الاستقرار اللبناني:اتفاقية الطائف والمقاومة (2/2)

النوع: 

 

القول أن لبنان ينعم بالاستقرار في محيط إقليمي مضطرب ليس وصفاً للواقع السياسي في حالة سكونيّة راهنة، قد تكون مرحلة عابرة، استقرت فيها الموازين على حالها ولا تلبث أن تنقلب إلى حالة مغايرة، في المستقبل القريب أو البعيد، وعليه يكون الاستقرار هشاً، لا يرتكز في مقوماته إلى عناصر قوة تمكن الاستقرار، وإلى قاعدة وطنية صلبة تجعله قادراً على الثبات ومواجهة الأخطار المحدقة به، والعاملة على زعزعة هذا الاستقرار، وفي هذه الحال، يبقى القلق على المستقبل قائماً، وتكون البلاد عرضة لعواصف الرياح العاتية، سواء هبت من جرّاء اختلال التوازنات الداخلية، أو عصفت من لدن الجهات الخارجية. وتكون التسويات التي أحدثت استقرار الواقع تسويات مؤقتة، تحمل في قلبها قوى انهيارها. وقد شهد لبنان نماذج عديدة لهذه التسويات، لم تلبث أن تهاوت في صراعات دورية صنعت موازين جديدة، وانقلبت على غير جهة لتستقر مرة أخرى على تسويات لاحقة متفقة مع موازينها هذه الحال تقوم على معادلة الصراع والتسوية، وتبادل الأدوار بينهما، يؤدي الصراع إلى تسوية وتنشأ عن التسوية صراعات جديدة.

هل اتفاقية الطائف تسوية من هذا النوع، وعليه يلزم الإقامة على قلق رياح المتغيرات العاصفة أو أنها تصلح للتكيف مع التعايش الوطني، وتصنع مواطنيّة حقيقية قادرة على إنتاج آلية متطورة تصنع الحلول الناجعة للمشكلات على قدر حيوتها في الحفاظ على البنية الوطنية واستقرارها.

لعلّ اتفاقية الطائف من أكثر التسويات السياسية قدرة على صناعة الحلول، لمشكلات الحاضر ومتغيراتها الطبيعية في المستقبل لكنها تحتاج لامتلاك هذه الدينامية الوطنية إلى فعل المقاومة، لضمان فعالية عناصر قوة الاستقرار اللبناني وفعالية وفاقه الوطني.

كيف ذلك؟

اتفاقية الطائف تملك فعالية التسوية السياسية الداخلية، لأنها تحققت لبناء توازن وطني، يسمح بإدارة الأزمات الداخلية التي تواجه لبنان على المستوى السياسي، في بناء الدولة وتداول السلطات وكذلك استمرار فعالية النظم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وتطورها وفق مسارها الطبيعي وتكون قادرة كذلك على إقامة التسوية للمشكلات ذات المنشأ اللبناني الداخلي، والذي تنظمه عادة المواثيق والدساتير والأعراف وتقاليد الحكم في الأوطان المستقلة والدول المعتبرة، ولبنان في نظرنا، يدخل في دائرة هذه الدول، الكيان والدولة ووحدة الشعب والأرض فيه، غير قابلة للإلغاء، ولا الفوضى، ولا الفشل والذوبان، وهي جديرة بالحياة.

القلق على الاستقرار اللبناني يستمر قائماً من التحديات الخارجية وفي مقدمتها تحديان معاصران:

-العدوانية الصهيونيّة في "دولة إسرائيل" المغتصبة لفلسطين والقدس، وذات الأطماع في لبنان، والتي لا تريد له أن ينعم بالقوة والمناعة والاستقرار.

 تحدي غزوات الإرهاب التكفيري والذي يضع لبنان في دائرة مشروعه الإرهابي في المشرق العربي وخاصة بلاد الشام.

