الأقلية تجهد لإظهار مساوئ الطائف ..ونسفه بالوقائع المفبركة
في السياسة لم يكن خافياً على أحد أن ثمة فريقاً من اللبنانيين يرغب في قرارة نفسه بإلغاء مفاعيل اتفاق الطائف لأغراض سياسية تتعلق بمصالحه التي كان قد رآها تتنامى وتنامت على حساب الدولة الأمر الذي برر تصاعد مطالبته بإعادة النظر في هذا الاتفاق أقله بذريعة أنه مضى عليه سنوات ولا بأس من النظر في إمكانية تعديله حتى تتأمن الملائمة بين المصالح والدساتير.. وقد يكون مفهوماً أن تأتي المطالبة في سياق طبيعي وتوقيت ملائم إلا أن إثارة الموضوع في حمأة الانتخابات النيابية يعطي للقضية بعدين سلبيين أولهما استخدام الدستور واللعب على مضامينه في ظرف استثنائي وليس في السياق الطبيعي وثانيهما الخفة في طرح مواضيع دستورية تتطلب في الأساس إجماعاً على مجرد إثارة الموضوع. وفي الحالتين يعبر المعنيون بإثارة الالتباس في اتفاق الطائف عن تشكيك بإمكانية أن يبقى دستور الطائف قاسماً مشتركاً لعملية بناء الدولة فإذا جرى التشكيك بهذا الموضوع بعد سلسلة التشكيكات والممارسات التي أطاحت مفهوم الدولة والمؤسسات والشرعية فكيف ستكون قيامة الدولة أو تطورها في مرحلة ما بعد الانتخابات التي ينظر إليها على أنها الحد الفاصل بين ترهل الدولة وإعادة بنائها وإطلاقها؟!..
مصادر سياسية متابعة لسلسلة المواقف التي أثارتها المعارضة أخيراً حول وجهة نظرها بالمشاركة السياسية والتي وصلت الى حد مطالبة البعض بضرورة "التوافق أولاً، والآن على مضمون اتفاق الطائف" تقول إن هذه المطالبة تؤكد عدم وجود توافق على الدستور أقلها من وجهة نظر فريق أساسي في المعارضة الأمر الذي يبرر أو يوضح الخلفيات السياسية لهذا الفريق الذي بات يشعر أنه الأقدر على تجاوز الدستور منذ أن أصبح يهدد بامتلاكه قرار الحرب والسلم وحلوله مكان بعض المؤسسات الرئيسة في الدولة وذلك بمعزل عن الدور الذي كان متاحاً أمام هذه الأخيرة أيام الوصاية السورية من خلال السيطرة على المؤسسات ولا سيما الأمنية أو السيادية منها.
وتلفت المصادر الى سبب آخر أملته الوقائع الديموغرافية، والتي تنبه واضعو الطائف لها يوم تحدثوا عن المناصفة بمعزل عن إمكانية حدوث تطورات ديموغرافية لدى هذه الفئة من اللبنانيين أو تلك وهو أمر أثير يومها لإرساء قواعد مطمئنة بين مختلف الفئآت اللبنانية.. فمجرد طرح "التوافق مجدداً على مضمون اتفاق الطائف" يعني إعادة النظر فيه وفي قضية حساسة جداً من شأنها زعزعة الثقة التي ارساها هذا الاتفاق خصوصاً أن الطرح يتزامن مع قراءة أقل ما يقال فيها إنها غير جامعة للطائف.. فكيف يتحدث رئيس المجلس النيابي عن أن الثلث الضامن أو المعطل هو في صلب الطائف في ما يقول البعض الآخر بضرورة التوافق والإجماع حول كل شيء الأمر الذي لا يشير اليه الطائف لا من بعيد ولا من قريب وحتى في روحيته فهو يرسم ويحدد القضايا التي تتطلب توافقاً على قاعدة الثلثين والأكثرية لم تتجاوز هذه القاعدة في ما الأقلية فرضت رأيها بالارهاب وكثيراً ما اخذت دور الدولة عندما قررت ان تذهب أو ان تواجه حرباً هي في الاساس من مسؤولية مجلس الوزراء مجتمعاً على قاعدة الثلثين فقد ورد في الطائف ان مسألة الحرب والسلم والتعبئة العامة من مسؤولية هذا المجلس ويتخذ القرار بشأنهما على قاعدة الإجماع وإلا الثلثين.
