عِبَرُ القرار 1559 في ذكراه الخامسة

النوع: 

في الثالث من أيلول 2004، أي قبل خمس سنوات بـ"التمام والكمال"، صدر القرار الدولي 1559 الذي يطالب بحصول انتخابات رئاسية لبنانية نزيهة وحرّة من كل تدخل خارجي وبانسحاب جميع الجيوش الأجنبية من لبنان في إشارة واضحة الى إنسحاب الجيش السوريّ ويذكر ببنود إتفاق الطائف لا سيما البند المتعلق بحل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية تأكيداً على سيادة الدولة على كامل أراضيها.

الـ1559 بين المجتمع الدولي وسوريا

والمعلومات الدقيقة التي كانت معروفة آنذاك، وتلك التي تكشفت تباعاً، تفيد أن تفاوضاً دولياً جرى مع النظام في سوريا واستمر حتى ليلة صدور الـ1559، من أجل محاولة تحقيق "مقايضة" بين عدم صدور القرار عن مجلس الأمن في مقابل عدم مضي النظام السوري في قراره بفرض التمديد لإميل لحود. لكن النظام السوري أصر على التمديد للحود فصدر القرار الدولي. ثم كان أن ذهب نظام الأسد الى تحدي المجتمع الدولي، ففرض التمديد في الرابع من أيلول 2004، أي قبل خمس سنوات بـ"التمام والكمال" أيضاً.

التحدي السوري..ونتائجه

"العبرةُ" هنا أن النظام السوري الذي كان يعرفُ أن زمن تفويضه بلبنان في طريقه الى الانتهاء، كان في وسعه أن "يتعامل" مع هذا المتغير الدولي الوشيك آنذاك بطريقة مختلفة. ليس فقط بأن يكون له موقف مختلف بإزاء الاستحقاق الرئاسي في ذلك الوقت، وهو موقف كان متاحاً بالفعل، بل بأن ينظم إنسحابه من لبنان مع لبنان نفسه بموجب إتفاق الطائف فاتحاً بذلك أفق مرحلة سورية لبنانية "ايجابية". لكنه اختار سبيلاً آخر، هو ربط لبنان بـ"مواجهة" مع المجتمع الدولي كان يعتقد أنها ستنجح في منع انتهاء التفويض المعطى له، أي ربطَ لبنان بـ"تمرده" على الشرعية الدولية، والعربية أيضاً. الى أن اضطر الى الرضوخ للقرار 1559، وبدلاً من أن ينسحب بموجب إتفاق الطائف، أي للبنان، انسحب بعد أشهر بموجب الـ1559. أي أنه إنسحب "تحت الضغط" بدلاً من أن ينسحب بـ"التفاهم".

ووفقاً للمعاني السابقة، فإن النظام السوري يتحمّل المسؤولية عن صدور الـ1559 الذي صار "ممراً" على الأقل في وقته للعلاقات اللبنانية السورية، من غير أن يعني ذلك أنه لم تكن للقرار الدولي المذكور "فضائل" على لبنان من زاوية وضعه على سكة التخلص من الوصاية، حتى لو أن تلك السكة كانت ولا تزال ذات كلفة عالية.

"حزب الله" ومسؤوليته في الـ1559

كذلك فإن المعلومات الدقيقة التي كانت معروفة آنذاك، وتلك التي تكشفت في السنوات التالية، تفيدُ أن "حزب الله" سعى لدى النظام في دمشق الى حصول التمديد للحود، بل أنه شكل المرتكز الأساسي للقرار السوري بالتمديد المشؤوم. وفي حسابات "حزب الله" أن التمديد للحود من شأنه أن يمدد بشكل طبيعي و"مغطّى" لـ"الثنائية" بينه وبين الدولة، وهي ثنائية "طابشة" لمصلحته. كما أنّ في حسابات "حزب الله" إحكام ربط لبنان بـ"مواجهة" إيران وسوريا للولايات المتحدة والمجتمع الدولي، مع رهان على أن تلك "المواجهة" ستنجح. وبهذا المعنى، فإن "حزب الله" أيضاً يتحمّل مسؤولية في صدور القرار 1559.

مما لا شك فيه أن مناسبة المقدمات السالفة، هي الذكرى الخامسة للقرار 1559. بيد أن للحديث معنى راهناً.

