اللامركزية حقّ مكتسب وليست منّة
يبدي «حزب الله» ارتياحاً للحوار القائم مع «التيار الوطني الحرّ» لأنّه يعتقد أنّه سينتهي بانتخاب نوّاب هذا «التيار» المرشح الرئاسي سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية وهو المرشح الذي عارضه رئيس «التيار» النائب جبران باسيل بشدّة وأخذ معه كل «التيار» والتياريين إلى هذه المعارضة.
إن حصل ذلك فسيكون تبرير النائب باسيل أننا حصلنا في المقابل على اللامركزية وعلى الصندوق الائتماني، وبغضّ النظر عن الآلية التي ستتّبع من أجل إقرار قانون اللامركزية وخطواته التطبيقية وارتباطها بتوقيت انتخاب فرنجية، فإنّ الحقيقة التي ستكون واضحة هي أنّ «حزب الله» سيحقّق نصراً سياسياً أثمن بكثير من خطوة قد لا تكتمل أو قد تتعثر ويعرف «حزب الله» كيف يلعب هذه اللعبة.
إنّ المقايضة بين رئاسة الجمهورية من جهة واللامركزية الموسّعة من جهةٍ ثانيةٍ أمر لا يجوز وغير محقّ، لأنّ اللامركزية الموسّعة نصّ عليها اتفاق الطائف وهي بالتالي حق مكتسب وإقرارها واجب وليست منّةً من أحد، وهذه هي حال البنود الأخرى من اتفاق الطائف التي لم تنفّذ بعد ومنها استكمال حلّ الميليشيات وانتخاب برلمانٍ خارج القيد الطائفي وتشكيل مجلسٍ للشيوخ وتشكيل اللجنة التي ستضع أسس إلغاء الطائفية السياسية. والسؤال هنا لمن يحملون نظرية المقايضة: هل يمكن مثلاً بدء مسار إلغاء الطائفية السياسية وهناك قوة مسلّحة تابعة لطائفة ترفض أن تسلّم سلاحها للدولة اللبنانية؟ وهل تشكّل اللامركزية ضمانةً تجاه هذا السلاح؟
إنّ نجاح اللامركزية في أي بلدٍ يتطلّب استقراراً عاماً على مستوى البلد، وهذا يستلزم أن تكون ولاءات القوى السياسية للبنان. فهل تشمل المقايضة مسألة الولاء السياسي والعسكري لـ»حزب الله» للجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ وهل تشمل المقايضة أيضاً مسألة اعتبار لبنان ساحة انطلاقٍ لتحرير فلسطين والتدخّل عسكرياً حيث تدعو الحاجة؟ وهل تشمل المقايضة ضبط الحدود وترسيمها بين لبنان سوريا؟ وهل إذا اندلعت الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل يبقى قضاء جزين مثلاً بمنأى عنها بينما يتورّط فيها قضاء بنت جبيل؟
في مفارقات طرح المقايضة هذا أنّ تفاهم 6 شباط 2006 بين «التيار الوطني الحرّ» و»حزب الله» لم يأت على ذكر ضرورة تطبيق اللامركزية الموسّعة التي أقرّها اتفاق الطائف في العام 1989 والذي رفضه «التيار الوطني الحر» ليستفيق بعد سنوات طويلة على أهمية تطبيق هذا البند حتى صحّ فيه القول «أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبداً».