سوريا على عتبة اتفاق طائف جديد
تتبلور أو يبدو واضحا توجه القوى الدولية و الإقليميه لإنهاء الاقتتال الأهلي في سوريا ، بعد أربع سنوات من صراع دموي أريد له أن يطول و يتعمق، فيما إذا تحقق اتفاق كهذا يقود لحل سياسي سلمي، يلم شمل الأطراف السورية المتصارعة، قد يبدو شبيهاً في شكله و ظروفه لاتفاق الطائف اللبناني، الذي عقد في مدينة الطائف السعودية، و انتهت من خلاله حالة الحرب الأهليه اللبنانيه التي امتدت عبر خمسة عشر سنة.
المتتبع لنتائج اتفاقية الطائف اللبنانيه يجد أنها أنهت الحرب الأهلية في ذلك البلد الصغير المتعدد الطوائف، لكنها لم تنجز دولة حديثه بمؤسسات وسلطات قويه أو ذات تأثير. ظل لبنان يخضع لنظام طائفي يسيطر فيه قادة الطوائف (أمراء الحرب الأهلية) على مجريات السلطة، التي تم تقاسمها على أساس المحاصصة الطائفية، فظلت الدولة اللبنانية نموذجا ناجحا للدولة الفاشلة، أو ما يسمى بجمهوريات الموز.من دون شك أصبح من الأهمية تحقيق سلم أهلي يعيد الأمل للشعب السوري الذي عانى من القتل والدمار والتشريد عبر الحرب الشرسة التي اجتاحت أرضه، وأوفدت عليه ما هب ودب من ميليشيات القتل والاغتصاب والتنكيل، سواء من تنظيمات كداعش، أو ميليشيات النظام السوري وحلفاءها من فصائل مسلحة توافدت على سوريا لمؤازرة النظام في البقاء، كحزب الله اللبناني وأبو الفضل العباس العراقي و غيرهم من آلاف المرتزقة الأفغان والإيرانيين.
مطلب الحياة وحفظ النفس من القتل والأذى من أسمى الأهداف التي تحققها الدولة لمواطنيها، و فيما عكس نظام الأسد هذه القاعدة وحول جيش الدولة وكل ثرواتها من الدفاع عن السوريين لماكينة قتل فتكت بعشرات الآلاف منهم وشردت الملايين في المنافي ومخيمات اللجوء، بات من المنطقي خروج بشار وأركان نظامه بعد كم المجازر التي ارتكبوها من الصورة، وتفهم روسيا وإيران اللتان تدعمان الأسد هذه الحقيقة، و تستوعبان ضرورة خروجه و زمرته الحاكمة من مستقبل سياسي جديد، تفرزه الاتفاقية القادمة في حال تم إنجازها، لإنقاذ الوطن السوري و ما بقي من مؤسساته.لكن تبقى أهمية هذا الاتفاق خاضعة لتساؤلات عن النوايا الحقيقية لدى الدول الراعيه له، والتفاصيل والآليات التي ستطبق من خلاله، وسط ظروف سياسية و عسكرية معقدة تحيط بسوريا، عبر انهيار مؤسستها العسكرية الرسمية، وحلول دور الميليشيات الخاضعة في معظمها لإرادة القوى الإقليمية التي تخوض صراعها داخلها.
أفرز اتفاق الطائف اللبناني أو أريد له أن يفرز دولة ضعيفة وجيشا هزيلا لا يمتلك السلاح الفعّال و الدعم اللوجستي، و برز بعد سقوط بعض الدول والأنظمه العربية المستبدة انفلات أمني وغابة بنادق ميليشيوية حلت مكان جيوش تلك الأنظمة، مثل ليبيا، وحتى العراق الذي صرف المليارات على جيشه الجديد، و الذي ظهر واضحاً أنه جيش مفكك وطائفي وفاقد للعقيدة القتالية، عندما انسحب عشرات الآلاف من جنوده أمام عشرات من مقاتلي داعش الذين اجتاحوا الموصل واحتلوها خلال ساعات، لذلك يبدو لزاماً على تلك الدول الراعية لاتفاق سياسي سلمي في سوريا تحمل مسئوليتها في بناء جيش نظامي وطني سوري، يخضع لكل أطياف السوريين ولا تتحكم فيه قيادات الميليشيات، بل تديره حكومة مدنيه ديمقراطية ينتخبها السوريون في انتخابات حرة و نزيهة لا يتدخل فيها أي طرف دولي، و هنا تكمن المصداقية و مفصل الحقيقة فيما إذا امتلكت تلك الأطراف الدولية الراعية للاتفاق النية الصادقة في إنجاز دولة سورية حديثة، مبنية على المؤسساتية و المدنية و الاختيار الديمقراطي الحر النابع من توجه الشعب السوري، أو أرادت لأهداف مبيته و أجندات خاصة إبقاء سوريا كنموذج دولة فاشلة مفككة على غرار دولة اتفاق الطائف اللبنانية، و باقي النماذج الفاشلة من الدول العربية كالعراق وليبيا واليمن.
الدولة الديمقراطية المدنية ليست حالة محدثة في النظام السياسي السوري: فقد شهدت الجمهورية في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، حكومات ديمقراطية انتخبها السوريين من بين كيانات سياسية وطنية متنوعة، أنتج هذا المناخ السياسي الحر شخصيات وطنية مثل الرئيس محمد علي العابد أول رئيس جمهورية سوري منتخب بعد الاستقلال، وهاشم الأتاسي و خالد العظم و شكري القوتلي، وقد استمرت هذه الحالة السياسية النموذجية (نوعاً ما) لفترة، حتى ضربتها سلسلة الانقلابات العسكرية، وأنهاها بشكل كلي ومؤلم نظام البعث الذي أفرز نظاما عسكريا مسخ، تحكم بمفاصل البلد عبر أربعة عقود من حكم عصاباتي مافيوي أدى إلى تدمير الدولة و تفكيكها، ومن هذا المنطلق يحق للسوريين الذين عانوا و كابدوا مآسي وجرائم الأسد الأب والابن، أن ينتهوا من كل ذلك و ينعموا بدولة مدنية ديمقراطية حديثة تجمع كل الأطياف الوطنية السورية المختلفة، عبر اتفاق سلمي جديد يشبه اتفاق الطائف شكلاً ويختلف عنه مضموناً، كماً ونوعاً.