إتفاق الطائف والمقولات العشر

النوع: 

 

مقدمة عن الأوضاع المحيطة بلبنان:

-أوضاع مسكونة بالحروب والصراعات.

– دوّامة العنف في المنطقة وتطاحن المشاريع والرهانات.

– تمدّد الحرب السورية الى لبنان وتفاقم الأوضاع الأمنية فيه ونمو القلق العام.

– زعم تنظيم الدولة الإسلامية بأن العالم لا يتسع إلا لحضارة واحدة وهي حضارة الإسلام، وبأن الجهاد هو الحل لكل الأوضاع من حولنا.

في هذا السياق الأمني السياسي يأتي المؤتمر عن الطائف، فهل يمكن أن تهمل هذه الأوضاع؟

. الطائف والمقولات العشر

لن أعتمد مقاربة تقليديّة، ولن أدّعي التطرّق إلى كل الإتفاق، سألخّص موقف «القوات» منه بالمقولات العشر الآتية:

1. هل يجيب إتفاق الطائف على معضلات الوجود اللبناني:

كيف يمكن أن نعيش معًا مختلفين ومتساوين؟

كيف يمكن أن نعيش معًا في الإحترام والسلام مع التعدديّة المجتمعيّة القائمة في لبنان؟

كيف يمكن أن نحوّل هذه التعدديّة من ذريعة للتنافر والتناحر إلى دعوة إلى التواصل والإنفتاح والتكامل؟

كيف يمكن أن يعيش في لبنان مسلمون ومسيحيون في سلام وحرية وتوازن ومساواة وعلى درجة واحدة من التعادل الكياني؟

كيف يمكن أن نقدم نموذجًا للعيش معّا السويّ بين أهل الديانتين، وإقامة الدليل على إمكان ما يبدو أنه خارج عن دائرة الإمكان لكثير من الشعوب ودول العالم؟

2. الطائف وإصلاح النظام السياسي

جاء الطائف بعد خمس عشرة سنة من إندلاع الحرب في لبنان، بعدما طرح اللبنانيون، في خلال كل مراحل الحرب، أوراق عمل ومشاريع تسوية لمعالجة الإنقسام الداخلي الأعمق حول سلسلة من المسائل، وقد تمحورت المسألة الأبرز حيال ما سُمّي بإصلاح النظام السياسي، والذي شكّل إنقسامًا حادًا في المجتمع اللبناني. فهل نجح الطائف في هذا الأمر؟

3. الطائف والمسيحيون

شكّل إتفاق الطائف تسوية بين اللبنانين ومفاهيمهم، ومنها ما رافق نشوء الكيان والدولة: بنية النظام السياسي، الكيان، الهويّة، الوحدة، التعدديّة والمشاركة.

4. الطائف والعناوين الأربعة

شكّل الطائف مدخلاً ضروريًا لإنهاء الحرب المدمّرة في لبنان، ولتحقيق المصالحة اللبنانيّة الحقيقيّة، والتي لم تتم حتى اليوم. لقد حدد الطائف المبادئ الأساسيّة للنظام وأجرى تغييرًا في هيكليّة السلطة وتوزيعًا جديدًا لها لصالح المسلمين اللبنانيين. ووضع الأسس والمرتكزات لإعادة بناء الدولة اللبنانيّة وإعادة توحيد مؤسساتها الدستوريّة والإداريّة والماليّة والعسكريّة والأمنيّة. وطرح خطة تهدف إلى بسط سلطة الدولة اللبنانيّة على كامل أراضيها في إطار تثبيث السيادة اللبنانيّة من خلال حل الميليشيات اللبنانيّة وغير اللبنانيّة. كما دعا إلى الإنسحاب الإسرائيلي الفوري من الجنوب والبقاع الغربي تطبيقاً للقرار الدولي 425، وطالب بالعودة إلى إتفاقية الهدنة. كما وضع أسسًا لعلاقات لبنانية ـ سورية ندّية، نظريًا، في إطار سيادة واستقلال مبهمين في المنطلق والمرمى.

