التشريع.. وانتخاب الرئيس
بسعي الرئيس برّي، إلى عقد جلسة تشريعية، لإقرار العديد من القوانين.
ولِبيان ما إذا كان يحّق للمجلس النيابي أن يلتئم للتشريع، لا بدّ لنا من العودة إلى أحكام الدستور اللبناني ومواده.
نصّت المادة /74/ من الدستور، أنّه إذا خلت سدّة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو أي سبب آخر، فيجتمع المجلس فورًا بحكم القانون لانتخاب الخَلَف.
ونصّت المادة /75/ من الدستور أيضاً، أنّ المجلس الملتئم لانتخاب رئيس، يُعتبر هيئة انتخابية لا هيئة تشريعية، ويترتّب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة، دون مُناقشة أو أي عمل آخر.
بالتالي، لا خلاف أنّ المجلس الملتئم لانتخاب رئيس للجمهورية يُعتبر هيئة ناخبة وليس تشريعية. لكن الخلاف يكمن متى يُعتبر مُلتئماً لانتخاب رئيس، هل في الجلسات المحدّدة حصرًا لذلك، أم بات مُلتئماً بحُكم الدستور إبتداءً من مطلع شهر تشرين الثاني من العام المُنصرم، وسيبقى كذلك حتى انتخاب رئيس؟.
وللتمكُّن من الإجابة عن هذا السؤال، يقتضي عدم تجزئة مواد الدستور، إنما تفسيره بصورةٍ شاملة وكاملة.
نصّت المادة /73/ من الدستور، أنّه يقتضي انتخاب رئيس الدولة قبل شهر على الأقّل أو شهرين على الأكثر قبل موعد انتهاء الولاية، نظرًا لأهمّية هذا الموقع ودوره. حتى أنّ المُشرّع ذهب أبعد من ذلك، إذ نصّت المادة، أنّه إذا لم يُدْعَ المجلس لهذا الغرض، فإنّ المجلس يجتمع حُكماً في اليوم العاشر الذي يسبق انتهاء الولاية، ولو دون دعوة من رئيسه، لانتخاب رئيس.
كذلك نصّت المادة /74/ من الدستور، أنّه إذا خلت سدّة الرئاسة لأي سبب كان، فيجتمع المجلس النيابي حُكماً وفَورًا لانتخاب الخَلَف. حتى أنّ المشرّع ذهب أبعد من ذلك، حيث نصّت المادة والمومأ إليها أعلاه، أنّه إذا اتّفق حصول الخلاء مع وجود مجلس نوّاب منحّل، تُدعى الهيئات الناخبة دون إبطاء، حيث يُفترض على المجلس الاجتماع، حال فراغه من الأعمال الإنتخابية.
بالتالي، إعتمد المشرّع النمط التصعيدي لانتخاب رئيس الجمهورية، بأن حدّد مهلة للانتخاب، وأجاز للمجلس النيابي أن يجتمع حُكماً في اليوم العاشر الذي يسبق انتهاء الولاية، بحال تخلّف رئيس المجلس عن الدعوة. حتى وصل إلى اعتبار المجلس النيابي هيئة ناخبة دائمة، حُكماً وفَوْرًا بمُقتضى الدستور، من تاريخ الخلاء وحتى انتخاب الرئيس الخَلَف.
مما يُفيد، أنّه لا يُعقل أن تكون نيّة المُشرّع، الذي اعتمد نمطًا تصعيديًا واضحًا وصولاً لانتخاب رئيس، أن تكون نيّته مُنصرفة إلى إعادة التطبيع بعد خلو سدّة الرئاسة، والإجازة للمجلس النيابي باستعادة دوره التشريعي في غياب الرئيس.
مما يُفيد،
إنّ المجلس النيابي الحالي بحال انعقاد دائم وحُكمي منذ تاريخ الأوّل من شهر تشرين الثاني من العام الماضي/2022/. ولمّا يزل بحال انعقاد دائم وحُكمي حتى تاريخه. ومن واجبه حصرًا إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، قبل أي عمل آخر لا تشريعي ولا رقابي، حتى من دون مناقشة أي أمر على الإطلاق.
