وثيقة بعبدا لم تتطرق الى الامن لعدم الخلاف على الاستراتيجية الدفاعية

النوع: 

ألغى اللقاء التشاوري التداولي في قصر بعبدا بدعوة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خشية البعض من الجمود السياسي بعد إقرار قانون الإنتخاب الجديد والتمديد لمجلس النواب «تقنياً» لمدة 11 شهراً. وتجنّباً من هدر هذه الأشهر من دون عمل وإنتاج وإضاعتها في التحضير للإنتخابات النيابية المقبلة فقط، رأى الرئيس عون أنّه من الضروري إطلاق ورشة عمل ميثاقية وإصلاحية وإقتصادية، على أن يقوم بتفعيل بنودها وتنفيذها رؤساء الأحزاب العشرة الممثلين في الحكومة، فيتحمّلون مسؤولية القيام بالمشاريع وإحالتها الى مجلس النوّاب لتشريعها.

"وثيقة بعبدا 2017" التي وافق عليها المشاركون في لقاء بعبدا بالإجماع، باستثناء تحفّظ رئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع، ورئيس «تيّار المردة» النائب سليمان فرنجية، على ما أفادت أوساط مشاركة فيه، على البند الأول منها، ليس على ما يتضمنّه من «المواءمة بين الحفاظ على نظامنا الديموقراطي التعددي، وبين تصوّر واضح ومحدّد زمنياً، لانتقال كامل نحو الدولة المدنية الشاملة، بما في ذلك كيفية التدرّج من تثبيت التساوي والمناصفة بحسب الدستور بين عائلاتنا الروحية في حياتنا العامة، وصولاً الى تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية»، إنّما على المبدأ. فكلاهما كان يفضّل التوافق على المسائل السياسية على حدة، وليس خلال إطلاق الورشة الإصلاحية الإقتصادية، إلاّ أنّ ذلك لم يُشكّل أي خلاف على إقرار الوثيقة.

فالمواضيع الميثاقية والسياسية غالباً ما تُشكّل موضع خلاف بين القوى السياسية، ولهذا تجنّب الرئيس عون في رؤيته الإصلاحية المستقبلية الخوض في التفاصيل التي قد تُعيق ورشة الإصلاح الاقتصادية. إلاّ أنّ البند الأول جاء تمهيدياً، بحسب رأي الاوساط، لقيام الدولة المدنية مستقبلاً والتي تُساعد على الإصلاح الشامل. ولهذا فإنّ المشاركين لم يجدوا فيه ما يُعيق إقرار الوثيقة، وإن كان جعجع الوحيد الذي تحفّظ عليه علناً.

في المقابل، فإنّ الوثيقة على أهميتها وتوافق القوى السياسية على بنودها التي تكاد تكون حلم كلّ مواطن لبناني لما تضمّنته من نقاط يطمح لأن تتحقّق على أيامه، مثل رفض التوطين وإلغاء الطائفية السياسية وإقرار اللامركزية الإدارية، وخلق فرص العمل، وتحقيق الإنماء المتوازن، وتأمين الكهرباء 24/24، والحفاظ على المياه كثروة استراتيجية للبنان وتأمينها، واستثمار الثروة البترولية البحرية والإسراع بتأمين الاتصالات السريعة بأعلى جودة وبأرخص الأسعار، وتأمين أنواع المواصلات كافة والإعتمادات اللازمة لإنهاء ملف المهجرين، وتفعيل الإدارة واعتماد الشفافية ومكافحة الفساد واستقلالية القضاء وما الى ذلك.. إلاّ أنّها بحاجة ماسّة وسريعة الى آلية لتنفيذها. فمن دون هذه الآلية تبقى حبراً على ورق، على ما أوضحت الاوساط، مثلها مثل «المدينة الفاضلة».

ومن هنا، تخشى الأوساط نفسها أن يكون التوافق على آلية التنفيذ هي المرحلة الأصعب في تحقيق ورشة الإصلاح التي يُنشدها الرئيس عون، وعلى حكومة الرئيس سعد الحريري تنفيذها، فـ «الشغل كلّه يقع على عاتقه»، على ما مازحه رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي أثناء خروجهما من لقاء بعبدا. ولأنّ الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل، كما تردّد كثيراً في الأشهر الأخيرة خلال توافق المكوّنات السياسية كافة على القانون الجديد للانتخاب، فإنّ أكثر ما يُخشى منه هو مناقشة تفاصيل هذه الوثيقة بين القوى التي شاركت في اللقاء.