صحيحٌ أن التاريخ لا يعيد نفسه مرتين. لكن الصحيح أن التاريخ لا يعيد نفسه "حرفياً" مرتين. ذلك أن ثمة مراحل في التاريخ "تتشابه"، وثمة "سياقات" تقتربُ من بعضها عبر المراحل.

الاستحقاق الحكومي.. و"الربط" السوري ـ الإيراني

إن ما يجري هذه الأيام على صعيد الإستحقاق الحكومي يعيدُ التذكير بمرحلة العام2004. كيف؟

في هذه الأيام، ليس خافياً أن إيران التي تواجه إستحقاقاً مفصلياً في علاقتها بالمجتمع الدولي، في شهر أيلول الجاري، تسعى الى إستخدام ما تعتبره "أوراقاً" في يدها، في إتجاهين: إما تحسين شروط التفاوض والتسوية تالياً مع المجتمع الدولي، وإما تحسين شروط "المواجهة" معه. وإيران التي "تلعب" بأوراق عدة في الإقليم، تعتبر أن إبقاء الوضع في لبنان في حال من "التعليق" إحدى هذه الأوراق.

وكذلك الأمر مع سوريا. فبعد مرحلة مما سمّي "إبداء حسن النوايا" بالإمتناع عن التعطيل في لبنان وبـ"الانضباط" إقليمياً، عادت في الآونة الأخيرة، لأسباب عدة، الى سياسة هادفة الى استدراج عروض دولية. والأسباب منها ما هو إيراني، أي العلاقة السورية ـ الإيرانية، ومنها ما يتعلق برؤية النظام السوري لموقعه الإقليمي في العراق ولبنان، ومنها ما يتّصل بالمحكمة.

بإختصار، إن ما يتكرّر هو الأداء السوري والإيراني ربطاً للبنان بحسابات دمشق وطهران الإقليمية من جهة وهو التفاوض الدولي مع سوريا خاصة لإقناعها بأن مصلحتها بعدم التحدّي من جهة أخرى. أي أن سوريا وإيران تتحملان وحلفاءهما المسؤولية كما في العام 2004، عن إطالة أمد الأزمة في لبنان، وتتحملان تالياً تبعات هذه المسؤولية أمام المجتمع الدولي.

الحريري و"اللبننة"

بطبيعة الحال، وبداهةً، ليس في الأفق قرار 1559 ما جديد يتعلق بلبنان. غير أن ما يُشبه العام 2004 هنا هو "الرهان" على خط دمشق ـ طهران، على إمكان النجاح في إسترهان لبنان وإستخدامه.

لكن، إذا كانت المقدمات الآنفة تدعو صراحةً الى "الاعتبار" من التجربة مع القرار 1559، فإن تتمة هذه المقدّمات هي التأكيد على أهمية "لبننة" الاستحقاق الحكومي، أي فصله عن المسارَين الإيراني ـ الدولي والسوري ـ الدولي، إخراجاً للبنان من حال التعليق الخطيرة. ذلك أن "اللبننة"، كونها لا تنتظر أي تطورات خارجية ولا تراهن عليها، تشكّل السبيل الفعلي الى تحصين البلد "من" التطوّرات والاحتمالات.

وليس سراً في هذا السياق، أن ما يؤكد الرئيس المكلّف سعد الحريري عليه في الأيام القليلة الماضية هو "اللبننة" بالضبط. أي إخراج الاستحقاق الحكومي من دائرة الانتظار القاتل، وشقّ الطريق نحو حكومة إئتلافية برضى اللبنانيين أنفسهم وتحت سقفَي نتائج العملية الديموقراطية والدستور. وبذلك يثبت الرئيس سعد الحريري أنه اكثر السياسيين إستفادةً من عبر العام 2004.

الكاتب: 
نصير الأسعد
التاريخ: 
الثلاثاء, سبتمبر 15, 2009
ملخص: 
العبرةُ" هنا أن النظام السوري الذي كان يعرفُ أن زمن تفويضه بلبنان في طريقه الى الانتهاء، كان في وسعه أن "يتعامل" مع هذا المتغير الدولي الوشيك آنذاك بطريقة مختلفة. ليس فقط بأن يكون له موقف مختلف بإزاء الاستحقاق الرئاسي في ذلك الوقت، وهو موقف كان متاحاً بال