بعد ٢٥ عاماً على انتهاء الحرب الأهلية التعليم لا يوحّد اللبنانيين

النوع: 

نادراً ما يتسنّى للبنانيين التفكير والبحث في سبل بناء دولة المواطنة في ظل مشاكلهم الأمنية والسياسية. وتلك الثقافة لا تتحقق مبدئياً إلا من خلال نظام تعليم تربوي تعليمي يعزز مبادئ المواطنية والمسؤولية العامة. وهذه هي الحال منذ انتهت الحرب الأهلية قبل ٢٥ عاماً، إذ لم تفلح المحاولات الكثيرة والمؤتمرات والندوات في توحيد المجتمع اللبناني، أقله عبر تقديم رواية متناسقة في كتاب تاريخ موحد.

منتدى التعليم الذي أطلقته شركة “Educity” أخذ على عاتقه البحث في تطوير التعليم مستعيناً بخبراء من مختلف القطاعات المعنية.

لماذا هذا المنتدى؟ سؤال طرأ على بال كثيرين ممن وصلت إليهم الدعوة، خصوصاً الأساتذة ومديري المدارس الذين اعتادوا سياسة الإهمال تجاههم، وتحديداً إذا كانوا يعملون في المدارس الرسمية. لكنّ ممثّل الجهة المنظمة فرحات فرحات يؤكد أنّ هذا المنتدى انطلق بهدف  توفير مساحة تلاق بين مختلف العاملين في قطاع التعليم للبحث في الإشكاليات الكثيرة التي تعترض هذا القطاع. ويرى فرحات أنّ كلّ لبناني ينشأ ويتعلّم بحسب انتمائه الطائفي والمناطقي، ما يُسقط فكرة المواطنة كليّاً، في حين أنّ المطلوب من كلّ أستاذ ومدير وخبير تربوي أن يكون له دور في إيجاد الحلول لهذا الواقع عبر قول كلمة “لا” لمذهبة التعليم وجعله مفصّلاً على قياس الطوائف والمناطق.

ما إن افتتح المنتدى فعالياته حتّى بدأت تحدّيات التعليم الحقيقية تظهر في كلّ كلمة ألقاها المعلّمون والخبراء التربويون ليعبّروا عن حجم الصعوبات التي تواجههم وتعيقهم عن تحقيق الرسالة التي يدعو إليها المنتدى أي توحيد المجتمع. فنقيب المعلّمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض لفت إلى أن في الدول التي خرجت من الحروب المدمّرة، كاليابان وألمانيا، أعطيت الأولوية للتربية والتعليم بهدف إعداد جيل جديد قادر على بناء الدولة الحديثة. لكن في لبنان “الطبقة السياسية الحاكمة لا علاقة لها بالتربية أو تنظر لها باعتبارها وسيلة لخدمة المصالح الإنتخابية وهذا ما يؤدي إلى تعشيش الفساد في قطاع التعليم، خصوصاً الرسمي منه، حيث يفتقد لبنان وجود مدارس رسمية إبتدائية ذات مستوى مقبول”. وبسبب ذلك، يُضطر الأهل إلى تعليم أطفالهم في المدارس الخاصة ويتحمّلون الأقساط العالية، وهذا ما أوصل الحال اليوم إلى كون حجم التعليم الخاص يصل ما نسبته ٧٠٪ من القطاع التعليمي كلّه. وما شدّد عليه محفوض أنّ تضخّم أعداد الطلاب السوريين في المدارس اللبنانية، وخصوصاً الرسمية، يزيد عبئاً إضافياً على قطاع التعليم، ما يزيد من أعبائه ويصعّب مهمّة إنقاذه.

نظرة سوداوية إلى التعليم الرسمي

إذا كان التعليم الرسمي يُعتبر الأساس لتوحيد المجتمع، بما أنّه لا يميّز بين الطوائف والطبقات الإجتماعية في معظم الدول التي تولي اهتمامها لهذا القطاع، ففي لبنان يُعتبر التعليم الرسمي المؤشر الأول لصعوبة التوحيد ووجود عقبات كبرى أمام تغيير الحال الإنقسامية الموجودة حالياً. فبحسب الدكتور حسّان قبيسي الذي يُشرف على الأبحاث الأكاديمية التربوية في الجامعتين اللبنانية والإسلامية، “الدولة لا تـريد الشفـاء للتعليم الرسمي الذي أصبح مهترئاً إلى حدّ أنّ اللبنانيين يهربون منه لتعليم أطفالهم في المدارس الخاصة”. وذلك في حين أنّ تطوير هذا القطاع بالتحديد يؤدي إلى التعليم الوطني المطلوب لأنّ المدارس الرسمية غير طائفية وغير طبقية وهي القادرة على توحيد المجتمع اللبناني.

