مأزق الطائف
نظريا «اتفاق الطائف» هو النص المكتوب الذي يرتكز اليه النظام الطوائفي وعلاقات مكوناته واوزانها وادوارها. لكن «الطائف» كان نتاجا اميركيا- عربيا اوكل الدور الاساسي في رعاية الوضع اللبناني لدمشق.
وتوازن «الطائف» اختل بفعل الخروج السوري ولم تستطع لا ايران ولا السعودية ملء «الفراغ» كما أسهم التفرد الاميركي بتعميق الخلل اللبناني.
ذلك ان «الاحادية الاميركية» افترضت خطأ انه يمكن «تحييد لبنان» عن الصراع العربي - الاسرائيلي كما اعتمدت فريقا لبنانيا دون الاخر فعززت الانقسام السياسي والطوائفي.
واستطرادا أقحمت واشنطن لبنان في معادلة الضغط على سوريا لتغيير ما سمته «سلوك النظام» اي اخراجه من سياسة الممانعة ومن الربط بين الوطنية السورية والبعد القومي.
وكان هذا خطأ في حسابات «المحافظين الجدد» في الادارة الاميركية الذين لم يدركوا حقائق الجغرافيا السياسية للمنطقة وان «الوطن الصغير» لا يحتمل ادوارا ضد محيطه وانتمائه لا في الماضي كما هي الحال في العلاقة مع «حلف بغداد» ولا في الحاضر في النموذج الذي صاغه «المحافظون الجدد» بالبناء على التعامل مع المنطقة مع مكوّناتها البدائية الطوائفية والقبلية ولا في المستقبل عبر اي رهانات جديدة مغايرة لحقائق التاريخ والجغرافيا والانتماء القومي.
مرحلة ما قبل «اتفاق الدوحة» امتازت بالحضور السياسي الاميركي الى جانب الحكومة اللبنانية.
لكن ينبغي الاعتراف ان متغيرات جوهرية حدثت وأملت التراجع من الحكومة المستقيلة عن القرارين الشهيرين والقبول بفكرة «الثلث الضامن» للمعارضة عند تشكيل الحكومة الجديدة.
وبالتأكيد فان التجاذبات الراهنة بين الفريقين الموالي والمعارض لها علاقة بالانتخابات النيابية القادمة ومن يكون هو الاكثرية والاقلية علما بأن خلط اوراق جوهري ستشهده الخريطة السياسية استنادا لقانون الانتخاب على اساس القضاء. فالكتل الانتخابية السابقة اعتمدت على قانون غازي كنعان الذي يعطي الدور الابرز للتحالفات الطوائفية فيما قانون القضاء لا يحتاج عموما الى مثل هذه التحالفات وتتحكم به المعطيات الشخصية والمالية والخطاب الطوائفي الضيق.
لا شك انه من مصلحة واشنطن ان تؤدي التجاذبات الى تقليص تنازلات فريق الموالاة والى اضعاف الجنرال ميشال عون حليف حزب الله. انما في حقيقة الامر هناك انكفاء اميركي عام في المنطقة لا يتيح مغامرات غير محسوبة عسكريا وسياسيا وطوائفيا للحليف المحلي لواشنطن.
من هنا الحسابات العقلانية والمدروسة للزعيم الدرزي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي ينصح الفريق الموالي بتنازلات بالحقائب الوزارية.
فهو يعرف جيدا ان واشنطن لن تتدخل عسكريا في وقت تدخل فيه الرئاسة الاميركية مرحلة الشلل السياسي. كما يعرف ان اسرائيل التي تشرب «الكأس المر» في «مقايضة الاسرى» لن تقدم على عملية عسكرية. وهكذا فان وليد جنبلاط مثله مثل الرئيس نبيه بري حريص على استعجال تشكيل الحكومة او على الاقل تحييد الجبل عن التوترات المحتملة. كما ان الرئيس العماد ميشال سليمان يبحث عن المخارج الممكنة، فالفراغ الحكومي يعطل السلطة التنفيذية وينسف امكانية تحويل ما يطمح اليه من تحقيق المصالحات امرا ممكنا.
والمفارقة ان ثمة من يذهب في استنتاجات ساذجة الى اعتبار ان المعوقات امام تشكيل حكومة الوحدة الوطنية هي داخلية بحتة والواقع انه لا احد يستطيع ان ينكر البعد الداخلي لاستعصاءات تشكيل الحكومة. غير ان ذلك ليس هو العنصرالحاسم والمقرر انما الملاحظ هو ان المظلة الدولية لاتفاق الدوحة توفرت لانتخاب الرئيس ميشال سليمان وليس بالضرورة لحكومة الوحدة الوطنية التي تنتظر قوة دفع خارجية تتطلب بدورها توليف مصالح الاوصياء المتعددين.
والذي يقرأ تصريحات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز لصحيفة السياسة الكويتية بمناسبة الذكرى الثالثة لبيعته يستوقفه الغمز من قناة كل من ايران وسوريا في الموضوع اللبناني وان اللبنانيين يستمتعون بما اراده لهم الخيرون ولم يحدد الملك عبدالله من هم الخيرون وما اذا كان ذلك يندرج في السياق الذي يستخدمه الرئيس الاميركي جورج بوش حول الاخيار والاشرار.
والواضح ان السياسة السعودية نحو لبنان تحاول ايران مقاربتها من زاوية ايجابية فعندما التقى وزير الخارجية الايراني الدكتور منو شهر متكي زميله السعودي الامير سعود الفيصل في بيروت اتفق الاثنان على ان يناقشا في طهران تطوير العلاقات الايرانية - السعودية والتعاون في الشأن اللبناني. ولم يحصل هذا النقاش.
واكثر من ذلك لم تنتج زيارة رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الشيخ رفسنجاني للسعودية دفعا للعلاقات الايرانية - السعودية، وفي المعلومات ان الملك عبدالله يريد ان يكون البحث في العلاقات بينه وبين المرجع الروحي الامام علي خامنئي.
والسؤال هل هناك رهان سعودي على الوقت لبنانيا حتى يستنتج الملك عبدالله بان ساعة غروب من اراد الشر للبنان تدنو يبدو مثل هذا الكلام كانه غريب على شخص خادم الحرمين الشريفين الذي تميز بنزعته القومية - الاسلامية وبواقعيته عندما كان وليا للعهد.
هل مثل هذا الموقف ناجم عن الضغوط الاميركية وتأثيرات الامير بندر بن سلطان خصوصا وان المملكة كانت تاريخيا حريصة على ان تكون على علاقة جيدة بكل مكونات المجتمع اللبناني وطوائفه وان تكون مرجعية حل الخلافات العربية - العربية.
امور الخارج محيرة لا تساعد في تفكيك الازمات الداخلية اللبنانية المتشعبة. فاللاعبون الاساسيون واشنطن وطهران والرياض ودمشق لا يبدو ان جمعهم في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ممكن في اللحظة الراهنة.