في مواجهة تحديات عدوان الصهاينة، وإرهاب التكفيريين يحتاج لبنان إلى فعل المقاومة. ليس من الناحية العسكرية المحضة وحسب، ولكن من ناحية مدلولات هذا الفعل في بناء المناعة الوطنية، وبناء سدّ لصدّ الرياح الخطرة العاصفة من جهات الأرض حولنا، والدليل على ما نقول في نظر الفلسفة السياسية يقوم على ما يلي:

1 إن الاستراتيجيات الدفاعية في أبعادها المختلفة، تقوم ليس على صدّ أهواء الداخل بل على صدّ رياح الخارج وردّ هجماته الطامعة إلى تخريب عناصر الاستقرار الداخلي إن هذه الحقيقة الواقعية، تقوم بدور المقدّمة للوصول إلى المحصلة المنطقية التالية.

2) إن فقدان فعل المقاومة، كعنصر طبيعي لدفاع الكيان الإنساني الاجتماعي، أو الطبيعي عن نفسه، يحصل من الكيان الإنساني والاجتماعي والطبيعي الفاقد لقدرة المقاومة بناء في مواجهة تحديات الحياة وغزوات الخراب ناقلة الموت والفساد هشاً في مواجهة غزوات الخراب.

إن منزلاً بلا سقف ولا جدران جميل الأثاث، متوازن حركة الأبعاد، لا يأمن أن تذهب الريح العاصفة بكل محتوياته وتخرب نظامها. وكلما كانت الدفاعات متينة والعمارة صلبة البنيان، استقر داخلها على سلامة الحال.

وعليه، فإن ثبات التسويات السياسية الداخلية، وهي وظيفة الطائف على ما ذكرنا، تحتاج بلا شك إلى ضامن لها، وهذا الضامن الحافظ، المحيط بحماية البناء، هو اللاعب القوي في ثبات الاستقرار السياسي، واستمراريته، وهو نازع الشعور بالخوف والقلق من أحداث المستقبل.

إن أهم دليل على هذا الدور في الدفاع الاستراتيجي كعامل قوة، رادع حافظ محيط، ثابت البنيان، مستفاد من الأحداث التاريخية نفسها وما الذي تحتاجه حين تعصف رياح الأطماع والأهواء في محيط البلدان والدول وتعمل على خرابها.

الاستقرار اللبناني ثابت وقوي ومنيع، وفعل المقاومة قادر على حفظه وصونه والدفاع عنه، وردع العدوان عليه. وهذه القوة لا تأتي من الخارج، لأن الخارج ينقل إليها ما يؤمن مصالحه. لا تأتي القوة من خارج الذات بل من داخلها، ولا تتكسب القوة بالضعف والوهن، وطلب العون عند الحاجة من الأصدقاء والحلفاء أو النأي بالنفس عن مواجهة حقائق المشكلات كما شاعت أفكار سابقة متهافتة، دفع لبنان من جرائها، أكلافاً قاسية ربما كانت على الدوام وراء زعزعة استقراره وفرض تسويات لا يستقر عليها حاله ولا يهنأ فيه المعاش.

إن الاستقرار الذي نتحدث عنه قوي، متين الجذور، مستمد من قوّة عناصر قيامه، الوفاق الوطني وقدرته على مقاومة أطماع الأعداء وغزوات الإرهاب من الحرابة الفاسدين في الأرض.

طالما لفتني في اللغة هذا الجزر المشترك بين التسوية والسويّ، والدلالة فيهما على العدل والاستقامة، وبين المقاومة والقيام والدلالة فيهما على الحضور، والثبات والتمكن في المكان وفيه كل إشارة الجدارة بالحياة...

التاريخ: 
الخميس, أبريل 23, 2015
ملخص: 
ثبات التسويات السياسية الداخلية، وهي وظيفة الطائف على ما ذكرنا، تحتاج بلا شك إلى ضامن لها، وهذا الضامن الحافظ، المحيط بحماية البناء، هو اللاعب القوي في ثبات الاستقرار السياسي، واستمراريته، وهو نازع الشعور بالخوف والقلق من أحداث المستقبل.