بعد فشل الانقلاب.. عملية تفكيك اتفاق الطائف بدأت
استطاع “اتفاق الطائف” أنْ يُنهي أعوام الحرب الأهلية اللبنانية، باعتماده حلاً قام على أساس إهمال الواقع الديمغرافي العددي للمواطنين المسلمين والمسيحيين، واعتماد المناصفة التامة، وتوزيع النسب المذهبية في كلا النصفين، بما لا يُمكّن أياً من المذاهب في لبنان، من امتلاك الثلث منفرداً، وتالياً حاجة الجميع إلى التوافق الدائم في إطار ما يُسمّى باصطلاح “الديموقراطية التوافقية”، ولكن عملياً وبسبب سوء تطبيق هذا الاتفاق الذي عهد للنظام السوري تنفيذه، فكرّس هذا الاتفاق صيغة المحاصصة الطائفية والمذهبية التمثيلية للجماعات والطوائف في إطار نظام يقوم على تقاسم المناصب الإدارية، بهدف إعطاء شرعية للاحتلال السوري للبنان طيلة السنوات الماضية.
ولكن بعد انسحاب قوات نظام الأسد من لبنان عام 2006، بدأت محاولات هذا النظام ضرب هذا الاتفاق لإسقاط جوهره العربي من ناحية ولزعزعة الاستقرار الأمني الذي نعم به لبنان طيلة تلك السنوات بعد الحرب الأهلية، فكان “حزب الله” جاهزاً لتنفيذ الانقلاب على اتفاق الطائف وذلك لأسباب طائفية مذهبية وديمغرافية وقد جاهر بهذا الامر علناً حسن نصر الله عندما قال في إحدى خطاباته ان أعداد المسيحيين في الأعوام المقبلة ستتضاءل ولن تتجاوز الـ17 بالمئة وبالتالي ليس من المنطقي أن تستمر المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، كما ان طرح المثالثة لم يغب عن سلوك حزب الله في الحكم وبدا ذلك واضحاً من خلال ابتداعه قضية الثلث المعطل داخل الحكومة وداخل مجلس النواب.
وفي هذا السياق تشير أوساط سياسية رفيعة الى أن محاولات المحور الإيراني-السوري الانقلاب على الطائف قد فشلت كلياً، مشيرة الى المراحل العديدة التي قام بها حزب الله والتي هدفت جميعها للانقلاب على الطائف عبر إحداث أزمات للخروج بتسوية تطيح بالطائف على قاعدة ان الأقوى هو من يفرض شروطه، وقد بدأت هذه المحاولات عبر استجلاب حرب مع إسرائيل عام 2006 وبعدها اجتياح بيروت عام 2008 وصولاً الى محاصرة السراي الحكومي في عهد الرئيس فؤاد السنيورة، وإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2011 وإنقلاب القمصان السود، وتعطيل المجلس النيابي لأعوام عديدة قبل ان يصل الى هدفه بالتسوية الرئاسية التي أوصلت ميشال عون رئيساً للجمهورية والتي فعلياً كرست منطق المثالثة الذي يريده حزب الله دون شرعنته قانونياً بالانقلاب العلني على الطائف.
فالعديد من المتابعين يرون ان حزب الله فشل في إسقاط الطائف وهو فعلاً تراجع عن مطالبته العلنية بإلغاء الطائف واستبداله بالمثالثة انما ذهب بمشروع آخر هو تفكيك الطائف وتفريغه من مضمونه، مستغلاً بعض الاعتبارات أبرزها
1- الخطاب “العوني” الذي يتهم “الطائف” الذي وضع حدّاً للحرب الأهلية في العام 1989 قد أدّى إلى خسارة الامتيازات التي كانت لدى هذه الاغلبية في الجمهورية الأولى وإلى إعلاء المسلمين درجة إضافية في النفوذ السياسي.
2- يعتبر معظم الشيعة في لبنان، أن اتفاق الطائف قد تمّ في ظروفٍ إقليمية محدّدة كانت أعطت المملكة العربية السعودية أرجحية عربية وإسلامية، وأن هذه الظروف تبدّلت اليوم في المنطقة، وفي لبنان خصوصاً، مع بروز إيران قوة إقليمية وازنة، كما تبدَّل دور الطائفة الشيعية من طائفة “محرومة” إلى طائفة “مقاتلة” بحجة حماية لبنان في وجه اسرائيل والارهاب.
3- غياب الفعالية الوطنية في الدفاع عن الوفاق الوطني الذي أثمر اتفاق الطائف كصيغة تعلو فوق الطائفية والمذهبية بالمعنى الضيق لتحمي لبنان:
في الوسط المسيحي لا حماسة فعلية لحزب القوات اللبنانية والكنيسة في الدفاع عن الطائف كما لا قرار في مواجهة الرئيس عون، قائد الانقلاب على اتفاق الطائف، خوفاً من العودة إلى “الانقسام المسيحي”!
في الوسط السنّي تغيب الفعالية السياسية لصالح القبول بكل شيء مقابل البقاء في السلطة، كما تغيب امكانية بروز تيار معارض قادر على استقطاب النخب من كل الطوائف للدفاع عن الدستور!
في الوسط الدرزي تبقى الامكانيات محدودة نظراً لغياب الشريك الوطني – السنّي بالتحديد – وغياب الشريك المسيحي عملياً!
انطلاقا من هذه الأسباب يمكن القول ان اتفاق الطائف يمر بمرحلة التفكيك وبالتالي نسف الصيغة الوطنية العابرة للطوائف التي أرساها، وعملية استبدال الانقلاب على الطائف بتفكيك الطائف انطلقت عبر التسوية الرئاسية التي بدأت بانتخاب عون رئيسا للبنان، إلا انه الآن ومع احتدام الصراع الإيراني-الأميركي قد تعود العقارب للوراء عبر العودة للانقلاب بدل التفكيك في حال قرّرت إيران وضع الفوضى في لبنان لمواجهة العقوبات الأميركية.