"ترف" مسيحي خطر!
تبرز جولة الاحتدام الاعلامي والسياسي المتصاعدة بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" منذ اسبوعين جانبا من الجدية يستحق التعامل معه بغير مشاعر القنوط والتأسي اللذين يغلبان على الارجح على معظم المسيحيين كلما اشتعلت الحوربة بين هذين الفريقين. وهو جانب يستحضر التنافس على الشارع المسيحي على غرار المرحلة التي واكبت اقرار اتفاق الطائف مما يكسبها طابعا يتجاوز الحسابات الانتخابية وحدها، ولو ان هذا العامل يشكّل المحرك الاساسي للاحتدام الناشئ.
لذا يتعين ابراز بعض الحقائق الراهنة لئلا يغشى الغبار الاذهان ويظن المسيحيون انهم امام مجرد جولة مترفة من جولات التنافس على الشارع فقط. ومن هذه الحقائق ان على الافرقاء المسيحيين خصوصا ان يأخذوا على محمل الجدية القاطعة ان البلاد تهرول نحو خطر تقويض النظام والطائف، مما يستتبع تحويل مجرى النقاش الملتهب الى هذه الوجهة والسؤال ماذا تراهم سيفعلون وبالاصح وفق اي ميزان قوى سيتعاملون كمسيحيين ان واجهوا مجددا خطرا بهذا الحجم؟ اذا كان الطائف كفل في حينه المناصفة "الابدية" للمسيحيين كضمان امام خطر العددية، فأي ضمان غدا ان انهار الطائف تحت وطأة التورطات في الازمة السورية وانفلات كل مرتكزات النظام وسط استعادة اشد خطورة بكثير هذه المرة للانقسام المسيحي المماثل للانشطار الكبير عشية الطائف وغداته؟
لا تثير موجة الاحتدام الراهنة مهما بلغت حدتها اي خشية حقيقية من استعادة حقبات التحارب المسيحي. فعلى الاقل ولت هذه اللعنة الى غير رجعة، لا بل ثمة وجه ايجابي دائم في التعددية المسيحية ولو اثارت الحملات الاعلامية اشمئزاز الكثيرين متى توغلت خصوصا الى مستويات انحدار كلامي محمول بالعدوانية. ومع ذلك ثمة ما قد يغيب عن القيادات المسيحية حين تتمادى في الاحتدام وهو انها تبدو كأنها تغرد خارج الواقع اللبناني الاوسع من حدود تنافساتها المباشرة بل وساحات مناطقها، وقت تغلي المناطق ذات الغالبيات الاسلامية على مرجل الصراع المذهبي. يشبه ذلك تماما ما حصل في مؤتمر الدوحة الشهير عام 2008 حين ذهل القادة السنة والشيعة والدروز سواء بسواء لدى رؤيتهم القادة الحلفاء يقبلون بحرارة منقطعة النظير على ملفي قانون الـ60 اياه وانتخابات الرئاسة قبل التوصل الى تسوية امنية لاحتواء المفاعيل المدمرة لاجتياح 7 ايار في بيروت. بذلك لا داعي لاسقاط تلك التجربة "المصغرة" على النسخة المكبرة الان. ولا نظن انه يسهى عن القادة المسيحيين خطر انغماسهم حتى "الثمالة" في جدل بيزنطي حول افضلية "الارثوذكسي" او "المختلط" او التناكد والمناورة على الـ60، وقت يهدد الفراغ والفتنة وكل مشتقاتهما الكيان اللبناني وليس نظامه فقط.