غير أنّ التوافق على «وثيقة بعبدا» خلال نحو ثلاث ساعات فقط، على ما أكّدت الاوساط، من شأنه أن يُمهّد لتوافقات جديدة على الآلية والتنفيذ خلال الأشهر المقبلة، لا سيما وأنّ بنوداً عدّة فيها تحتاج الى عمليات إصلاح شاملة. ولقاء بعبدا لن يكون يتيماً، إنّما ستليه لقاءات أخرى تهدف الى متابعة تنفيذ بنودها، كلّما دعت الحاجة، وكلّما رأى الرئيس عون أنّه ثمّة ضرورة لتحريك موضوع ما والإتفاق عليه.

كذلك فتح لقاء بعبدا الباب أمام مصالحات عدّة في المستقبل، بعد أن ساهم في غسل قلوب بعض الذين كانت العلاقة متشنّجة ومتوتّرة فيما بينهم، مثل العلاقة الأبوية والمميزة التي تربط الرئيس عون بالنائب فرنجية والمرشّحة لأن تعود الى سابق عهدها بعد الإيجابية التي أظهرها فرنجية بعد خروجه من لقاء بعبدا إذ قال بأنّ «الرئيس يأمر، ويستطيع أن يأمرنا للمجيء الى القصر، وهذا ما حصل اليوم. تلقينا دعوة ولبّيناها. وعندما يرغب فخامة الرئيس يأمر ونحن نلبّي». فضلاً عن المصالحة المتوقّعة لاحقاً بين جعجع وفرنجية، علماً أنّ المصافحة بينهما في قصر بعبدا بدت فاترة، وتقصّد كلّ منهما عدم النظر في عيني الآخر. ثمّ العلاقة بين «القوّات» و«حزب الله» إذ جلس جعجع الى جانب النائب محمد رعد (الذي مثّل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في اللقاء)، وأوضح ردّاً على سؤال أنّه لم يُبعد الكرسي عنه تجنّباً للحديث معه إنّما لكي يرى جميع المشاركين في الاجتماع، ما أوحى الى جهوزية جعجع لفتح قنوات الاتصال مع الحزب

وتساءل بعض المراقبين عن عدم إدراج موضوع الأمن على جدول أعمال ورشة الإصلاح، لا سيما وأنّ لبنان يشهد بشكل يومي جريمة أو أكثر جرّاء السلاح المتفلّت. فلا يمرّ يوم في الآونة الأخيرة إلاّ ويسمع المواطن عن جريمة حصلت هنا أو هناك لأسباب تتعلّق إمّا بالخلاف على حادث سير أو على أفضلية المرور، أو عن بعض الخلافات العائلية التي يدخل من ضمنها جرائم الثأر والشرف وسواها. وتكاد نسبة الضحايا يومياً تفوق نسبة هؤلاء خلال أيام الحرب التي شهدها لبنان على مدار 15 عاماً.

غير أنّهم في الوقت نفسه برّروا عدم تطرّق «وثيقة بعبدا» الى موضوع الأمن لأسباب تتعلّق بمسألة الاستراتيجية الوطنية التي شكّلت موضع خلاف جذري بين المشاركين في طاولات الحوار السابقة، ما جعلها على مدار السنوات الماضية لا تخرج بأي نتيجة إيجابية في هذا السياق. فسلاح «حزب الله» سيكون عندها حاضراً على طاولة البحث، ومن المعروف المواقف المختلفة للقوى السياسية منه، ما قد يخلق مشاكل عدّة، يبدو لبنان بغنى عنها في المرحلة الراهنة.

الكاتب: 
دوللي بشعلاني
التاريخ: 
السبت, يونيو 24, 2017
ملخص: 
الوثيقة على أهميتها وتوافق القوى السياسية على بنودها التي تكاد تكون حلم كلّ مواطن لبناني لما تضمّنته من نقاط يطمح لأن تتحقّق على أيامه، مثل رفض التوطين وإلغاء الطائفية السياسية وإقرار اللامركزية الإدارية، وخلق فرص العمل، وتحقيق الإنماء المتوازن، وتأمين ال