وثيقة "حزب الله" لا تستحق هذا الاهتمام

النوع: 

 

غريب امر الاعلام (واهل السياسة) كيف تعامل مع الوثيقة السياسية لـ "حزب الله" كأنها اكبر من اتفاق الطائف الذي تجاوزته الوثيقة بقصد او من غير قصد، علما انها وثيقة اعلامية ليس اكثر على ما اظن، وهي اعلان عن نية الحزب بدء مسيرته الاصلاحية بعدما كاد يغرق في الوحول اللبنانية ما ان يمم شطر الداخل، مخففا وتيرة العمل العسكري المقاوم الذي لا يمكن ان يستمر كما بدأ وخصوصاً انه لم يعد يجد التأييد الضروري اللازم لاستمراره، رغم العبارات المنسقة للبيان الوزاري بشأن المقاومة.

والوثيقة ايضا اعلان من الحزب عن اندماجه اكثر في الحياة السياسية بل والادارية الداخلية وفق رؤية يحاول ان يرسمها لنفسه، بل حاول ذلك خلال مناقشات مؤتمره الاخير، واظن انه لم يتوصل الى كثير نتائج فجاءت بعض عبارات الوثيقة مبهمة، ترسم صورة واقع الخلاصات، الى بعض من ابهام مقصود في موضوعات اخرى.

لكن سؤالي الاساسي هو عن قيمة تلك الوثيقة بالنسبة الى الشركاء في الوطن؟ تكفي جولة سريعة على وثائق وبيانات اخرى لرسم معالم للمستقبل:

هل سأل احد عن وثائق ومعتقدات الحزب السوري القومي الاجتماعي حول سوريا الكبرى الحلم الذي تحول بفعل الواقع والتطورات، وصار طموح الحزب مقعد نيابي او كرسي وزاري لم يتحقق؟

هل سأل احد عن الكتاب البرتقالي الذي حدد فيه "التيار الوطني الحر" رؤاه السياسية والاقتصادية والاجتماعية قبل ان يسحبه من التداول من دون تبرير الاسباب؟ او سأل احدهم العماد عون عن رفضه اتفاق الطائف ثم العمل من ضمنه؟

هل سأل احد عن مبادىء الاشتراكية التي يعتمدها الحزب التقدمي الاشتراكي في ممارسات رئيسه وتحالفاته المتبدلة من سنة الى اخرى؟ او عن علمانية غير موجودة؟ او عن "الادارة المدنية" في الجبل؟

هل حاول احد ان يسأل "تيار المستقبل" عن الالية التي يعتمدها في انتخاب رئيسه وقيادته وفق الترخيص الذي ناله بعلم وخبر من وزارة الداخلية؟

هل سأل احد عن الاحزاب الناصرية العروبية والتي لم تحدد حتى الساعة معنى العروبة والتي ما زالت تخلط بين العروبة والاسلام عن جهل ربما يكون مقصودا لدى البعض الذي يفيد من عناوين العروبة والاسلام لجمع بعض المال؟

هل ان حركة "امل" هي حركة المحرومين التي اسسها الامام موسى الصدرمع غيره لتجمع اناسا حرموا لدى كل الطوائف وفي كل المناطق قبل ان تتحول شيعية بل منفعية سلطوية لبعض اهل الشيعة في لبنان؟

هل سأل احد حفيد مؤسس الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل عن رؤيته للفيديرالية وعما اذا كانت تنسجم مع الرؤية التي وضعها جده الذي كان يطمح مع غيره الى لبننة كل المناطق وخصوصا التي اعتبرت ملاحق بلبنان الكبير؟

هل تصدقون ان ثمة من يسأل ويحاسب في لبنان؟ بالتأكيد لا. لذا يمكن لكل حزب وتيار ان يعلن ما شاء، وان يعدل في رؤيته متى يشاء، وان يناقض مبادئه ووثائقه وحتى معتقداته.

