالمدينة ومن ثم ببيروت بمبادرة من النائب الجبيلي زياد حواط.

النائب حواط وخلال حفل إطلاق مشروع النقل المشترك النموذجي في قضاء جبيل، لفت الى انه «لم ننتظر الدولة التي تخلّت عن كلّ واجباتها، ونحن اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى النقل المشترك». معتبراً أنه «لم يعد بالإمكان الاعتماد على دولة لم تستطع تأمين تصدير التفاح وحماية قاضٍ، وحدودها سائبة وقرار سلمها وحربها مخطوف». وشدد على أن هذا المشروع هو وفقاً لإمكاناتنا وقدراتنا، نحن نريد أن نحمي اتفاق الطائف، ولكن نريد أن نطبّق بند اللامركزيّة التي أصبحت حاجة ملحّة، ولن نتّكل بعد الآن على الدولة طالما أنّها مخطوفة ومرهونة.

وقبل ايام، أطلقت مؤسسة هاني صليبا الخيرية مشروع دعم النقل المشترك في قضاء المتن ليستفيد منه جميع اللبنانيين طيلة أيام الأسبوع.

والمقاول هاني صليبا هو ابن بلدة بتغرين ومشهود له بمساعدة المحتاجين من ابناء منطقته من تزويدهم بالمحروقات والمواد الغذائية والمنح التعليمية. وهو اطلق مشروعه هذا لتخفيف العبء عن المواطن، الذي كان يدفع 600 الف ليرة اجرة الطريق شهريا وفق تعرفة العشرة الاف، بينما انخفضت اليوم الى 300 الف مع دعم الخمسة الاف ليرة من المؤسسة.

كلفة نقل تلتهم الراتب

وفق "الدولية للمعلومات"، كانت كلفة النقل تستحوذ على ما نسبته %25 الى %50 من الراتب الشهري للعامل عندما كانت صفيحة البنزين بـ 77 الف ليرة. اليوم سعر الصفيحة 200 الف ليرة وراتب الموظف لم يشهد زيادة مطردة، في حين ان الشركات، خصوصا الصغيرة منها، لا تستطيع تمويل هذه الكلفة المرتفعة للنقل في ظل الجمود الحاصل.

أمام هذه المستويات القياسية الجديدة لفاتورة النقل والمولّد الكهربائي، التي تخطت ضعفي الحد الادنى للاجور، وبلغت مليونا ومئتي الف ليرة، لم يعد في قدرة الموظف تحمّل هذه الأعباء، خاصة الذي يتقاضى راتباً أقل من 3 ملايين ليرة. علما أن بدل النقل الذي أعطي للقطاع العام وحُدد بـ24 ألفاً احتُسب على أساس سعر صفيحة البنزين قبل تخفيض الدعم من 3500 ليرة إلى 8 آلاف ليرة.  

الكاتب: 
أنديرا مطر
المصدر: 
التاريخ: 
الأحد, أكتوبر 3, 2021
ملخص: 
هذا المشروع هو وفقاً لإمكاناتنا وقدراتنا، نحن نريد أن نحمي اتفاق الطائف، ولكن نريد أن نطبّق بند اللامركزيّة التي أصبحت حاجة ملحّة، ولن نتّكل بعد الآن على الدولة طالما أنّها مخطوفة ومرهونة.