بيان اللقاء الخماسي نعى المبادرة الفرنسية وانهى التفويض الأميركي لباريس
بدا واضحاً أن البيان التصعيدي الذي صدر عن المجموعة الخماسية (الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر) التي التأمت أمس في الدوحة كان بمثابة نعي للمبادرة الفرنسية، وشبه إنهاء للتفويض المعطى أميركياً لباريس في الملف الرئاسي، وربما إعلان انتهاء مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، إذ شكّكت مصادر مطّلعة عبر "الاخبار" في أن يزور لودريان بيروت مجدّداً، بعدما باتت زيارته "لزوم ما لا يلزم، وحتى في حال قيامه بها هذا الشهر كما كان مقرّراً، فسيسود أجواءها كثيرٌ من التوتر"، إذ إن "التهديدات التي تضمّنها البيان تعاكس التطورات الإيجابية التي شهدتها المنطقة أخيراً، وستكون لها ردود فعل ونتائج سلبية في المشهد اللبناني، وستدفع القوى السياسية، ولا سيما حزب الله إلى مزيد من التشدّد".
وكشفت مصادر مطّلعة أن لودريان عرض في بداية الاجتماع نتائج جولته الأخيرة إلى بيروت، وتحدّث عن "خلافات كبيرة بين القوى السياسية واستحالة الوصول إلى توافق من دون تدخل دولي أو اتفاق برعاية الدول المشاركة". وأضافت أن "الجانبين الأميركي والسعودي عبّرا عن اعتراضهما على دعوة المبعوث الفرنسي إلى حوار بين اللبنانيين برعاية عربية دولية، باعتبار أنها لن تؤدي إلى نتيجة، وقد تنتهي إلى مكان تطاول فيه النظام وتؤدي إلى تغييرات جذرية فيه، وهو ما تعارضه السعودية بشدّة".
ووصفت المصادر البيان بأنه "صياغة سعودية بامتياز"، مشيرة إلى أن "ممثل الرياض في الاجتماع هو من عرض فكرة فرض العقوبات التي تبنّاها الأميركيون والفرنسيون، ووافق القطري والمصري ولو أنهما لم يؤيّدا الفكرة".
غطاء للمهمّة
خلاصة اجتماع الدوحة انّه غطّى مهمّة لودريان في بيروت، التي يُنتظر ان يقيم فيها اياماً عدّة، على ان تسبق وصوله الى بيروت، كما كشفت مصادر موثوقة لـ"الجمهورية"، ما سمّتها "ممهدات" واتصالات على خطوط متعددة لبنانية وغير لبنانية لإنجاح مسعاه لإنهاء الازمة الرئاسية في لبنان، وتسهيل اطلاق الحوار الرئاسي الذي ينشده. من دون ان تستبعد المصادر حراكاً موازياً لذلك، ربما قطرياً، يصبّ في دعم مهمّة لودريان.
فرنسا لن تترك لبنان
إضافة إلى ذلك، استقبل رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطرية محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني اليوم، مبعوث الرئيس الفرنسي للبنان جان إيف لودريان، بمناسبة زيارته للبلاد. وجرى خلال اللقاء استعراض علاقات التعاون بين البلدين، بالإضافة إلى مستجدات المنطقة، لا سيما في لبنان، وقد اتفق الحاضرون على متابعة ودعم جولات لودريان بين لبنان ودول المنطقة.
وذكر مصدر دبلوماسي فرنسي ربطاً باجتماع اللجنة الخماسية، بان "فرنسا لن تترك لبنان، وستواصل جهودها مع شركائها الدوليين المشاركين في الاجتماع وغيرهم للتوصل إلى حل للأزمة الرئاسية، والمطلوب تعاون القوى اللبنانية".
المساعي ما تزال متعثرة
الى ذلك، لاحظت مصادر سياسية عبر "اللواء" أن البيان الصادر عن ممثلي الدول الخمس في الدوحة تضمن عناوين مهمة، اهمها التأكيد على الالتزام بالاستمرار في دعم لبنان للخروج من ازماته، تحميل القيادات السياسية مسؤولية انتخاب رئيس جديد للجمهورية بأسرع وقت ممكن، مع التلويح لاول مرة باتخاذ اجراءات ضد كل من يعرقل اجراء الانتخابات، التأكيد على الالتزام بتطبيق اتفاق الطائف، واجراء الاصلاحات المطلوبة لعملية النهوض الاقتصادي، وربطها بالمساعدات من صندوق النقد الدولي وغيره، عدم التطرق الى مهمة الموفد الفرنسي ايف لودريان للبنان، خلو البيان من وضع اي برنامج عمل او خارطة طريق محددة لتحرك اللجنة الخماسية مستقبلا، عدم التطرق إلى اي اشارة لتنظيم حوار او تلاقي بين الاطراف السياسيين اللبنانيين لحل الازمة كما تردد في الاسابيع الماضية.
واوضحت المصادر ان غياب ذكر اي خطط لتحرك اللجنة لمتابعة مهامها، او لمواصلة اتصالاتها مع المسؤولين السياسيين، وتغييب اي لتنظيم حوار برعاية اللجنة، انما يعكس بمضمونه الصعوبات التي احاطت بمهمة المبعوث الرئاسي الفرنسي في لبنان، والتعثر الملحوظ في امكانيه جمع الاطراف السياسيين بين بعضهم البعض على اي لقاء حواري، في ظل الانقسام الحاصل بينهم، ما استدعى تضمين البيان دعوة السياسيين لانتخاب رئيس جديد للجمهورية استنادا للدستور، وتجنب الاشارة، لا من قريب او بعيد لاي تحرك لاي من اعضاء اللجنة، وتحديدا للموفد الفرنسي مستقبلا، ما يعني ان مساعي انهاء الفراغ الرئاسي ماتزال متعثرة، والازمة قد تطول أكثر من المتوقع.
تقليص تمثيل الولايات المتحدة
وإذ تنظر مصادر سياسية إلى بيان اللقاء الخماسي بإيجابية لجهة تجديد التفويض لفرنسا لاستمرار جهودها لحلّ الأزمة اللبنانية، وفق ما أوحى البيان، لفتت لـ"البناء" الى سلبية في ظاهر البيان وهي البقاء في العموميات وعدم التوافق على رؤية محددة لتسوية سياسية ضمن سلة كاملة للحل أي انتخاب رئيس للجمهورية ورئيس حكومة وحكومة والاتفاق على أسماء للمناصب العليا لا سيما حاكم مصرف لبنان وقائد الجيش.
كما لاحظت المصادر أن تقليص تمثيل الولايات المتحدة الأميركية يعكس عدم اهتمام أميركي بالملف اللبناني، وخلافاً بين أعضاء الخماسية على مقاربة للملف اللبناني. وبدل أن تقدم دول اللقاء الخماسي المظلة الدولية والإقليمية لأي تفاهم داخلي والدفع بهذا الاتجاه، اكتفت بالتلويح بعقوبات تستهدف بعض السياسيين لاتهامهم بعرقلة انتخاب الرئيس ما يتلاقى وأحد البنود في متن قرار البرلمان الأوروبي الذي اتهم حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر دون غيرهم بتقويض الدولة وعرقلة عجلة المؤسسات، ما يخفي التصويب والاستهداف السياسي لبعض الأطراف السياسية، فضلاً عن انتهاك سيادة لبنان والاعتداء على اقتصاده وتهديد أمنه عبر إبقاء النازحين السوريين في لبنان واتخاذ كل الإجراءات لمنعهم من العودة.