الطائف… بأناشيد بالية

النوع: 

 

يبدو الجدل الاستباقي والمبكر بصورة مفرطة ومثيرة للشبهة حول جدول اعمال طاولة الحوار بمثابة استعجال لسلخ جلد الدب قبل اصطياده. او لعلها محاولة مكشوفة لتثقيل هذا الحوار بما يحتمل ولا يحتمل واقعيا في اطار الضغط على الفريق المتحفظ عن شرعنة سلاح "حزب الله" في البيان الوزاري لموازنة ابقاء هذا الملف مفتوحا بفتح ملفات اخرى لا تقل اهمية في المعايير "الإستراتيجية" الداخلية بل تتصل بصلب التركيبة اللبنانية.

كان يمكن جدلا مماثلا ان يشكل بشارة سارة لو جاء في سياق تغييري اصلاحي "صادق" وحقيقي لأزمة النظام، او ضمن مشروع متكامل تطرحه مجموعة موالية او مجموعة معارضة، ولا فرق هنا بين الالوان والانتماءات ما دام الهدف وضع ازمة النظام على الطاولة كما.

اما وعناوين الحوار قد بدأت تسابق البيان الوزاري، وتطرح استنسابيا و"بالمفرق" مع توسيع لإطاره من هنا وتضييق من هناك، واعلاء "لالغاء الطائفية السياسية" كنشيد ثوري حماسي يعوض فجأة كل جاهلية الطائفيات والمذهبيات والقبليات، فان الامر يغدو اصعب من ان يهضم بسهولة ولن يكون مروره سلسا بمثل "التبسيط البريء" الذي يدغدغ احلام الانعتاق من واقع الازمات المتناسلة.

ثمة محاذير وتناقضات فاضحة تشوب بداية هذا "الموسم الدعائي" الناشئ، ليس اقلها المحاذير الدستورية ومن بعدها الافخاخ السياسية الواقعية التي لن ينجو منها احد.

فأي منطق يجيز بداية تأليف "حكومة وحدة وطنية" موصوفة، كلفت ما كلفت، ثم يُنصَب المقتل الدستوري الاول والعاجل لهذه الحكومة بتفريغها من صلاحياتها الأم الاساسية؟

موضوع المقاومة والسلاح جيّر استثنائيا وفي ظروف استثنائية قاهرة لطاولة الحوار حين كان النزاع على اشده على شرعية الحكومة. واذا كان للمنطق السوي ان يتحكم بزمام الامور، فلم يعد جائزا مع تشكيل الحكومة الجديدة ان يطرح هذا الملف خارج طاولة مجلس الوزراء. لقد شاءت المعارضة الحكومة على شاكلة التمثيل النيابي زائد الميزان "الميداني" العملاني الذي جعل الكفة راجحة تماما لغير الاصول التي تفرض قيام حكومة كفريق عمل متجانس. ومع ذلك يراد للحوار ان يشكل نقطة كسب سياسية اضافية بنزع صلاحيات الحكومة في القبض على الملفات المصيرية. فأي ازدواجية اكبر من هذه، في التوفيق بين حكومة هي نتيجة امر واقع لا مرد لمفاعيله وتحويلها "حكومة ادارية" في الوقت نفسه؟

المفارقة الاخرى الضاجّة بازدواجية مماثلة تتمثل في تسليط الضوء على اخفاقات دون اخرى في تنفيذ اتفاق الطائف، ودائما على شاكلة ابراز "الفزاعات" لابقاء توازن الردع مسلطا فوق الرؤوس.

ولان زمن الفزاعات اضحى فاقدا كل مفعول وكل صلاحية، فان اي تقويم جدي لما يسمى ثغر الطائف لم يعد يجد صدى وبريقا لا في الآذان ولا في المشاعر ولا في الواقع، لان عشرين سنة من تجريب المجرب اكثر من كافية لاختبار "المصلحين" والفرز بين الحقيقيين منهم والزائفين.

ثم ان اي طائف هذا يراد له الانبعاث وقد اقيمت فوق اطلاله وركامه دعامات النظام الرديف القوي الذي اختلطت معه صلاحيات الرئاسات بسطوة الزعامات الى حد ان السطوة الواقعية باتت تقيم في لبنان اكثر من عشرة رؤساء؟ واي طائف توحيدي بقي للدولة والشعب وقد بات "النظام الفيديرالي" بقضّه وقضيضه حقيقة ساطعة لا يحجبها اي تكاذب او مداهنة بدفع من الجميع وبقبول ضمني جماعي لا مرد لإنكاره؟

بعض ما في هذا المشهد الناشئ يثير الضجر من رتابة اناشيد قديمة يراد لها ان تعود الى الواجهات المتهالكة. والمسألة كلها صراع مستمر ومتماد على السلطة وداخل السلطة. قبل تأليف الحكومة صراع فج وحاد. وبعد تأليفها صراع مهذب بقفازات، ولا اكثر ولا اقل. وبلا اناشيد ثورية بالية.

الكاتب: 
نبيل بو منصف
التاريخ: 
الأربعاء, نوفمبر 25, 2009
ملخص: 
ثم ان اي طائف هذا يراد له الانبعاث وقد اقيمت فوق اطلاله وركامه دعامات النظام الرديف القوي الذي اختلطت معه صلاحيات الرئاسات بسطوة الزعامات الى حد ان السطوة الواقعية باتت تقيم في لبنان اكثر من عشرة رؤساء؟ واي طائف توحيدي بقي للدولة والشعب وقد بات "النظام ال