مستقبل اتفاق الطائف اللبناني في ظل حرب غزة
في أكتوبر الماضي، حلّت الذكرى 35 لاتفاق الطائف اللبناني الذي أنهى حربًا أهلية لبنانية ظلت 15 عامًا منذ سنة 1975 حتى عام 1990، ولطبيعة هذا الاتفاق التي قسّمت سلطات الدولة بين الطوائف الدينية، كان لزامًا علينا فهم ومناقشة ذلك الاتفاق من نفس الزاوية التي انتهى إليها، وهي حصر سلطات رئيس الجمهورية للمسيحيين الموارنة، ورئاسة الحكومة للمسلمين السنة، ورئاسة مجلس النواب للمسلمين الشيعة.
نادى الاتفاق بالتعايش المشترك بين الطوائف الثلاث، وبعلاقات جيدة مع سوريا والسعودية بوصفهما رعاة الاتفاق، وبعيدًا عن أجوائه السياسية وتفاصيله المتنوعة، يبقى الملف الطائفي الذي أخرج الاتفاق على هذا النحو مهيمنًا طيلة 35 عامًا حتى الآن، ثم يليه الملف الأيديولوجي المتمثل في تقسيم الداخل اللبناني لتيار مقاومة للاحتلال الإسرائيلي، وتيار اعتدال يطالب بعلاقات متوازنة مع الجميع، مما أوجد مشكلة سياسية عبّر عنها الكاتب “علي حسين باكير” في مجلة البيان بتاريخ يناير 2006م، أنّ اتّفاق الطائف قد نصّ صراحة على سحب سلاح جميع الميليشيات اللبنانية (بما فيها تلك التي كانت تقاوم الاحتلال أيضًا مثل أمل والشيوعي وغيرهما)، وأنّ استثناء حزب الله من هذا النص كان بقرار سوري وبدعم إيراني، وحيث إنّ القوات السورية انسحبت والجميع متمسك بتطبيق اتّفاق الطائف؛ فإنّه يجب على حزب الله أن يسلّم سلاحه.
بينما يرى الشيخ محمد الغزالي خلاف ذلك في كتابه “تراثنا الفكري في ميزان العقل والشرع صـ 106” بقوله: “إن الرؤساء العرب قدموا اتفاق الطائف على أساس أن يرأس الدولة مسيحي عربي يتعاون المسلمون معه تعاونًا شريفًا! وهيهات أن يقع الصلح! المطلوب نظام سيأسى يتعاون مع إسرائيل على محو العروبة والإسلام”.
ومن كلام الغزالي وحسين باكير يتبين أن لبنان انقسمت فعليًا ليست لثلاث طوائف، ولكن لرأيين أساسيين، الأول يضع لبنان ضمن محور مقاومة إقليمي ضد إسرائيل، والثاني يضع لبنان كدولة مستقلة عن أي محاور، وبناءً على هذا التقسيم الثنائي جرى رسم المشهد اللبناني الداخلي منذ التسعينيات وإلى الآن؛ حيث تخللت عدة أحداث قوية ومفصلية خلال هذه الفترة عززت هذا الانقسام الثنائي، وهي تحرير جنوب لبنان عام 2000 وحرب عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله، وأخيرًا اشتباكات 7 آيار/ مايو 2008 بين معسكري الموالاة والمعارضة، المعروفة بأحداث شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله، والتي بناءً عليها رسم اللبنانيون توازن الردع الحالي.
جذور اتفاق الطائف المذهبية
تعود جذور اتفاق الطائف إلى الميثاق الوطني اللبناني الصادر عام 1943م، وهو ميثاق غير مكتوب لكنه مُلزِم بإشراف الرئيس اللبناني آنذاك “بشارة الخوري”، ورئيس وزرائه “رياض الصلح”، وقد أفضى الاتفاق على تخصيص حقيبة رئاسة الجمهورية للمسيحيين الموارنة، وحقيبة رئاسة الوزراء للمسلمين السنة، وحقيبة رئاسة مجلس النواب للمسلمين الشيعة، مع قبول مبدأ عروبة لبنان عند الموارنة وعدم الوحدة مع سوريا عند المسلمين.
علمًا بأن جذور الميثاق الوطني تعود للانتداب الفرنسي على لبنان (1920- 1943)، والذي أعلن فيه الجنرال “هنري غورو” المفوض السامي دولة لبنان الكبير التابعة لفرنسا عبر سياستين:
الأولى: عبر عنها “نجيب سليم الدحداح” في كتابة ” لبنان الكبير في التاريخ” المنشور في مجلة المشرق يناير 1936، أن فرنسا من خلال بيان الانتداب اعترفت بالقادة الدينيين كزعماء للبنان؛ فجرى ترسيخ فكرة قيادة المجتمع اللبناني من خلال زعمائهم الروحيين والعقائديين؛ فكانت هي اللبنة الأولى لتقسيم لبنان طائفيًا بشكل أكثر توسعًا في وقت لاحق.
الثانية: جرى فيها تعيين حدود لبنان الجغرافية بإضافة أربع مناطق ذات أغلبية سكانية مسلمة إلى لبنان، عرفت (بسلخ الأقضية الأربعة عن سوريا)، وهي “بعلبك والبقاع وحاصبيا وراشيا”؛ فاختلت بناء على هذه القرار تركيبة لبنان السكانية من أغلبية مسيحية مطلقة لأغلبية طفيفة طبقًا لإحصاء عدد السكان عام 1932م، وبناءً على عوامل أخرى سياسية كالهجرات المسيحية للخارج والمواليد والهجرات الإسلامية للداخل اختلت تلك الأغلبية الطفيفة مرة أخرى حتى أوائل السبعينيات، وهو الذي أدى لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1975 لرفض كثير من المجتمع المسيحي وجود منظمات فلسطينية في لبنان.