هذه الأصول الدستورية لآلية تشكيل الحكومة.. وخرقها!
في ظل العوائق التي تعرقل حتى الآن تشكيل الحكومة اللبنانية للعهد الجديد، أمام كثرة التأويلات والتحليلات للنص الدستوري من حيث المضمون أو الأهداف العامة، مما أتاح الفرصة لرئيس مجلس النواب نبيه بري، بالعودة الى الأعراف التي كانت متداولة أثناء المداولات التي جرت عام ٨٩ في مدينة الطائف، ومن ضمنها تكريس المناصب الطائفية للرئاسات الثلاث دون النص عليها في الدستور اللبناني الجديد.
كما أشار الرئيس بري الى ان محاضر تلك المداولات، قد ورد خلالها منح وزارة المالية للطائفة الشيعية، وقد اعترض على ذلك النائب السابق بطرس حرب، وربما آخرون ممن واكبوا مسيرة ولادة الدستور الجديد، ولم يأكدوا على ذلك، سيما وأن وزارة المال بعد الطائف لم تمنح لهذه الطائفة بصورة مباشرة، وقد توالى عليها وزراء من طوائف متعددة. وكل ذلك يدخل في نطاق المرتكزات الدستورية والقانونية وايضاً ما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني التي لم تعط قوة النص الدستوري الملزمة، بل شكلت قاعدة للتوافق الوطني العام، أمام كل استحقاق دستوري أو قانوني على مستوى الوطن، الى أن يعاد النظر بالدستور اللبناني بعد تطبيق نص (المادة ٩٥) من الدستور، وتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، من خلال إقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي وإعادة النظر بطبيعة النظام السياسي للبلاد، بحيث يتجه لبنان بعد ذلك الى تأسيس نظام سياسي وطني وديمقراطي وعلماني، في ظل النظام البرلماني للجمهورية اللبنانية… والى ذلك الحين لا بد من الالتزام بروحية ومضمون نصوص الدستور الحالي، كي لا ندخل في متاهة التفسيرات المغلوطة للنص الدستوري..
وبالتالي تأخير استحقاقات تشكيل الحكومة الجديدة الى عدة اشهر، في الوقت الذي يحتاج فيه الوطن إلى المسارعة في مسيرة الإصلاح والإنقاذ، تفادياً لتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ودرءاً لمخاطر الاحتلال الاسرائيلي، لأجزاء من ارض الوطن والدفاع عنه بكافة الطرق المشروعة.
حول مفهوم الميثاقية التوافقية
وفي الحقيقة، فإن ما سمي بالميثاقية التوافقية في لبنان، وبعد المداولات الحثيثة والمطولة في مدينة الطائف، فلقد كرست هذه العملية في الفقرة الأخيرة من مقدمة الدستور (الفقرة ي)، والتي حددت من خلالها ان “لا شرعية لأية سلطة تتناقض وصيغة العيش المشترك” وبالتالي فهي تختصر بهذا النص اليتيم كل الهواجس والتوجهات التوافقية، التي أرادها آنذاك زعماء الطوائف من أجل حفاظهم على مواقعهم في السلطة، تحت شعار حماية حقوق طوائفهم من خلال الإمساك بالسلطة، مما كرس مفهوم المحاصصة بين الطوائف في ممارسة هذا النظام.
أما لجهة آلية التشكيل والأسس الدستورية الناظمة لها، فلقد نصت (الفقرة ه) من مقدمة الدستور، على أن النظام السياسي في لبنان قائم على “مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها” حيث يتبين من مضمون هذا النص الدستوري، التأكيد على ضرورة الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية عند تشكيل الحكومات، لجهة عدم إفتئات أو إعتداء أي سلطة منهما على الأخرى في ممارسة الصلاحيات، لكن ضمن إطار من التعاون والتوازن والتنسيق فيما بينهما، لا سيما على صعيد ما يسمى بالأعمال الحكومية أو أعمال السيادة.
ويعتقد بعض المحللين السياسيين ان هذا الفصل بين السلطات الآنف الذكر، يقضي بعدم تعيين أي نائب منتخب في أي وزارة ينبغي تشكيلها، وهذا من الأخطاء الشائعة، لأن المقصود هو عدم الإخلال بالتوازن بين السلطتين( التشريعية والتنفيذية ) مما يستوجب عدم طغيان الطابع البرلماني عند تشكيل الحكومة، لكن لا شيء يمنع من اختيار بعض النواب، لا سيما الذين يتمتعون بالخبرات والكفاءات المطلوبة لتطعيم الحكومات بها، ولأهداف عملية وتقنية.. وليس بالضرورة لأية أهداف سياسية، وبما يضمن عدم الإخلال بالنصاب من خلال تلك المشاركة. وتأكيداً على ذلك، فلقد نصت (المادة ٢٨) من الدستور اللبناني على أنه “يجوز الجمع بين النيابة ووظيفة الوزارة، اما الوزراء فيجوز انتقاؤهم من أعضاء المجلس النيابي، أو من أشخاص خارجين عنه، أو من كليهما”.
إن الضمانة الحقيقية في حسن إختيار الوزراء عند تشكيل الحكومة، هي في اختيار الكفاءات العلمية والإدارية والقانونية من كل طائفة، وليس بالضرورة من بين رموز الأحزاب الطائفية، وحيث لا تخصيص لأية وزارة لأية طائفة بذاتها، مما يتناقض مع روح الدستور الذي يستوحي في غالبية نصوصه الحالية، ولوج الوطن والنظام السياسي نحو الحياة المدنية الأكثر إنفتاحاً بين مكونات المجتمع اللبناني، وبما يتجاوز المفاهيم الطائفية والمذهبية والمناطقية الحالية، والتي تسببت بالانهيار الكبير لهذا الوطن.