اللامركزية الإدارية... من التنظير إلى التطبيق

النوع: 

تطرح اللامركزية الادارية منذ اكثر من نصف قرن وسيلة لحل مشكلة غياب الانماء المتوازن ووقف النزوح الى المدينة وتحسين الخدمات الادارية التي تقدمها الدولة، وجرى الكلام على ضرورة تطوير نظام اللامركزية الادارية في لبنان منذ الستينات، واعتماد اللامركزية الموسعة وسيلة من وسائل تحقيق التنمية والتوسع في اعتماد الديموقراطية على المستوى المحلي، وهذا ايضا يندرج في اطار التنمية السياسية التي هي وجه من وجوه التنمية الشاملة. وغدت التنمية تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وتربوية، فتعددت ابعادها، ورتب ذلك مسؤوليات ليس على السلطة المركزية فحسب، وانما على السلطات المحلية ايضا، وعلى المجتمع المدني.

منذ عقدين، صارت اللامركزية الادارية الحلم الذي يتحدث عنه كل لبناني، حيث ان اتفاق الطائف فرض على الدولة اجراء تعديل دستوري لاقرار قانون اللامركزية الادارية، لان الادارة المركزية غير قادرة على تحقيق التنمية المتوازنة او الالتفات كفاية الى المناطق النائية لرفع مستوى الخدمات العامة والبنى التحتية فيها، لكن هذا لا يعني ان تؤخذ اللامركزية الادارية بمفهومها التقليدي، بمعنى اعطاء بعض الصلاحيات للسلطات المحلية، بما فيها البلديات، او للقائمقام او المحافظ او لبعض المؤسسات العامة لتحل مكان الوزارات. مشروعات قوانين كثيرة جرى تداولها خلال الاعوام الاخيرة، لكن ايا منها لم يسلك دربه حتى اليوم الى مناقشة مؤسساتية واضحة تفضي الى اقراره، ولكنها بقيت كالحلقة المفرغة تطرح مشاكل وعراقيل اخرى جديدة.

تضمنت وثيقة الوفاق الوطني (ما يعرف باتفاق الطائف) النص على وجوب "اعتماد اللامركزية الادارية الموسعة على مستوى الوحدات الادارية الصغرى (القضاء وما دون)، عن طريق انتخاب مجلس لكل قضاء يرأسه القائمقام، تحقيقا للمشاركة المحلية"، و"اعتماد خطة انمائية موحدة شاملة للبلاد، قادرة على تطوير المناطق اللبنانية وتنميتها اقتصاديا واجتماعيا، وتعزيز موارد البلديات والبلديات الموحدة والاتحادات البلدية بالامكانات المالية اللازمة". كما دعت وثيقة الوفاق الوطني الى وجوب القيام باصلاحات شتى على المستويات السياسية والاقتصادية والقضائية والتربوية والانمائية والادارية وسواها لتحقق الاطار المؤاتي للتنمية المتوازنة بين المناطق، ولتقصير المسافة بين المواطن والمؤسسات التي يلجأ اليها لتلبية حاجاته، الا ان المؤسف ان هذا النص ككثير من نصوص وثيقة الوفاق الوطني لم ينفذ وقد تجاهلت الحكومات المتعاقبة منذ الطائف تطبيق اللامركزية الادارية، ليفقد قانون البلديات الصادر عام 1977 نفوذه، ويتراجع دور المجالس البلدية.ان تطبيق اللامركزية الادارية في لبنان ضرورة من اجل تسهيل حياة المواطنين وتحسين الخدمات المقدمة اليهم بالافساح في المجال للجماعات المحلية للقيام للتخطيط والتنفيذ الفعال لمشاريع تنموية، نظرا الى معرفتهم بحاجات مناطقهم ومتطلباتها، ويمكن ان تشمل هذه المشاريع الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية والتربوية والثقافية. وهكذا تكون اللامركزية الادارية ركيزة اساسية للانماء المتوازن فضلا عن اهميتها من اجل تعميق التجربة الديموقراطية باتاحة المجال امام المواطنين للتعبير عن مصالحهم المحلية وانتخاب ممثليهم المحليين والاشتراك في ادارة شؤونهم المناطقية.

ان كل التشريعات المتعلقة باللامركزية الادارية تنطلق من مؤسسة البلديات، لذلك المطلوب بداية هو ازالة عدد من الصلاحيات عن كاهل السلطة المركزية، وتوزيعها على السلطات المحلية، فهذه السلطة بمقدورها تنظيم انشطة كبيرة في قطاع الصحة والتربية والبيئة، وصولا الى قطاع السياحة ومراقبة الاسعار، والسلامة المرورية في اطارها المتقدم، وحتى في بعض الجوانب ممارسة سلطة الضابطة العدلية بصورة اولية. بالاضافة الى ضرورة العمل على انشاء بلديات جديدة في القرى والبلديات غير الموجودة فيها، وحض البلديات على التعاون في ما بينها، وعلى التوأمة مع اخرى خارجية، بغية تبادل الخبرات، والتواصل بين شرائح مختلفة من المجتمع.

ثمة عدد من التحديات والقضايا التي تواجه تطبيق هذا النظام الحضاري المعتمد في البلدان المتقدمة. ولعل اهم هذه التحديات بالنسبة الينا في لبنان هو وجوب التمسك بالوحدة السياسية للبلاد وتأكيد الوحدة الوطنية فيها عموما، ومن ثم اظهار صلاحيات السلطة المحلية ومدى استقلالها وعلاقتها مع السلطة المركزية، والعلاقة بين السلطات المحلية والبلديات، ومصادر تمويل السلطات المحلية، وصيغة النظام الانتخابي المحلي وما الى ذلك.

اننا نشهد اليوم صراعاً سياسياً على الحكومة، وهذا طبيعي في النظام الديموقراطي، لكن لو طبقنا اللامركزية الادارية لما تعطلت المشاريع التنموية والخدماتية ولا توقفت الدورة الاقتصادية في كل المناطق.

الكاتب: 
فراس بوذياب
التاريخ: 
الاثنين, نوفمبر 11, 2013
ملخص: 
منذ عقدين، صارت اللامركزية الادارية الحلم الذي يتحدث عنه كل لبناني، حيث ان اتفاق الطائف فرض على الدولة اجراء تعديل دستوري لاقرار قانون اللامركزية الادارية، لان الادارة المركزية غير قادرة على تحقيق التنمية المتوازنة او الالتفات كفاية الى المناطق النائية لر