بطرس حرب: النظام السوري وميشال عون اجتمعا على ضرب اتفاق اللبنانيين
لجنة مصغرة من النواب عرفت بـ"لجنة العتالة" (أي التي ستقول بالعمل الشاق)، وقعت عليها أعباء صوغ ما يُتفق عليه في "مؤتمر الطائف"، الذي استضافته السعودية في أكتوبر (تشرين الأول) 1989 لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان التي اندلعت عام 1975. من أبرز أعضاء هذه اللجنة كان النائب بطرس حرب. حرب المعروف بسعة علمه وخبرته في مجال القانون الدستوري، لم تقتصر مهمته على هذا الجانب فقط. شارك في الاتصالات والاجتماعات التي سبقت وواكبت وأعقبت الاتفاق على ما سمي رسمياً "وثيقة الوفاق الوطني". منذ سنوات يطالب الرأي العام اللبناني وسياسيون كثر، بالإفراج عن المحاضر السرية لجلسات "الطائف" في كل مرة يجبه لبنان أزمة سياسية أو دستورية، لعلهم يجدون في تلك المحاضر تفاسير ومخارج من انسدادات دستورية وسياسية بدأت منذ اليوم الأول لتطبيق "اتفاق الطائف" الذي هو النص السياسي للدستور اللبناني الحالي. وحتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، بطرس حرب هو المحضر الناطق. سيشرح لنا الخلفيات السياسية لبعض بنود ذلك الاتفاق والقنوات الخلفية والخارجية التي ساعدت في إقراره. ومن يتحمل برأيه ضرب الطائف أحياناً في نصوصه، وغالباً في روحه التي سعت إلى وفاق بدا مستحيلاً بين اللبنانيين.
بداية سألنا بطرس حرب "في الأيام الأخيرة من مؤتمر الطائف اتصلت شخصياً بالبطريرك الماروني آنذاك نصر الله صفير، لأخذ موافقته على الصيغة الشبه نهائية بخاصة في ما سمي شق الإصلاحات فكان رده أنا أدعم ما تتفقون عليه أنتم كنواب مسيحيين، هل صحيح أن شق الإصلاحات الدستورية لم يحصل عليه أي تعديل وبقي كما وصلتكم المسودة الأولى لورقة الطائف أم استطعتم إجراء تعديلات عليها"؟
"يهمني أن أؤكد أننا رفضنا وبصورة عفوية وتلقائية أن يؤتى إلينا بنص على أساس أنه جاهز وعلينا الموافقة عليه. كان قرارنا، وقمنا بجهد خاص في هذا الاتجاه، أن هذه المسودة ليست إلا "ورقة عمل" ونحن سنعمل عليها. وبالفعل أدخلنا تعديلات كثيرة وكبيرة على الصيغة التي كانت مطروحة، لا سيما في شق الصلاحيات وتوزيعها. لذلك ما قيل آنذاك وروَّج له بخاصة (العماد) ميشال عون وجماعته، إننا "بصمنا على الاتفاق"، هذا كلام كاذب وغير صحيح. الحقيقة أننا بدأنا العمل على ورقة أو مسودة موجودة، وهذه الورقة قررنا مناقشتها من ألفها إلى يائها. وهذا الموقف كان السائد بين كل النواب الموجودين على اختلاف طوائفهم ومواقفهم السياسية. وطبعاً الرئيس حسين الحسيني (رئيس مجلس النواب) كان في هذا الاتجاه. ولقد تبين لنا صعوبة أن يدلي 62 نائباً بآرائهم في اجتماعات مفتوحة، فجاءت فكرة تشكيل لجنة تمثل كل النواب الموجودين والقوى السياسية، سميت "لجنة العتالة" (أي العمل المرهق) ضمت نحو 16 نائباً ترأسها الرئيس الحسيني، وأعضاء هذه اللجنة بحثوا وبلوروا وصاغوا المناقشات التفصيلية والجدية للاتفاق".
