معركة الرئاسة والطائف..
مع اقتراب موعد الذكرى الحادية عشر لإغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، تترسخ معادلات جديدة، بعيدة عن معطيات المرحلة السابقة، وعن الفرز الذي كان قائماً بين "8 آذار" و"14 آذار".
خلال الأعوام الأخيرة، بدا واضحاً أن كل طائفة تحاول تحصيل ما أمكن من مكاسب في النظام اللبناني الذي أرسي بعد اتفاق "الطائف". التقى تيار "المستقبل" ورئيس الحكومة السابق – في المرات النادرة – عند حماية موقع الرئاسة الثالثة، والتقى "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، عند ضرورة اقرار قانون انتخابي عادل، يؤمن صحة التمثيل، وقدرة الشرائح المسيحية في اختيار نوابها.
ليس الفرز القائم منذ أشهر، حكراً على القضاياً الكبرى. تمدد ليطال ملفات أصغر، مثل الإستياء في الأوساط المسيحية من قرار وزير المال علي حسن خليل تعيين الموظف محمد سليمان مكان رئيسة دائرة كبار المكلفين في بيروت باسمة أنطونيوس، او عودة النقاش في دور مديرية أمن الدولة، على خلفية بيان المجلس الأعلى لطائفة الروم الكاثوليك الذي انتقد "الحصار الماليّ والتضييق".
انتقل لبنان وتحديداً منذ جلسة "تشريع الضرورة" الأخيرة، واقرار قانون استعادة الجنسية للمتحدرين من أصل لبنان، الى مرحلة صراع الطوائف، وبدا واضحاً أكثر مع اعلان رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع تبني ترشيح رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون.
هذا الصراع، بدأ يتحول الى محور اساسي في النقاشات السياسية، خصوصاً ان البعض يتوقع أن يتزخم هذا الصراع، بين فريق يؤيد تعديل الطائف، وآخر يعارضه، على رأسه – المرشح الرئاسي – رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية، ومن يدعمه للوصول الى سدة الرئاسة الأولى، وخصوصاً تيار "المستقبل"، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس "اللقاء الديقراطي" النائب وليد جنبلاط.
قبل أيام قليلة، نقلت مصادر كنسية مطلعة لـ"المدن" تخوفاً فاتيكانياً من تعديل إتفاق الطائف، على الرغم من مباركة التقارب المسيحي والمصالحات بين الأفرقاء، خصوصاً أن دوائر الفاتيكان متمسكة، اكثر من اي وقت مضى، بهذا الاتفاق، الذي أوقف العد بين اللبنانيين على قاعدة الانتماء الديني، ولأنه يشكل نموذجاً يُحتذى به، كما أن أي طرح للتعديل او المساس بالإتفاق سيشكل ضربة، ليس لصيغة العيش المشترك في لبنان فحسب بل قد يؤثر على المنطقة برمّتها.
ما تقوله دوائر الفاتيكان يتقاطع مع قراءة تيار "المستقبل"، وخصوصاً الرئيس سعد الحريري، الذي ينقل عنه ما يشبه قناعة بأن جعجع يحاول التقرب من "حزب الله"، من دون استبعاد أن يقوم عون بدور الوسيط. كما ينقل عنه حديث أيضاً عن محاولات مستقبلية لتعديل اتفاق الطائف من الثنائي المسيحي و"حزب الله"، عبر تحالف مستتر، لكنه يشكك في امكانية تحقيق هذا الهدف، نظراً الى موقف الأطراف الأخرى في البلد المعارضة.
قراءة "المستقبل" تتعارض مع وثيقة معراب، خصوصاً أن أول بند منها يشدد على التمسك بإتفاق "الطائف"، لكن في الشكل فإن السياسة عامل متحرك، خصوصاً أن لدى طرفي "اتفاق معراب" قراءة خاصة للطائف، برزت منذ تأييد قانون "اللقاء الأرذثوذكسي" الإنتخابي، وبالتالي إذا وجد الطرفان حاجتهما في تعديله، أو على الأقل طرح تعديله، فسيلوحان بهذه الخطوة، وفق ما تقول المصادر، خصوصاً أن عون وجعجع يعتبران، إنطلاقاً من هموم مسيحية شعبوية، انهما متضرران من "الطائف".
في هذه المعركة المحتدمة يبرز الملف الرئاسي كإحدى ساحاتها، خصوصاً أن فرنجية يعتبر من أكثر المتمسكين بـ"الطائف"، وبالتالي يتحدث البعض عن أن فرنجية يريد إعادة إحياء ما يشبه "الترويكا"، التي كانت سائدة بين رفيق الحريري وبري والرئيس السابق الياس الهراوي، ولكن بصيغة منقحة تضمه الى جانب "المستقبل" وبري، على صعيد الرئاسات الثلاثة، إضافة إلى "الحزب التقدمي الإشتراكي".
منذ اعلان جعجع تبني ترشيح عون، بدا أن لبنان مقبل على مرحلة فيها الكثير من خلط الأوراق. ليس جديداً في خطاب "التيار الوطني الحر" الحديث عن تعديل الطائف، وتعزيز حضور الطوائف المسيحية في النظام، كما ان ذلك ليس جديداً على أدبيات "حزب الله"، من "الثورة الإسلامية" إلى "المؤتمر التأسيسي"، لكن الأكيد ايضاً أن الجو الدولي، حتى الساعة، مع ثوابت النظام اللبناني، و"الطائف"، وهو ما يعول عليه فرنجية للوصول الى بعبدا.