وتشير المصادر الى أن المبادئ العامة لدستور الطائف تحدثت عن لبنان الديموقراطي البرلماني الذي يعني وفق كل الشرع والتفسيرات الدستورية ان نظامه ديموقراطي أي هناك أقلية وأكثرية واحدة تحكم واخرى تعارض من ضمن الدستور وإلا لماذا الانتخابات مثلاً إذا كانت صيغة الحكم داخل مجلس الوزراء يجب ان تبقى هي نفسها بمعزل عن نتائج الانتخابات أي سيطرة الثلث المعطل على آليات الحكم الأمر الذي أوضحته الأكثرية بأن هذا التوجه لا يعني عدم المشاركة انما التعطيل إذ يمكن للبعض في المعارضة ان يشارك ليراقب مثلاً مشاريع وتوجهات الأكثرية وعندما يرى وجوب الاعتراض يعترض وفق الآليات التي يمكن ان تعتمد دستورياً في مثل هذه الحالات.
وتتوقف المصادر عند محاولات الأقلية إثارة موضوع الطائف وضرورة الإجماع عليه من زاوية حديثه عن العلاقات مع سوريا على قاعدة وضع الأكثرية لرفض مثل تلك العلاقات التي يجب ان تتسم بالتمايز فتقع عندها الموالاة والمعارضة في لعبة الرفض المزدوج للطائف ففي مقابل حديث الأقلية عن مسألة المشاركة والثلث المعطل تطالب الأكثرية بتغيير يشمل البند الرابع من اتفاق الطائف الذي يتحدث عن العلاقات المميزة بين لبنان وسوريا الأمر الذي تنبهت اليه هذه الأكثرية ودعت الى تنفيذ حرفي لما جاء في الطائف عن تلك العلاقات وهي في الأساس عملت لإرسائها وفق آليات القانون الدولي ونجحت في التبادل الديبلوماسي وفتح السفارات.. مما أسقط من يد المعارضة حجج الدعوات لرفض متقابل لبعض ما تضمنه الطائف.
وتحذر المصادر من التعاطي الانتقائي مع الطائف الذي يشكل كلاً متكاملاً يطال كل نواحي الحياة السياسية للبنان فالسؤال المطروح كيف تتسمر المعارضة عند بند المشاركة المتناثر والتي تحاول إعادة جمعه وفق رؤيتها الخاصة وتتجاوز مثلاً بنوداً سيادية يتوقف عندها دستور الطائف ليقول ببسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية الأمر الذي بات يتناقض كما هو معروف مع ما يقوم به البعض في الأقلية من سيطرة على الدولة تحت غطاء المقاومة بانتظار قيام الدولة القادرة والعادلة وفق حالة الانتظار السلبي التي تعمل وتروج لها الأقلية لا بل تفرضها بقوة حيازتها على سلاح غير شرعي.
وتعتبر المصادر ان التحذير ينسحب على التهديدات التي باتت تطلقها الأقلية عن طريق اعتبارها ان السلم الأهلي سيكون مهدداً إذا ما عادت الأكثرية الحالية أكثرية موصوفة وغير مشكك فيها.. وقول احدهم في المعارضة ".. انه أفضل للمعارضة ان تربح لانها ستقدم للبلد السلم الأهلي" وصعد ليقول انه وسط النظام الطائفي الحالي لا يمكن للديموقراطية ان تقوم انما المشاركة وفق الثلث الضامن أي المعطل مما يعني فشل الطائف في تحقيق الاستقرار والمشاركة الأمر الذي يعيد الأمور في نقطة بيكار الأقلية وهي نسف الطائف بالوقائع المفبركة.