وعود عون في الليل يمحوها الصباح
يقال إن العماد عون وافق على ما اتفقتم عليه في نهاية المؤتمر وإن السيد داني شمعون القريب وقتها من العماد عون، اتصل بزميلكم النائب بيار دكاش وأبلغه موافقة عون وقال "امشوا بالاتفاق". ولكن تبين لاحقاً العكس. كيف تفسر هذا التناقض في مواقف عون. يوماً إشارات إيجابية ويوماً آخر إشارات رافضة؟
برأي حرب "أسلوب عون في التعاطي مع الأمور كان مرتبطاً بهدف واحد هو أن يصبح رئيساً للجمهورية. هو مع أي اتفاق ولو كان شيطانياً إذا كانت النتيجة وصوله إلى قصر الرئاسة. بينما نحن كان هدفنا وقف الدمار والدعوة إلى ترك السلاح والجلوس إلى الطاولة والمناقشة في تطبيق ما نتفق عليه، لعودة البلد إلى المسار الديمقراطي. العماد عون كان إلى جانبه داني شمعون وجبران تويني ومجموعة جمعتنا معهم توجهات مشتركة. كنا على تواصل دائم. شخصياً لم اتصل بتاتاً بعون انطلاقاً من مبدأ أنه لا يحق له أن يتدخل أو يملي عليّ قراراتي. كنت على تواصل مع شمعون ومع البطريرك صفير. كنا على تواصل مع القوى السياسية في لبنان، وجورج سعادة (رئيس حزب الكتائب) أخذ على عاتقه التواصل مع الدكتور سمير جعجع والعماد عون، وكان يضعهما في أجواء آخر الاتصالات وما يُتفق عليه. المؤسف أن عون كان يوافق على أمر ثم يفاجئك برفضه. وأذكر بعد انتهاء المؤتمر وكنا في باريس بحثنا إمكان الاجتماع به لنشرح له ما توصلنا إليه، على رغم ما أنزله فينا من تخوين وشيطنة للاتفاق إلى حد المطالبة بمحاكمتنا. في بهو الفندق في باريس، وفي إحدى الليالي أصادف النائب ميشال ساسين ضمن مجموعة من الزملاء، ويقول لي إن داني شمعون يريد أن يكلمني، وشخصياً تربطني صداقة متينة بداني. سألني داني على الهاتف: هل صحيح ستنتخبون رئيساً في السفارة اللبنانية في باريس؟ أجبته بالنفي. وقلت قرارنا الانتخاب في لبنان، وإذا أقفل عون علينا الطريق إلى البرلمان، سنبحث عن مكان لعقد جلسة الانتخاب. وهذا أمر مؤسف أن نصل إلى هذه المرحلة بسبب تعنته ورفضه سبل الحوار والكلام. عندها قال لي داني: الجنرال إلى جانبي وهو يسمعني أتكلم معك، هكذا قال بالحرف، وهو (عون) مستعد أن يرسل إليكم مروحية تنقلكم من قبرص إلى لبنان فتجتمعون به للمناقشة. ومبدئياً الجنرال موافق على الصيغة العامة للاتفاق، مع "EPSILON" (أي هناك فاصلة يريد إضافتها)، التي لم نعرف حتى اليوم ما هي هذه "الفاصلة". قلت له لا مانع عندي، ونحن قررنا أن نسافر غداً إلى لبنان لننتخب الرئيس، ولكن إذا كان هذا التوجه صحيحاً، ولو الساعة الآن تجاوزت منتصف الليل، أنا مستعد غداً صباحاً أن أطلب تأجيل السفر، وأن نؤلف وفداً من ثلاثة أو أربعة نواب بينهم مثلاً كاظم الخليل وجورج سعادة وبيار دكاش وأنا، ونأتي للتفاهم مع عون. وشددت على هذا السؤال: هل الجنرال موافق على هذا الأمر؟ قال شمعون "الجنرال يسمعني وهو موافق". وبعد أن صعدت إلى غرفتي وعند الرابعة فجراً، يرن الهاتف. وعندما يرن الهاتف في توقيت كهذا، تشعر بأن حدثاً جللاً حصل. كان على الخط سفيرنا في باريس فؤاد الترك، وهو كان على اطلاع على سير الأمور، وقال "أردت الاتصال الآن لأبلغك بأن الجنرال عون أصدر مرسوماً بحل المجلس النيابي". وبحسب دستور ما قبل "الطائف" كان يمكن لرئيس الجمهورية أن يحل المجلس النيابي. قلت له: غريب قبل قليل كان الجو مختلفاً. بعد ذلك توجهنا إلى مطار القليعات في شمال لبنان، وانتخبنا رينيه معوض رئيساً".
