صور "الحرب كما أراها": جيلٌ يعيش حرباً لم يعشها
قد تكون الحرب الأهلية قد إنتهت، لكن تبعاتها وآثارها لا تزال جليّة ومعاشة حتى بالنسبة للجيل الشاب، الذي لم يشهد دمويتها. "الحرب كما أراها" هو معرض صور يبحث في علاقة جيل اليوم مع الحرب ونظرته إليها، وهو نتاج لمسابقة تصوير فوتوغرافي نظمها "المركز الدولي للعدالة الانتقالية" بهدف تعزيز الحوار حول الحرب، وتشجيع الشباب على إختبار فهمهم للحرب اللبنانية كجزء من الماضي والحاضر، وذلك بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين على انتهائها.
وقد أجرت "المدن" حواراً مع ثلاثة من الفائزين الخمسة، وهم سيبيل جورج (22 سنة - الجائزة الأولى)، وسامي أوشان (22 سنة - الجائزة الثانية) وتمارا سعادة (19 سنة - جائزة خاصة)، قدّموا خلاله نموذجاً عن فهم الشباب للحرب اللبنانية وتجربتهم معها. ليس المشاركون في المسابقة خبراء حرب، أو مصورين محتفرين، بل مجرّد طلاب جامعيين وتلاميذ مدارس، عايشوا الحرب اللبنانية عبر روايات الأهل، وإنعكاساتها على الحاضر المثقل بالأزمات السياسية والإقتصادية.
صورة تختزل حرباً
إختزلت سيبيل جورج، وهي طالبة عمارة في "الجامعة الأميركية" في بيروت، الحرب بصورة لكتابٍ مخترق بثقب رصاصة، وهو أحد الكتب التي نالت حصّتها من عنف الحرب الأهلية، وهو اليوم موضوع على رفٍ في منزل جدّتها، "ولا أحد يجرؤ على فتحه خوفاً من أن تستيقظ شياطين الحرب"، وفق سيبيل. وهي إختارت هذا الكتاب ليكون موضوع صورتها، "إذ تتجلّى فيه آثار الحرب السلبية على الثقافة والعلم".
وفي حين إعتمدت سيبيل على ذاكرة عائلتها في تكوين نظرتها إلى الحرب، سلك سامي أوشان نهجاً آخر. فهو الفرنسي من أصول جزائرية ومغربية، لم يرث "تراث" الحرب من أحد، بل بحث فيها من خلال الكتب والأفلام الوثائقية، بالإضافة إلى ما إكتسبه من دراسته للتاريخ في "الجامعة اليسوعية"، ومن تجربته كأستاذ في مدرسة الغراند ليسيه (الواقعة في ما كان يُعرف ببيروت الشرقية). وفي صورة سامي، يظهر عدد من طلابه، بالإضافة إلى طلاب آخرين من مدرسة ليسيه عبد القادر (الواقعة في بيروت الغربية سابقاً)، موظفاً موقعي المدرستين، ليظهر الإنقسام الطائفي الذي كان موجوداً خلال الحرب. ويشرح: "تختزل الصورة المراحل الثلاثة للحرب، في الخلف هناك الأشخاص الذين أعمتهم الحرب، ثمّ الأشخاص الذين منعهم صنّاع الحرب من الكلام، أما الفتاة التي في المقدّمة، فهي تمثّل جيل اليوم الذي لحقت به تبعات الحرب، فقرّر أن يتكلّم، بل أن يصرخ".
تختلف صور تمارا سعادة، وهي طالبة إعلام في "الأميركية"، عن صور المعرض الأخرى، فهي ببساطة تظهر إمرأة تتشمّس في أحد منتجعات بيروت. فازت هذه الصورة بجائزة خاصة تحت عنوان "عواقب الحرب على المدينة". وتفسّر تمارا خيارها بالقول "لقد تعمّدت أن أستعرض صورة لا تتعلّق مباشرةً بأحداث الحرب، فأنا لم أعش في فترة الحرب، بل شهدت على مرحلة ما بعدها، التي يحاول لبنان، خلالها، أن يعيد بناء نفسه عبر السياحة والحياة الليلية".
علاقة الجيل الراهن بالحرب
لا يخفى على أحد حقيقة أن الشباب اللبناني جاهل، جزئياً أو كلياً، بوقائع الحرب الأهلية التي شكّلت نقطة أساسية من تاريخ وطنه، وذلك نتيجة تكتّم الأجيال السابقة والمدراس عنها. تقرّ كل من تمارا وسيبيل بعدم إلمامهما بتاريخ الحرب، فتقول سيبيل "لديّ صورة ضبابية عمّا حصل، فلعائلتي تجارب سيئة معها، لذا من النادر أن يتحدّث عنها أحد". وتضيف تمارا "ليست لديّ المعرفة الكافية للحديث عن الحرب، وكلّ ما أعرفه عنها هو شذرات جمعتها من الأحاديث الدائرة في محيطي، وبعض المعلومات التي تزودت بها من الإنترنت".
يستخدم سامي موقعه كأستاذ مدرسي من أجل توعية الطلاب على مخاطر الحرب، وتعريفهم على تاريخها. وإنطلاقاً من أهمية الحوار، تقدّم سامي بمشروع إلى المدرسة التي يعمل فيها "يقوم على تشجيع التلامذة على البحث في تاريخ الحرب الأهلية، من خلال إجراء حلقات نقاش وتبادل التجارب حولها"،. وقد وافقت المدرسة على هذا المشروع، وهو يسعى اليوم إلى التعاون مع أساتذة من مدارس أخرى لتوسيع هذا المشروع. وفي هذا الإطار، يشير سامي إلى صعوبة هذا العمل وحساسيته، فـ"عليّ أن أنتبه جيداً لما أنقله إلى الطلاب لكي لا أقول أي شيء مسيئ بحقهم أو مستفز لهم". ويضيف: "أنا في موقف حرج، خصوصاً أنني لست لبنانياً، وأتحدّث عن الحرب من خارجها. وأنا لست في صدد التنظير على أحد أو تقديم الدروس والمواعظ".
الدور
يوافق المصورون الثلاثة على أن جيل اليوم هو ضحية ما إقترفه أسلافهم، لكنهم يعتبرون في الوقت عينه أن هذا الجيل يحمل جزءاً من مسؤولية تخليص لبنان من مخلّفات الحرب. وفي هذا الإطار، يعتبر سامي أن "الجيل الراهن يشارك في الحرب من خلال سكوته عنها"، وترى سيبيل أنه "ينبغي على الشباب إتخاذ دور فعال في معالجة عواقب الحرب عوضاً عن الدور السلبي الراهن وغير المعني بالواقع السياسي". أما تمارا فتؤمن بأنه "من مهمتنا أن نعلِّم جيلنا عدم إقتراف الأخطاء نفسها، لكنه أمر صعب نظراً لعدم إمتلاكنا المعرفة اللازمة حول ماضينا".