5. الطائف والعيش معًا

حسمت مقدمة الطائف الجدل حول طبيعة العقد الاجتماعي بين اللبنانيين، فاعتبرت أن العيش المشترك، المسيحي ـ الإسلامي، هو في أساس هذا العقد وأن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك. إن القيمة التي يمثلها العيش المشترك تتفوّق على كل القيم والمبادئ الأخرى التي تضمنها الطائف. أُريد للطائف أن يكون مدخلاً لطي صفحة الصراعات الماضية بين من كان يطالب، باسم العدالة، بتحسين شروط مشاركته في الدولة، وبين من كان يريد هذه المشاركة مع حماية الكيان اللبناني وتثبيت نهائيته.

6. الطائف وسوريا

تمكّنت سلطة الوصاية السورية من تحوير مضمون الطائف وتعطيله والإنقلاب عليه. وقد قام صراع بصورة مبكّرة بين اللجنة العربية الثلاثية وسوريا حول «موضوع السيادة اللبنانيّة وانسحاب الجيش السوري من لبنان»، مما حدا بالملك المغربي الحسن الثاني إلى «التهديد بإصدار بيان منفرد يندّد بالموقف السوري الذي يرفض الإعتراف بسيادة لبنان». وساعدت التطوّرات الدوليّة سوريا للحصول على ضوء أخضر غربي يغطّي احتلالها لبنان، فأقدمت على إحداث إنقلابات خطيرة داخل الحياة السياسية اللبنانيّة: إنقلاب على الحياة الدستورية باغتيال الرئيس رينيه معوض، وانقلاب على الحياة البرلمانية بانتخابات العام 1992، وانقلاب على الحياة السياسيّة بنفي العماد ميشال عون واعتقال الدكتور سمير جعجع لأسباب سياسيّة، وانقلاب على الحياة الديموغرافيّة بفرض مرسوم التجنيس، وانقلاب على الحياة العسكريّة من خلال إعادة بناء القوات المسلّحة اللبنانيّة والأجهزة الأمنيّة على أسس مانعة للحريّة والسيادة.

هكذا تحوّل الطائف من طائف عربيّ ودوليّ إلى طائف سوريّ، ومن وسيلة لتنظيم خروج الجيش السوري من لبنان إلى وسيلة لتشريع الإحتلال السوري في لبنان وتأبيده.

7. الطائف و»القوات اللبنانية»

إنتهت الحرب في لبنان بسقوط المناطق المسيحيّة في القبضة السوريّة بعد خمس عشرة سنة من المقاومة. لقد عزم الرئيس حافظ الأسد على إخضاع هذا «اللبنان الصغير» بالنسبة إلى سوريا الذي لا يُطاق والذي يجسّد بحريته وازدهاره، نقيضًا صارخًا لسوريا.

غير أن «القوات اللبنانية» رفضت أن تذعن للمشيئة السوريّة واستمرت في سياسة المواجهة، بعد سياسة المقاومة، على الرغم من الإنقلاب التام في موازين القوى الداخليّة والإقليميّة والدوليّة، وعلى الرغم من ضيق الخيارات أمام القادة اللبنانيين الإستقلاليين. من هنا اصطدمت سوريا بموقف القوات المعارض لسياستها وبدأ منذ خريف العام 1990 حتى شباط من العام 1994 مسار نزاعي إضافي بين سوريا و»القوات» وفق آلية واضحة: كلما اعترضت «القوات» أو احتجّت، بادرت سوريا إلى توجيه ضربة لها، وصولاً إلى افتعال متفجّرة كنيسة سيدة النجاة في 27 شباط 1994.