تهويل عون على النواب
عدنا مع بطرس حرب قليلاً بالزمن عندما اجتمع عدد من النواب بميشال عون قبل الذهاب إلى السعودية، وسألناه عن مجريات ذلك الاجتماع.
"كان صاخباً. سبق هذا الاجتماع لقاء بينه وبين موفد الجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي، ووافق على النقاط السبع التي تضمنت وقف القتال، ودعوة النواب للاجتماع خارج لبنان، لم تُحدد الدولة، ولكن كان واضحاً أن السعودية هي المقصودة. وهدف من هذه النقاط، التباحث والتفاهم على صيغة حل شامل سياسي وعسكري بعد كل ما حصل. وافق عون على هذا المسار، وطلب الاجتماع معنا قبل السفر. سبق ذلك اجتماع، ما عرف وقتها بـ"لجنة بكركي" المؤلفة من نواب مسيحيين، وكنا نناقش ورقة قدمها للبطريرك صفير رئيس المجلس النيابي آنذاك حسين الحسيني. ودعونا ممثلين عن عون للحضور والتباحث، فأرسل مدير المخابرات العقيد عامر شهاب. بدا واضحاً أن غاية عون عرقلة أي اتفاق وليس الوصول إلى حلول. وفي آخر اجتماع هددنا العقيد شهاب وقال: إذا ذهبتم إلى الطائف فالمعركة معكم مفتوحة ولن نرحم أحداً، وأنتم لا يمكنكم إلزامنا بشيء. طبعاً لم نتوقف عند هذا التهديد، وقلنا كلٌ يتحمل مسؤولية قراراته، ولا أحد يملي علينا مواقفه. الجنرال عون موظف في الدولة اللبنانية ونحن منتخبون من الشعب ونقرر ما نريد ولا يستطيع أن يملي علينا قراراته.
بعد هذا الموقف التصعيدي، أبلغْنا البطريرك قرارنا بالذهاب إلى السعودية. عندها طلب ميشال عون أن يجتمع معنا. لم تكن رغبتي المشاركة، ولكن بما أن "تجمع النواب الموارنة" وأنا عضو فيه، قرر المشاركة، فقررت الحضور. في بعبدا استقبلنا عون في الملجأ، الذي حوله مكاناً للعمل وللنوم. القصر كان شبه مهدم جراء المعارك والقصف. في الاجتماع قال بما معناه أنا اضطررت إلى الموافقة على النقاط السبع، وأريد منكم أن ترفضوها. كان وقع المفاجأة علينا كبيراً. وقلنا له "أنت تفتح حرباً من دون أخذ رأي أحد وتدمر البلد فيدفع اللبنانيون أثماناً باهظة في كل المجالات بشرياً ومادياً ونفسياً. وبعدما فشلت في تحقيق أي هدف، وبعدما وافقت على وقف إطلاق النار والحوار، تطلب منا نحن النواب، الذين لم يكن لنا كلمة في المسألة والذين نعارض ما قمت به، أن نرفض النقاط السبع. كأننا نحن المعرقلون والمتطرفون وأنت المعتدل. نحن سنذهب ونعمل بوحي من ضميرنا". قال: هناك ستخضعون للضغوط، ومن دون أن يقول ذلك، قصد أننا سنقبض أموالاً. وأنا أذكر تماماً، وهذا الكلام سجلته لمذكراتي، قلت له "جنرال أنت حربك دمرت لبنان، حربك هجرت المسيحيين، وأحد النواب القريبين من "حزب الله" قال لي، "حزب الله" يقول لم نعد بحاجة إلى معركة لنأخذ السلطة، ميشال عون أرسله الله إلينا ليُهجِّر المسيحيين ونستلم السلطة حكماً. وأنا شخصياً لا أستطيع أن أقبل أن يموت المسيحيون على الطرقات، أو يغرقوا كما حصل مع طفلتين من عائلة عازار في مرفأ جونية. كل ذلك لأنك مصر على الاستمرار بحربك من دون أن نفهم لماذا. نحن سنذهب. أقبلت أم رفضت نحن سنذهب". في النهاية قال اذهبوا على مسؤوليتكم، ولكن ستتعرضون لضغوط، ويهمني ألا تفرطوا بسيادة لبنان، وأن تتمسكوا بوضع جدول زمني لخروج الجيش السوري من لبنان قبل الموافقة على القضايا الإصلاحية. في هذا المناخ المتوتر ذهبنا إلى الطائف. طبعاً لم أكن النائب الوحيد الذي واجهه، أذكر مواقف شديدة اللهجة للنواب منهم طارق حبشي والياس الهراوي وألبير منصور".
