لبنان: الرياح التأسيسية تُقرّب بين المتخاصمين
إعلان النوايا الذي نُشر في أعقاب اللقاء الذي حصل في الرابية بين العماد عون والدكتور سمير جعجع، حمل مجموعة من العناوين المهمة، والتي تنم عن حرص الطرفين على الشراكة الوطنية، لاسيما التأكيد على مرتكزات الدستور، ومقررات طاولة الحوار الوطني، والأهم التمسك بمندرجات وثيقة الوفاق الوطني، أي اتفاق الطائف. وهذه الاشارة للطائف ترد للمرة الاولى في أدبيات التيار الوطني الحر، حيث كان رئيسه العماد ميشال عون معارضا لهذا الاتفاق في العام 1989.
إلا أن التأكيد على الثــوابت الوطنـية في بيان اعلان النوايا، لا يخــفي بأي حال مــن الاحــوال الاهــداف الوجودية للقاء النادر بين الرجلين اللدودين، فالاعتبارات التأسيسية بدت واضحة بين سطور البيان، وفي تصاريح الزعيمين عــقب اللـقاء، ذلك ان الاشارة الى اعادة التوازن الى مؤسسات الدولة تؤشر الى الاعتــقاد الثابت لدى الحزبين، ومن يقـف خلفهما، بأن خللا ليس في مصلحة المسيحيين، يعتري أجهزة الدول المتنوعة، كما أن الدعوة الى ضرورة تطبـيق اللامركزية الواسعة، يُمكن أن تفسر على أنها إشارة الى رغبة بالتحلل من بعض الالتزامات الوطنية السالفة الذكر.
وما يعزز هذا الاعتقاد، تمسك الطرفين بضرورة البحث في قانون الانتخابات الجديد، وقانون استعادة الجنسية للمغتربين اللبنانيين كشرطين لحضور جلسات التشريع، قبل أن يبحث مجلس النواب أي بند آخر، بما في ذلك تشريع الضرورة للقروض والهبات العربية والدولية المهددة بالضياع.
من حق القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر أن يلتقيا رغم الخصومة الثابتة على امتداد ما يقارب الثلاثين عاما، ذلك ان الأوضاع الخطيرة التي يعيشها لبنان ومحيطه، تستدعي تجاوز الخلافات السياسية، والنظر الى المصالح الاستراتيجية البعيدة المدى، لكن تجاوز الفريقين لخلافات جوهرية، خصوصا مسألة الفراغ في رئاسة الجمهورية، يؤثر سلبا على المصالح الكبرى، وتحديدا على مكانة ودور المسيحيين في لبنان والمنطقة.
لا يمكن استبعاد الأهداف التأسيسية عن لقاء الرابية، لأنه لا يمكن لغير هذه الأهداف أن تمحو التباين السياسي الواسع بين الفريقين. والأهداف التأسيسية مشروعة اذا ما ترافقت مع صحوة لبنانية خالصة، غايتها استدراك المهالك التي تواجه الوطن الجريح، لاسيما التحديات الأمنية والاقتصادية، ومخاطر الفراغ التي تهدد العديد من مؤسسات الدولة.
الرياح التأسيسية التي تطل من بعض الجهات، لها اتجاهان مختلفان. فبقدر ما يمكن أن تحصن الوطن من الاخطار التفتيتية القادمة - على غرار ما أكدت عليه القمة الروحية الاسلامية، ولقاء بكركي - بقدر ما يمكن أن تفتح هذه الرياح شهية البعض على طرح أفكار تنسف مرتكزات الوحدة الوطنية، بما في ذلك ميثاقية المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في اقتسام مراكز السلطة.
لا يمكن التسليم بمبدأ الاستقواء الدائم على الدولة بمناسبة المطالبة بالحقوق. كما أن خطورة تعطيل بعض مؤسسات الدولة، يُحدث نتائج عكسية عما يتصوره البعض أنه أداة ضغط للحصول على المطالب، بما في ذلك قانون الانتخاب، وقانون استعادة الجنسية للمغتربين.
ان الاخطار الوجودية التي تشعر بها معظم مكونات النسيج الوطني اللبناني، لا تواجه بمطالب ثقيلة قياسا الى توقيتها، واستنادا الى أولويات المحافظة على الدولة كحاضنة دستورية لكل هذه المكونات. لقاء الرابية في غاية الايجابية اذا كان معدوه قصدوا أن يكون مدماكا لتعزيز الحوار بين الجميع، ولتدعيم الوحدة الوطنية.