لقد رفضت «القوات اللبنانية» التوقيع على معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق، ورفضت إتفاقية الدفاع والأمن المشترك، ورفضت المشاركة في الانتخابات النيابية في صيف العام 1992 في سياق الخطة السورية لإنتاج طبقة سياسيّة جديدة طيّعة لها وبإمرتها. فقررت سوريا، بكل بساطة، الإقتصاص من القوات فسعت من خلال الإضطهاد والقمع إلى تركيع المسيحيين ومحاكمة مقاومتهم التاريخيّة وخياراتهم في الحريّة والسيادة والإستقلال. وكان «العالم الحر»، في كل ذلك، يمارس لعبة التفرّج وغض النظر عن إطباق القبضة السوريّة على لبنان واحتضار الوطن الصغير ومعاناة الجماعة التي تحلم بالإستقلال بحسب الأب سليم عبو، ويعطي سوريا تفويضًا شاملاً في لبنان.

8. الطائف والمقاومة الإسلامية

– في البيان الذي صدر عن «حزب الله» في 7 ـ 10 – 2014 وتبنّى من خلاله تفجير عبوة ناسفة عند مرتفعات شبعا في دوريّة إسرائيليّة، عرّف «حزب الله» عن نفسه بأنه «المقاومة الإسلامية».

– إن مقدمة الدستور نفسه التي وُضعت بعد نشوء الإحتلال الإسرائيلي بسنوات عدة، جاءت خالية من أي إشارة إلى مبدأ المقاومة وإلى أي سلاح خارج الدولة اللبنانية.

– لقد شدد الإتفاق على قيام الدولة القوية والقادرة على أساس الوفاق الوطني وعلى بسط سيادتها على كامل أراضيها.

– إن عنوان بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانيّة ورد في الإتفاق قبل عنوان تحرير لبنان من الإحتلال الإسرائيلي، مما يعني أن سيادة الدولة لها الأولوية ويمكن أن تخدم مسألة التحرير.

– لقد أكد الإتفاق على حل جميع الميليشيات اللبنانيّة وغير اللبنانيّة وتسليم أسلحتها إلى الدولة خلال ستة أشهر. ولم يأتِ الإتفاق بأي إستثناء ولم يميّز بين مصطلح المقاومة ومصطلح الميليشيا، بل إن مصطلح الميليشيا لم يرد أساسًا في الإتفاق، وبالتالي فإن التمييز بين المقاومة والميليشيات في قراءة الطائف هو إجتهاد سوري ونتاج الوصاية السوريّة على لبنان للإبقاء على سلاح «حزب الله» كورقة ضغط على الدولة اللبنانيّة في الداخل، وكورقة مساومة على المستوى العربي والدولي.

– إن الإجتهاد القائل بأن المقصود بالإجراءات اللازمة للتحرير كافة يعني المقاومة، لا يستقيم واقعًا وقانونًا، ويتناقض مع التمسّك باتفاقية الهدنة ومبدأ بسط سيادة الدولة على جميع أراضيها، علمًا بأن الفقرة «ج» من البند الثالث لم تُشر الى أي جهة غير الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية في الجنوب، ولا إلى أي سلاح آخر غير شرعي لتأمين تحرير لبنان.

– يقول د. زهير شكر في كتابه «الوسيط في القانون الدستوري اللبناني» إن «حزب الله» استطاع إخراج نفسه من موضوع حل الميليشيات التي اعتبرت أنها أُنشئت لغايات النزاع والصراع الداخلي، وإن مسوّغ إحتفاظه بسلاحه هو مقاومة إسرائيل وتحرير الجنوب، خاصة بعد أن قرّر كتم شعاره الداعي إلى إنشاء الجمهورية الإسلامية.

من كتاب صدر حديثاً عن دار سائر المشرق بعنوان "من أجل العدالة في الوطن".

الكاتب: 
أنطوان نجم
التاريخ: 
الجمعة, نوفمبر 11, 2022
ملخص: 
أُريد للطائف أن يكون مدخلاً لطي صفحة الصراعات الماضية بين من كان يطالب، باسم العدالة، بتحسين شروط مشاركته في الدولة، وبين من كان يريد هذه المشاركة مع حماية الكيان اللبناني وتثبيت نهائيته.