وعلى رغم وجود بعض التجارب الناجحة في إدارة المدارس الرسمية وتطوير أدائها، مثل التجربة التي عرضتها المديرة السابقة لمدرسة الغبيري إلهام قماطي، فإنّ الحاضرين أجمعوا بشكل شبه كامل على أنّ التعليم الرسمي يمرّ في أصعب المراحل وهو يجد صعوبة في الاستمرار ومنافسة المدارس الخاصة مع كلّ الأزمات والعوائق الموجودة. وقد كانت لافتة مشاركة وزير العمل اللبناني السابق شربل نحّاس الذي رأى أنّ أي دولة في العالم ليس فيها إزدواجية في قطاع التعليم كما هي الحال في لبنان، أي الانقسام الحاد بين التعليم الرسمي والخاص، لأنّ هذه الإزدواجية لا يمكن أن تستمر إلا على حساب القطاع الرسمي، الذي يبقى ضعيفاً بسبب سوء الإدارة وضعف التمويل. وإذا كانت هذه الإزدواجية تؤسس لفرز طبقي حاد وتعميق للمعايير اللاوطنية في التعليم، لا يمكن، بحسب نحّاس، التكلّم عن دور للتعليم في توحيد المجتمع اللبناني.

بين التعليم الديني والتاريخ

لم يخلُ المنتدى الأول للتعليم في لبنان من النقاشات الحادة حول أجور المعلّمين وقدرة الأستاذ على الاستمرار في هذه المهنة على رغم الأجور المتدنية، وهذا ما يحوّل تركيز كلّ معلّم إلى كيفية جني لقمة العيش وليس التفكير في سبل نقل القيم الوطنية وبناء جيل جديد يؤمن بالدولة الحديثة. وهذه النقاشات أضيفت إلى جدل واسع رافق التكلّم على موضوعين ما زالا يُعتبران شائكين في لبنان، وهما توحيد كتاب التاريخ والتعليم الديني في المدارس، باعتبار أنّ هذين الموضوعين مرتبطان بشكل مباشر بمفهومي الوحدة الوطنية والمواطنة.

 

فإذا توقفنا عند كتاب التاريخ أولاً، يؤكد عضو اللجنة التي كلّفها وزير التربية السابق حسن منيمنة إعداد الكتاب عبد الرؤوف سنو، أنّه لا يمكن إعداد كتاب تاريخ موحّد في لبنان في ظلّ الأوضاع السياسية والطائفية الحالية. وقد فشلت اللجنة في المهمّة التي أسندت إليها بسبب المشاكل التي واجهتها عند بدئها بكتابة تاريخ الحرب اللبنانية على رغم محاولتها الابتعاد عن تقرير من كان الخاسر أو الرابح. إلا أنّ رئيسة الهيئة اللبنانية للتاريخ مهى شعيب رأت أنّ التاريخ مجال علمي مستقل، وهناك ضرورة لتعلّم وتعليم التاريخ في لبنان باعتباره فرعاً معرفياً متخصصاً مع توعية الرأي العام بأهميته.

أمّا بالنسبة إلى التعليم الديني، فقد ذكر الأمين العام للجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار محمد السماك، أنّ اللجنة اقترحت إعداد كتاب مشترك للتعليم الديني يعلّم القيم المشتركة والإيمان المشترك، لكن العوائق دائماً موجودة، إذ أنّ “لبنان يفتقد إلى جسور المعرفة التي تتيح للبناني التعرّف إلى دين غيره وليس فقط دينه”. من جهته، رأى رئيس معهد المعارف العلمية الشيخ شفيق جرادي أنّ الاهتمام يجب أن ينصبّ على كيفية تحسين ظروف التعليم الديني في لبنان، باعتبار أنّ المشكلة ليست فيه، بل يجب البحث في الأزمة الفعلية، وهي “أنّ كلّ شيء في لبنان يتحوّل طائفياً، ومن هنا يصبح سهلاً أن يتحوّل التعليم الديني إلى مشكلة”.

وقد تبع كلّ جلسة من الجلسات الستّ التي تضمّنها المنتدى نقاش واسع من قبل الحاضرين، لتُكشف أكثر فأكثر الفجوات الموجودة في النظام التعليمي اللبناني، والتي إن بقي التغاضي عنها كما هو اليوم ستزيد ضخامة، ما يُسقط كلّ الطموحات بتحسين دور التعليم على صعيد توحيد المجتمع ليخرج نهائياً من عقلية ثقافة الحرب والنزاع.

التاريخ: 
الثلاثاء, سبتمبر 9, 2014
ملخص: 
إذا كان التعليم الرسمي يُعتبر الأساس لتوحيد المجتمع، بما أنّه لا يميّز بين الطوائف والطبقات الإجتماعية في معظم الدول التي تولي اهتمامها لهذا القطاع، ففي لبنان يُعتبر التعليم الرسمي المؤشر الأول لصعوبة التوحيد ووجود عقبات كبرى أمام تغيير الحال الإنقسامية ا