تقسيم لبنان بصفته "حلًّا" لمعضلة "حزب الله"

النوع: 

 

يخطئ من يظن أنّ طرح التقسيم الذي يقترحه البعض حلًّا للأزمة في لبنان، هو نتاج رؤية سياسيّة، لأنّه، في واقعه، وليد قناعة شعبية بدأت تنتشر كالنار في الهشيم، في عدد من البيئات الشعبيّة تتقدمها البيئة المسيحيّة.

ولا تعود هذه القناعة الى رغبة بالانفصال عن الآخر في لبنان، بل إلى إحساس شعبي كبير بالعجز عن ايجاد حلول ناجعة للكوارث التي تنهال على اللبنانيين، في ظل "تعنّت" واضح ل"حزب الله" بفرض ارادته، مستعينًا بالقوة العسكرية والأمنية الهائلة التي يملكها، علىالجميع.

وطرح التقسيم، في حقيقته، يعود الى طموح بيئات لبنانيّة في فصل نفسها عن بيئة "حزب الله" التي تنعكس سلبًا عليها.

وتضغط هذه البيئات الشعبية على قياداتها السياسية من أجل أن تخوض هذه المعركة، اذا كانت عاجزة عن إحداث ما يلزم من تعديلات ضرورية على النهج الوطني ل"حزب الله"، وهذا يعني ان طرح التقسيم هو البديل الذي تقترحه القواعد الشعبية لعجز القيادات السياسيةعن "لبننة"الحزب الذي "يحتل لبنان بوكالته الايرانيّة".

وفي لقاءات مع مجموعات في عدد من المناطق المسيحية، يلفت الانتباه هذا الفارق الهائل بين خطاب المنابر "الوحدوي"وخطاب الشارع التقسيمي.

ولكن لا بدّ من تسجيل مفارقة مهمة، فالرؤية الشارعيّة، اليوم للتقسيم تختلف عن تلك الرؤية التي كانت سائدة، في زمن الحرب التي عرفهالبنان بين العامين ١٩٧٥ و١٩٩٠. في زمن الحرب كان التقسيم يعني ايجاد دويلة لكل طائفة. حاليًا، هناك رغبة في ايجاد دولة منفصلة عن دويلة "حزب الله"، بمعنى أنّ المطلوب فصل تأثير "حزب الله" عن الدولة المرغوب باقامتها، من دون ان تكون للون طائفي معيّن، بل لجميع منيتطلعون الى ايجاد بيئة "نظيفة" من "ثقافة حزب الله الايرانية"، أي أنّها دولة يحميها القانون والقوى العسكرية والامنية الشرعية ومرجعيتها سلطة قضائية مستقلة وعمقها الاستراتيجي تمثّله الدول الصديقة تاريخيًّا للبنان.

ووفق ما أظهرته النقاشات، فإنّ من يسوّقون لهذا الطرح يعتقدون بأنّ ما سوف يثبت قوة سائر اللبنانيّين على "حزب الله" هو جاذبيّة نموذجهم، وهم، من أجل إثبات رؤيتهم هذه، يقدمون منطقة الاشرفية ومحيطها الملاصق ، حيث أكثريّة السكان من المسيحيين، مثالًا، اذ إنّ هذه المنطقة عملت بجهد لتخطي كوارث الانهيار الذي بدأ يضرب لبنان، في العام ٢٠١٩، فأنارت، تباعًا، شوارعها و"عزّزت"أمنها الاجتماعي بالحراسة المنسقة مع القوى الامنية والعسكرية الشرعية وحمت الحريات العامة والفردية، فإذا بها تستقطب الاستثمارات والزائرين، وتنعم، على الرغم من الانهيار العام، بنمو استثنائي بالمقارنة مع سائر المناطق اللبنانية.

واللافت للانتباه أنّ عددًا من السياسيّين،بمن فيهم اولئك الذين يقفون بقوة في وجه كل اشكال التقسيم والفدرالية في لبنان، يعطون الحق لماينطق به الشارع، لجهة أنّ تداعيات الانهيار، في بعض المناطق، تختلف كثيرًا عن تداعياتها في مناطق أخرى، ولهذا، فهؤلاء السياسيْون يخشون أن تكون هذه المعطيات الميدانية التي بدأ يتلمّسها كثيرون أكبر داعم لأخذ البلاد الى التقسيم.

ولهذا، فهم باتوا مقتنعين، بحاجة لبنان الى إعادة بناء نفسه، اذ يجب ان يكون على جدول أعمال السلطة التي سوف تتكوّن مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ملفان: اللامركزية الادارية الموسعة ، وفق منطوق، اتفاق الطائف، والتنمية المتوازنة التي تأخذ في الاعتبار ميزات كل منطقة لبنانية وتعمل من أجلها، الأمر الذي من شأنه، على سبيل المثال لا الحصر، اخراج مدينة طرابلس ذات الامكانات الهائلة من حال الفقر المدقع التي تعاني منها شريحة واسعة من سكانها.

ولا تبدو هذه القيادات الرافضة للتقسيم "عقائدية"في موقفها، بقدر ما تشدّد على "براغماتيتها"، اذ إنّ التقسيم، وإن بدا حلًّا ظاهريًّا، الاأنّ طريقه الوحيد هو… الحرب!

ومهما كان عليه الأمر، فإنّ على "حزب الله" أن يدركهذا اذا لم يكن مدركًا أصلًا أنّ النهج الذي يتّبعه في البلاد، تحت شعار "عدم طعن المقاومة في الظهر"، قد يحوّل سلاحه الى سكين حاد ينشط في تمزيق الجغرافيا والديموغرافيا، في لبنان.

الكاتب: 
فارس خشان
التاريخ: 
الجمعة, فبراير 3, 2023
ملخص: 
واللافت للانتباه أنّ عددًا من السياسيّين،بمن فيهم اولئك الذين يقفون بقوة في وجه كل اشكال التقسيم والفدرالية في لبنان، يعطون الحق لماينطق به الشارع، لجهة أنّ تداعيات الانهيار، في بعض المناطق، تختلف كثيرًا عن تداعياتها في مناطق أخرى