ثم اريد ان اطرح موضوعا ثانيا فيه بعض الدفاع عن الحزب لا من منطلق سياسي، بل عملا بمبدأ طي صفحات الماضي وعدم التخوين في كل حين لانه لا يؤسس لشيء الا تعميق الهوة بين اللبنانيين. قالوا ان الوثيقة هي " لبننة حزب الله"، والقبول بهذه العبارة يعني القبول ضمنا بان الحزب لم يكن قبل الوثيقة لبنانيا، وبصريح العبارة كان ايرانيا او تابعا للمحور السوري - الايراني، وفي الامر اهانة لا للحزب بذاته، بل لجمهوره، وبينهم عائلات لشهداء لم يسفكوا دماءهم لتحرير ارض ايرانية او سورية بل لبنانية ولو كانت دوافعهم المحركة اسلامية.

اما في التعليقات على الوثيقة فقد تابعت الجيد والمقبول والسخيف المضحك. يقول احدهم ان الحزب لم يؤكد نهائية الكيان اللبناني. معه حق، ولكن من تحدث عن نهائية هذا الكيان اهو الطرح الكتائبي لكتابة تاريخ مناطقي؟ ام هو طرح رئيس مجلس النواب لالغاء الطائفية السياسية كوسيلة ضغط يمكن ان تتحول عامل تهجير وهجرة فيبقى الكيان متحولا لا يشبه الاصل؟ ام هي فكرة سوريا الكبرى؟ ام هو "حزب التحرير" وغيره من المجموعات السنية المتطرفة والاصولية التي تدعو الى الخلافة الاسلامية والتي شرّع الوزير السابق احمد فتفت عملها ضد الكيان؟ وهل ان دعم بقاء السلاح الفلسطيني في المخيمات وفي خارجها هو ابقاء على الكيان ام تذويب تدريجي له؟

لقد اقتنع القواتيون بنهائية الكيان وحفظه من التقسيم بعد فشل مشروع " مجتمع الامن المسيحي" واقتناع الدكتور سمير جعجع بان لا امكان قائما للتقسيم وقيام الدويلات.

واقتنع الاشتراكيون بنهائية الكيان بعد زوال "الادارة المدنية" في الجبل وتعرض المنطقة لـ"غزو شيعي" وانقلاب قسم كبير من المسيحيين ناصروا العماد عون واستقواء دروز آخرين بدعم سوري على سيد المختارة.

واكد الشيعة تمسكهم بالكيان بعد الدعم الذي توافر لهم ماديا وعسكريا، مما عزز وجودهم على كل الصعد، وتحول طمعا ورغبة في السيطرة على كل مفاصل الدولة لا على جزء منها.

وتحولت رغبة بعض اهل السّنة عن الانضمام الى سوريا بعد تراجع دورهم فيها، وتطلع نظامها العلوي ناحية الفرس في ايران، وتعاونه مع الاتحاد السوفياتي" الكافر" سابقا، ثم مع كل ما هو معادٍ للمملكة العربية السعودية، وتمسكوا بالكيان بعد اتفاق الطائف الذي عزز وجودهم على حساب المسيحيين، واكدوا تمسكهم بنهائية الكيان بعد اتهامهم سوريا باغتيال زعيمهم الابرز الرئيس رفيق الحريري.

هذا غيض من فيض الفشل الداخلي الذي دفع باتجاه التمسك بنهائية الكيان، و"حزب الله" سيصل حتما الى هذه المرحلة وهذا الاقتناع، وربما تأخر بعض الوقت، لانه الاحدث في تاريخ الولادة ولانه الاحدث في العمل السياسي الداخلي.

وفكرة اخيرة لمن يخالفني الرأي سعيدا بما سماه "لبننة الحزب" اقول: لا تفرحوا اذا قرر الحزب ان يضع كل ثقله في الداخل، لان طاقته كبيرة، وتنظيمه دقيق، وجمهوره واسع، وماله كثير، وسلاحه وفير، ويمكنه ان يبدأ بـ"أكل الاخضر واليابس" قبل ان تعود المعادلة الداخلية لترسم له حدودا، خصوصا اذا كان مؤتمره الاخير لم يدرس جيدا خبرات المجموعات اللبنانية التي سعت سعيه سابقا قبل ان تصطدم بجدار الفشل الذي تعيش في ظلاله.

الكاتب: 
غسان حجار
التاريخ: 
الثلاثاء, ديسمبر 15, 2009
ملخص: 
لقد اقتنع القواتيون بنهائية الكيان وحفظه من التقسيم بعد فشل مشروع " مجتمع الامن المسيحي" واقتناع الدكتور سمير جعجع بان لا امكان قائما للتقسيم وقيام الدويلات.