وبالعودة إلى أحكام الدستور الفرنسي، وتحديدًا المادة السابعة منه (القانون الدستوري الصادر بتاريخ 25/2/1875)، فقد نصّت حرفيّاً على ما يلي: «إذا خلت سدّة الرئاسة بسبب الوفاة أو لأي سبب آخر، يشرع المجلسان الملتئمان معاً فورًا (immédiatement) في انتخاب رئيس جديد. وإلى أن يتّم الإنتخاب، تُناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء».
أكثر من ذلك، أُثيرت في فرنسا في عهد الجمهورية الثالثة (1875-1940) مسألة ما إذا كان يحّق للجمعية الوطنية (المؤلّفة من مجلسّي النواب والشيوخ) التشريع في مرحلة شغور سدّة الرئاسة. فاعتبر الفقيه «أوجين بيار» في مؤلّفه الشهير «القانون السياسي البرلماني»، أنّ الجمعية الوطنية تتحوّل من تاريخ شغور رئاسة الجمهورية إلى حين انتخاب رئيس جديد للبلاد، إلى هيئة ناخبة حصرًا، ولا يمكنها أن تُمارس وظيفتها التشريعية.
- دراسات في القانون الدستوري اللبناني- للدكتور وليد عبلا- مجموعة دراسات وأبحاث- صفحة /454/ و/455/.
علماً، أنّ هناك آراء مُعاكسة ومُخالفة، كرأي «العميد دوغي».
ولكن ماذا لو عُقدت الجلسة وصدرت قوانين نتيجة التشريع، فهل هي قابلة للطعن؟ وكيف؟ وأمام أي مرجع؟ ولأي حجّة؟
من الثابت أنّ المجلس الدستوري ينظر في دستورية القوانين (المادة /18/ من القانون رقم 250 /1993 تاريخ 14/7/1993).
وبالتالي، القوانين التي ستصدُر عن جلسة تشريعية معيوبة ستكون عرضةً للطعن من قِبل عشرة نوّاب من أعضاء المجلس النيابي (المادة /19/ من القانون 250 /1993) أمام المجلس الدستوري. وذلك لمخالفة هذه القوانين أحكام المواد /74/ و/75/ و/31/ من الدستور اللبناني.
علماً، أنّ المادة /31/ من الدستور اللبناني تنُصّ حرفياً على ما يلي:
«كلّ اجتماع يعقده المجلس في غير المواعيد القانونية يُعدّ باطلاً حُكماً ومُخالفاً للقانون».
مما يُفيد، أنّ المجلس النيابي راهناً هو هيئة ناخبة حصرًا وليس هيئة تشريعية (عملاً بأحكام المادتين /74/ و/75/ من الدستور) وبالتالي، لا يحّق له التشريع مُطلقاً. وكلّ تشريع يحصل خارج العقود والمواعيد القانونية، يُعّد باطلاً حُكماً ومُخالفاً للقانون، عملاً بأحكام المادة /31/ من الدستور.
وبالخُلاصة، حذارِ من التشريع إن حصل، لِكَون كلّ عمل ينتج من جلسة نيابية باطلة، فهو باطل.
أمّا التحجُّج أنّ المجلس النيابي عامّي /2014/ و/2015/ شرّع رغم الفراغ الرئاسي، تحت عنوان «تشريع الضرورة» لا يستقيم. كَون كلّ تشريع يُقدِم عليه المجلس النيابي هو ضروري، فليس هناك من تشريع ضرورة وتشريع لا ضرورة، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فالخطأ لا يُبرّر الخطأ. فما جرى عامّي /2014/ و/2015/ كان نَسفاً لمواد الدستور. ولا يُمكن البِناء على هذا الخرق لتشريع انتهاك إضافي لأحكام الدستور.
فصحيح أنّ الضرورات تستوجب تشريعاً، لكن الأصّح أنّ البلاد بحاجة إلى رئيس، لانتظام الدولة والمؤسسات.
فتعالوا، وعوض التباكي على تشريع ضائع، أن نتكاتف لانتخاب رئيس للجمهورية، ومنه تكون البداية.