هل تعنت الجنرال عون أضعف موقفكم التفاوضي في الطائف؟
"الحرب بمجمل نتائجها أضعفت موقفنا، لو لم تقع تلك الحرب لكنا طبعاً في موقع تفاوضي أفضل. لبنان كان يُدمر وهناك احتمالات لاجتياح المناطق المسيحية، وتهجير جديد سيلحق بهم بسبب الموت والدمار".
كذبة لجوء عون إلى السفارة الفرنسية
كيف يفسر بطرس حرب الموقف الفرنسي الذي كان بعكس المواقف العربية والدولية آنذاك؟
"أولاً كان هناك دبلوماسيان اثنان أسهما في دفع عون وتشجيعه على تلك المغامرة. السفير الفرنسي رينيه ألا، والسفير البابوي لوسيانو أنجلوني. وأذكر في خضم الأزمة المستفحلة صدر تصريح فرنسي أن باريس سترسل إلى الشاطئ اللبناني قطعاً بحرية من دون ذكر الأسباب، ما ولّد غضباً بين المسلمين في لبنان، واتهموا فرنسا بأنها ستأتي لمناصرة المسيحيين ضد المسلمين. ما اضطر الحكومة الفرنسية إلى إصدار بيان ثان مفاده أن مهمة هذه القطع البحرية إنسانية بحت. الالتباس في الموقف الفرنسي ربما كان نابعاً من خلفية الرئيس فرانسوا ميتران، الذي استرجع ذكرياته ونضاله أيام المقاومة الفرنسية ضد هتلر، فعادت إليه نوستالجيا تلك الأيام، واعتبر أن عون يقدم نفسه كنموذج مماثل. إضافة طبعاً إلى دور السفير رينيه ألا المشجع لعون في حربه. وللتاريخ وبعد أن انتهت مهمته في لبنان، التقيت في باريس بالسفير ألا، الذي أيضاً ربطتني به علاقة جيدة. في ذلك اللقاء سألته عن ملابسات خروج عون من القصر الجمهوري مع بداية الهجوم العسكري السوري. أخبرني بحقيقة الأمر، وأعتقد من حق الناس أن تعرف حقيقة ما حصل في ذلك اليوم. الحقيقة التي يُنكرها عون، والتي عاد وغيّرها السفير ألا بعدما بلغ من العمر عتياً.
قال لي السفير رينيه ألا "ما إن حلقت الطائرة الحربية السورية فوق القصر، اتصل بي ميشال عون وقال أنا أطلب منك اللجوء السياسي وأريد أن أنتقل الآن إلى السفارة". فأجبته "قبل أن أجيبك يجب أن آخذ موافقة حكومتي". ويتابع السفير قائلاً "اتصلت بالرئيس ميتران الذي أيقظه مساعدوه لأنه كان نائماً، فوافق على لجوء عون، مشترطاً أيضاً موافقة رئيس الجمهورية الياس الهراوي. عندها اتصلت بالهراوي، يتابع السفير ألا، الذي وافق أيضاً. وطلب من وزير الدفاع ألبير منصور أن ينسق معي. اتصل الوزير منصور وأبلغني الموافقة بشرط أن يصدر بيان عن عون يعلن فيه وقف القتال، ويطلب من كل العسكريين الذين بإمرته الالتحاق بقائد الجيش آنذاك إميل لحود". وهذا ما حصل فعلاً. وبسبب تعذر الاتصالات نتيجة الموقف العسكري، صدر بيان عون عبر أثير إذاعة تابعة له. ثم توجه إلى السفارة الفرنسية بصفة لاجئ سياسي، وأعلنت باريس أنه أصبح تحت حماية الدولة الفرنسية. هذا ما حصل فعلاً خلافاً لما يدعيه عون بأن السفير استدعاه إلى السفارة ولاحقاً منعه من العودة إلى القصر الجمهوري. كل ما يقيل غير ذلك كذب بكذب".
