طاولة الحوار العقيمة: إنّه فيتو الطوائف

النوع: 

لم يحدَّد بعد جدول أعمال طاولة الحوار. رئيس الجمهورية، صاحب الدعوة، أخذ وقته في اختيار المدعوّين، وفي ترتيب بعض الجوانب التقنية الخاصة بعقد الاجتماع الأول، فيما تبارى الآخرون في الحديث عن نقاط البحث. جماعة أميركا وعرب التسوية يريدون حصر النقاش في الاستراتيجيا الدفاعية على قاعدة أنها المشكلة الوحيدة التي تفرّق بين اللبنانيين. لكن الطرف الآخر الذي يعرف أن هناك عناوين أخرى ذات طبيعة خلافية استراتيجية، لا يعرض إضافتها إلا على سبيل الرد على المطالبة بحصر النقاش في الملف الدفاعي. لكن تطوراً برز في كلام منسوب إلى الرئيس نبيه بري قال فيه إنه يريد طرح موضوع تنفيذ بنود اتفاق الطائف الخاصة بإلغاء الطائفية السياسية على النقاش. وليس معروفاً بعد ما إذا كان آخرون في صدد إضافة الملف الاقتصادي ـــــ الاجتماعي على طاولة البحث.

على أي حال، ليس بمقدور أحد حصر جدول الأعمال ببند واحد. كذلك فإن فتح جميع الملفات الخلافية لا يعني أنه سيُصار إلى تفاهمات حقيقية عليها. فالحساسية العامة التي ظهرت عند المسيحيين إزاء فكرة تأليف هيئة تبحث في طريقة إلغاء الطائفية السياسية، تحولت إلى نوع من «الفيتو» المسموح استخدامه في ظل النظام الطائفي. وذلك يعني أنه يمكن فتح النقاش، لكن القرار محسوم حتى إشعار آخر، بأنه لا مجال للقيام بهذه الخطوة الآن. وليس في الأفق أي نوع من المعطيات عن أن الجهات الداعمة للخطوة تريد الدخول في مواجهة بشأن هذا الأمر.

ملفّا الطائفية السياسية والخطة الاقتصادية يوازيان ملف سلاح المقاومة

في الملف الاقتصادي والاجتماعي، ليس هناك أيضاً من هو مستعد لفتح مشكلة كبيرة قد تنتقل سريعاً إلى معركة مع الطائفة السنّية، باعتبار أن ربط الخطط الاقتصادية بآل الحريري يجعل من باريس ـــــ 3 عنوان المعركة المصيرية في الطريق الجديدة وعكار، دون أن يحصل سكان هذه الأحياء الفقيرة على كمية زفت كافية لترقيع شوارعهم. وبالتالي، فإنه بمجرد إعلان الرئيس سعد الحريري، ومعه الأقطاب الآخرون، أن استهداف الخطة يعني استهداف السنّة، سيأخذ ذلك فوراً مفعول «الفيتو» الذي يطيح النقاش بدل التوجه صوب انفجار لا يريده أحد. وبالتالي، يكون المسموح هو متابعات بالمفرّق لمواضيع قد تثير هي الأخرى مشكلات تشلّ الحكومة أو تعطلها.

وعندما يصل الأمر إلى ملف سلاح المقاومة، يبدو الأمر متجاوزاً الإطار اللبناني، علماً بأن مجرد رفض الشيعة المسّ بهذا السلاح لأسباب وأسباب، يمنحهم حق «الفيتو» نفسه الذي من شأنه تعطيل النقاش. ومن يرغب في متابعته خارج طاولة الحوار، فسيكتفي بلعبة التصريحات غير المفيدة. أما من يفكر باللجوء إلى خطوات عملية أو ميدانية، فسرعان ما سيتذكّر السابع من أيار. وهو أمر لا علاج له عند الطوائف الكبرى أو الطوائف الصغرى التي يبدو حضورها على طاولة الحوار كملاحق غير قادرة على الدخول في صلب القرار.

أما الجانب الآخر من ملف سلاح المقاومة، فيتصل بحسابات تتجاوز مع الأسف غالبية القوى اللبنانية، لا لأن حزب الله يريد تجاوزها، بل لأن هذه القوى اتخذت موقفاً من الصراع مع إسرائيل يجعلها هامشية جداً. وبالتالي، فإن المسار الإقليمي والدولي المتحكم بسلاح المقاومة، هو المسار غير المتأثر باللعبة اللبنانية الداخلية. حتى إن سعي السعودية وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية إلى حفظ التسوية القائمة مع سوريا الآن، يشتمل ضمناً على سحب هذا البند من جدول الأعمال الحقيقي. فكيف وحال المقاومة قد تبدلت بصورة غير متوقعة خلال السنوات الأربع الماضية؟

يجب أن يقود ذلك إلى استنتاجات بديهية تقول إنه ليس منتظراً خروج طاولة الحوار بأي تفاهم على أي من المواضيع الرئيسية الثلاثة. وما يمكن التفاهم عليه اقتناعاً أو مداراة كما حصل سابقاً، هو بالضبط ما انتهى إليه الحوار في جلساته السابقة. وبالتالي، فإنّ بقية الأمور تظل رهن موازين القوى التي تتحكّم بقواعد اللعبة السياسية في لبنان والمنطقة والعالم. في هذا المعنى، يجب التعامل بواقعية شديدة في سياق عدم التوجه صوب المزيد من التوترات، لأن ما هو كامن لا يزال كامناً، ومن الصعب الحديث عن انتفاء أسباب الانقسام المذهبي والطائفي، وخصوصاً أن دولاً كبيرة مثل الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر والسعودية متورطة في إبقاء حالة الجهوزية عند القوى الراغبة في تفجير البلاد على أساس طائفي ومذهبي وأقلوّي.

يبقى أنه في انتظار تطورات كبيرة تقلب الأولويات وتعيد رسم القوانين الناظمة لحياتنا السياسية، فإن اللبنانيين سيظلون في حالة استنفار. ينتظرون أي حدث يجري من حولنا لأنه سيكون حاملاً لرياح تقترب منا مباشرة. ومن ذلك ما هو عالق بين إيران والغرب، أو ما ستسفر عنه الانتخابات العراقية، أو أي مسار ستسلكه العلاقات التركية ـــــ العربية، وكيف ستواجه إسرائيل مأزقي الحرب والسلام، وهل صحيح أننا نقترب من جولة جديدة من الأزمة المالية العالمية؟ وكيف سنتصرف مع مسارعة دول كبرى إلى التعامل بطريقة مختلفة مع إنتاج النفط وبالتالي تبدّل أسعاره؟

الكاتب: 
إبراهيم الأمين
التاريخ: 
السبت, مارس 6, 2010
ملخص: 
ليس بمقدور أحد حصر جدول الأعمال ببند واحد. كذلك فإن فتح جميع الملفات الخلافية لا يعني أنه سيُصار إلى تفاهمات حقيقية عليها. فالحساسية العامة التي ظهرت عند المسيحيين إزاء فكرة تأليف هيئة تبحث في طريقة إلغاء الطائفية السياسية، تحولت إلى نوع من «الفيتو» المسم