"منتدى الطائف" لم يتعرّض لـ"حزب الله" فلمَ الحملات عليه؟
ما زالت تداعيات مؤتمر الطائف الذي انعقد في قصر الأونيسكو مستمرة وتتوالى فصولها تباعاً، ولا سيما حملة "حزب الله" على هذا المنتدى، مرفقةً بهجوم خاص على شخص السفير السعودي وليد بخاري، وذلك ما يظهر جلياً من خلال مواقف نواب وقادة "حزب الله" وإعلامه، ما يطرح التساؤلات: هل عادت حليمة إلى عادتها القديمة؟
أي إن الحملات تجدّدت على المملكة العربية السعودية وسفيرها في لبنان في هذا التوقيت حيث الاستحقاق الرئاسي، والدور السعودي المتنامي الذي برز من خلال منتدى السبت المنصرم عبر الحضور اللافت لبنانياً وعربياً، يضاف إليه التواصل والتنسيق المستمران بين الرياض وباريس. وعلى هذه الخلفية، أكد مرجع سياسي أمام الحلقة الضيّقة القريبة منه، أن حملات الحزب على السعودية جاءت على خلفية حجم منتدى الطائف ودلالته، والمشاركة الواسعة من كل الأطياف، باستثناء "حزب الله"، وصولاً إلى ما يقوم به السفير بخاري من دور استثنائي على الساحة المحلية. وبمعنى أوضح فإن معظم حلفاء "حزب الله" كانوا مشاركين في منتدى الطائف، والسفير السعودي يلتقيهم باستمرار، من النائب حسن مراد إلى النائب السابق فيصل كرامي، فضلاً عن مشاركة رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية في منتدى الأونيسكو، بغضّ النظر عمّا إن دعمته السعودية، أو رفضت ترشيحه، فهذه العناوين لم يهضمها الحزب، مع الإشارة أيضاً إلى أن كل الكلمات التي ألقيت في منتدى الطائف، بما فيها مداخلة السفير بخاري، كانت مدروسة ولم تتناول "حزب الله" من قريب أو من بعيد، بل دعت بمجملها إلى تحصين الطائف واستكمال تطبيقه، والدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن.
من هذا المنطلق، تقول مصادر سياسية متابعة: أين الخطيئة في كل ما واكب ورافق منتدى الطائف ليهاجمه "حزب الله" بهذه الضراوة، ويفرد إعلامه مساحة واسعة لمهاجمة السفير بخاري، لافتة إلى أنه خلال زيارة رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط لعين التينة، ولقائه برئيس المجلس النيابي نبيه بري، تطرّقا إلى احتفال قصر الأونيسكو، وأبديا ارتياحهما لعدم حصول أي تصعيد، وللواقعية التي واكبت هذا المنتدى على مستوى الكلمات، وكل ما رافقه من تنظيم وعدم التعرّض لأي حزب أو شخصية لبنانية. وتكشف المصادر أن اتصالات جرت في الساعات الماضية من أجل وقف هذه الحملات، لأنها تؤثّر سلباً على كل ما تحقّق في الآونة الأخيرة من خطوات يمكن وصفها بالإيجابية، إن على مستوى الترسيم البحري مع إسرائيل، وقد تقصّد رئيس الحزب التقدمي عندما ذكّر بدور الرئيس بري في هذا المجال، بعدما جيّره "التيار الوطني الحر" للرئيس السابق ميشال عون، ولرئيس "التيار" النائب جبران باسيل، إضافة إلى الهدوء والاستقرار الذي تنعم به الساحة الداخلية، وعلى أبواب الأعياد المجيدة، وبعد انتهاء ولاية الرئيس عون وكل ما واكبها من انقسامات وخلافات وأحداث.
أما لماذا يصعّد "حزب الله"؟ فترى المصادر نفسها، أنه تزامن مع بعض المحطات الداخلية والإقليمية والدولية، بحيث حتى الآن لم يتمكن من تسمية مرشحه، وإن كانت ورقة ترشيح فرنجية في جيبه، ومن ثم الدور الذي يقوم به السفير السعودي في بيروت من لقاءات ومشاورات مع سائر المكوّنات المحلية، ونتائجه ظهرت من المشاركة الكثيفة في منتدى الأونيسكو، وصولاً إلى الحملات والتهديدات التي تطلقها إيران باتجاه الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية، ومعاودة الحوثيين لعملياتهم ضد منشآت سكنية وحيوية في المملكة. وهنا، من الطبيعي أن "حزب الله" الذي يُعد الحليف العقائدي والاستراتيجي الأبرز لطهران، يستمرّ في تنفيذ سياساتها في لبنان والمنطقة عبر العرقلة والتعطيل للاستحقاقات الدستورية، وذلك ما كان يحصل قبيل انتخاب عون رئيساً وبعده، وعلى هذه الخلفية، يسعى هذا الحزب جاهداً لتحسين شروطه رئاسياً، والتشويش على الدور السعودي الفاعل، وحملاته تصب في هذا الإطار، وربطاً بترقّبه للانتخابات النصفية في الولايات المتحدة الأميركية، ومآل الحرب الروسية – الأوكرانية، حيث للمسيّرات الإيرانية دورها في هذه الحرب، أي إنه يتعاطى استراتيجياً، ولكنه، من خلال هذه التدخلات والاستراتيجيا يبقي لبنان رهينة لهذه السياسات التعطيلية، إما لدعم إيران من خلال استعمال لبنان ساحة ومنصة، أو للتأكيد للمجتمع الدولي أن "حزب الله" ما زال هو الأقوى، وذلك ما يشير إليه نواب وقادة الحزب من خلال مواقفهم اليومية.
ويبقى أنه، على الرغم من هذا التشويش على منتدى الطائف والحملات المتجدّدة على الدور السعودي، فإن احتفال الأونيسكو حرّك المياه الراكدة، وأعاد لبنان إلى العرب، وأكد أهمية دور الرياض، وفتح طريق الاستحقاق الرئاسي لبنانياً وعربياً، وما التفاعلات والمواقف إلا المؤشّر على هذا المعطى، بمعنى أنه ليس في استطاعة "حزب الله" أن يفعل ما فعله من خلال دوره في انتخاب عون رئيساً للجمهورية، أو فرض أي مرشح دون توافق داخلي وغطاء دولي وعربي.