دور الوزير سعود الفيصل
ماذا يقول حرب عن وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل الذي قام بجهد كبير مع السوريين ليوافقوا على الاتفاق، ولماذا أخلَّ الرئيس حافظ الأسد بما التزمه مع الفيصل؟
"الأسد لم يلتزم أبداً. دعني أشرح تفصيلاً ما حدث. في بداية اجتماعات "مؤتمر الطائف" وضعنا المعادلة الآتية: يجب بحث موضوع العلاقة مع سوريا وانسحاب الجيش السوري، قبل أي بحث في الإصلاحات الدستورية. ولكن وُجد رأي آخر، خصوصاً عند السعودية، يقول لنبدأ بالإصلاحات حتى نقدم صورة للعالم بأنكم كلبنانيين مسيحيين ومسلمين يمكنكم التفاهم، ما يُسهل بحث موضوع انسحاب الجيش السوري. ذهبنا في هذا الاتجاه. إلا أننا اشترطنا تعليق ما نتفق عليه في شق الإصلاحات، بانتظار حسم مسألة السيادة وانسحاب الجيش السوري. وعندما تحسم مسألة الجيش السوري، نعود ونُقر ما اتفقنا عليه في ما يعود إلى المواد الإصلاحية الدستورية. عندما وصلنا إلى مرحلة البحث بالعلاقات اللبنانية - السورية وبسط سيادة الدولة، تبين وجود رفض سوري كبير. عندها حصل اجتماع مع الوزير سعود الفيصل في جناحه، وكنا مجموعة من النواب المسيحيين بينهم جورج سعادة ورينيه معوض وجوزيف سكاف وميشال ساسين وخاتشيك بابكيان. قال الفيصل إن السوريين غير وارد أن يوافقوا مثلاً على عبارة "في إطار سيادة واستقلال كل من البلدين". هذه ممنوعة. وممنوع ورود ما يعني جدولاً وسقفاً زمنياً لانسحاب الجيش السوري. السوريون متمسكون بعدم تعديل أي كلمة في الورقة التي أرسلوها سابقاً. لقد وصلنا إلى وضع أو نمشي بالصيغة السورية أو سيفرط كل شيء. يعني بالإنجليزية take it or break it. لم أنتظر رد زملائي وأجبت فوراً break it. وهكذا أيضاً جاء جواب زملائي النواب. عندها قال الفيصل أمهلوني قليلاً. خرج من الغرفة للاتصال بالمسؤولين السوريين، ثم عاد وقال: اتفقت معهم على زيارة جديدة وأعود إليكم بعد 24 ساعة. مهلة 24 ساعة طالت يومين ونصف. بعد عودته قال وافقوا أن يصبح عدد النواب في البرلمان 108، بعدما رموا بأرقام عالية ساعة 134 وساعة 198. ووافقوا على عبارة "في إطار سيادة واستقلال كل من البلدين". وفي مسألة مهلة انسحاب الجيش السوري خلال سنتين وباتجاه المديرج وضهر البيدر في مرحلة أولى، وافقوا على صيغة تشبه الصيغة المتفق عليها، ولكن غير كاملة. وختم هذا ما توصلت إليه. قمنا بعملية تقويم للوضع وجدنا أننا فعلاً حصلنا على الانسحاب التدريجي، وعلى مسألة حفظ السيادة والاستقلال، وتثبيت عدد النواب عند رقم 108، بما يضمن بقاء المساواة بين المسيحيين والمسلمين. لقد لعب الوزير الفيصل دوراً كبيراً ومضنياً للحقيقة، وكلفه ذلك تعباً وسهراً لأيام. لولاه لما وصل الاتفاق إلى خاتمة مرضية. للأسف الرئيس حافظ الأسد عاد ونقض بنوداً كثيرة. وشاء القدر أن غزو صدام حسين للكويت أسهم في خراب الاتفاق. فالولايات المتحدة احتاجت إلى غطاء عربي إسلامي لبدء معركة تحرير الكويت، وعرضوا على السوريين المشاركة الرمزية بقوة عسكرية صغيرة، فوافقوا وكانت المعادلة الجهنمية: شاركوا ونعطيكم ورقة لبنان. فطار "اتفاق الطائف".