مزيج من فؤاد شهاب ورفيق الحريري....!!

النوع: 

 

لم أحبّذ زيارة رؤساء الحكومة السابقين السنيورة، ميقاتي وسلام والذين تربطني بهم علاقة ودٍّ ومودّة، إلى الرياض. في الظاهر، أوحت الزيارة، بهدف دعم الاستقرار في لبنان، والحرص على أهميّة الحفاظ على اتفاق الطائف، بعد محاولات جهات سياسية لزعزعة الاتفاق، إضافة إلى دعم موقع الرئاسة الثالثة في ضوء محاولات البعض للتسلط وتخطي الأصول المتبعة.

والمُلفت أن رئيس الحكومة سعد الحريري لم يقابل لحينه الرؤساء الثلاثة لاطلاعه على نتائج لقائهم مع المسؤولين السعوديين علماً أن زيارتهم إلى الرياض جاءت بالتنسيق معه الأمر الذي يثير الريبة والاستغراب، لكن ليس هذا جوهر الموضوع. أسارع إلى القول بأن أحداً لا يجادل بإهميّة المملكة العربية السعودية، فيها البوصلة حين تلوح في الأفق المصائب والمِحَن، ويخيّم شبح الأزمات العصيّة على الحلّ ولا أحد يجادل أيضاً بزُخُم العلاقات اللبنانية السعوديّة وبدعم المملكة للبنان منذ عهد الإستقلال اللبناني وتأسيس المملكة العربية السعوديّة.

وإذا كان بالفعل هدف الزيارة دعم الطائف كما أشيع واستقرار لبنان فكان من المفيد أيضاً أن يزور الرؤساء الثلاثة طهران، وحث الملالي لإخراج لبنان من الكومنترن الشيعي (على وزن الكومنترين الشيوعي زمن الاتحاد السوفياتي) وحلّ الجناح العسكري "لحزب الله" ("حزب الله"، الجيش السرّي في خدمة سيدين ايران الخمنية الحرسية وسوريا الأسد، وضاح شرارة، "دولة حزب الله"، دار النهار للنشر)، ذلك أن زعزعة اتفاق الطائف لم يعد مُقتصراً فقط على الأرباب الجدد للمارونيّة السياسيّة بل أضحى يشمل أيضاً "أركان الشيعيّة السياسيّة" حين بدأنا نسمع بالمثالثة وما شابه!

وإذا كانت الزيارة بهدف دعم للطائف ووحدة لبنان واستقراره فكان من الأجدى أيضاً للرؤساء الثلاثة أن يصطحبوا معهم سياسيين من طوائف أخرى، فالطائف في الأساس لم يتم التوصل إليه لمصلحة السنّة فقط بل لمصلحة كل اللبنانيين.

في ضوء ما سبق، أميل إلى الإعتقاد، بأنّ الزيارة هدفت إلى استنهاض "السنيّة السياسيّة" وتذكير من يهمهم الأمر، أنّ هنالك سنداً خارجيّاً، يُشكّل رافعةً لها. وهنا، اختلاف النظر بين الرؤساء الثلاثة وبيني، لأنّني ضدّ أية طائفية سياسية، ذلك أنني علماني النشئ والنشأة وأسعى إلى وطنيّة لبنانية علمانيّة منفتحة ومتسامحة، إضافة إلى أنّه ليس المطلوب دعم السنّة، بل اللبنانيين جميعاً على مختلف طوائفهم... وهذا لا يمكن تحقيقه بجعل الرياض حائط مبكى سياسي!! ذلك أنّ هنالك وسيلة أنجح وأفضل إلاّ وهي النضال السياسي الداخلي فما حكّ جلدك... إلاّ ظفرك!!

من جملة الإنتقادات التي كانت تُوجّه إلى اليسار اللبناني في الستينات والسبعينات، أنّه استسهل العمل السياسي في البيئات الإسلامية، وهي بيئات إسلامية، خصبة لدعوات اليسار نتيجة عدة عوامل لا مجال لذكرها منعاً للإطالة... وكان التحدي يكمن في النضال السياسي في البيئات المسيحيّة المحافظة، لكسب التأييد. في السياق نفسه، فكان من الأجدى على رؤساء الحكومة الثلاثة السابقين بدلاً من الذهاب إلى الرياض، إنشاء فرق عمل وتأليف هيئات ومجموعات لإختراق البيئات الإجتماعية والسياسيّة التي تجنح إلى زعزعة اتفاق الطائف من خلال عقد اللقاءات والندوات وشبكات التواصل الإجتماعي والمهرجانات إلخ... والمثابرة على بذل الجهود، لإقناع المعنيين، أن الأفضل والأحسن تطبيق الطائف والعمل على اثرائه بدلاً من الإنقضاض عليه باسم الأقلوية والطائفية والتمسك بوحدة لبنان واللبنانيين أرضاً وشعباً.

والاعتقاد السائد أن الذي يُشكّك بإهميّة الطائف هو من يدّعي استعادة حقوق المسيحيين، ويا ليته قبل أن يطالب بذلك يسعى لاستعادة السيادة من حليفه حزب الله على أمل أن ينضوي سلاحه تحت راية الجيش اللبناني! لكن يبدو مع الأسف أنه لا مفر من اللجوء إلى الشعبوية والأقلويّة. وهنا يجدر تذكير من يهمه الأمر، أنه كلما جرت محاولات للانتفاض على ما سبق واتُّفق عليه، ينتج عن ذلك مزيدٌ من الخسائر للجهة نفسها، بدليل أن "الإتفاق الثلاثي" (حبيقة، جنبلاط، برّي، 28 كانون أول 1985) تضمّن مكتسبات "للمارونيّة السياسيّة" نسخها إتفاق الطائف، وللتذكير أيضاً "فالإتفاق الثلاثي" جرى الإجهاض عليه من قِبَل رئيس الجمهوريّة آنذاك أمين الجميّل وزعيم القوات اللبنانية سمير جعجع. هو نفسه، الذي عاد وانتفض على الرئيس الجميّل وأجبره على السفر خارج لبنان! ثم تبع ذلك حرب الإلغاء وحرب التحرير. وهكذا دواليك من صراع إلى آخر طمعاً بمكاسب تحولت إلى خسائر متراكمة.

والتوجّه إلى البيئة الشيعية يقتدي التوضيح أن المطالبة بالمثالثة والإستقواء الذي يمارسه "حزب الله" بسلاحه وصواريخه لن ولن يكون الضامن للبنانيين الشيعة، ولا إلى اللبنانيين أنفسهم. لقد أبلى "حزب الله" البلاء الحسن عام 2000 بعد دحر العدو الإسرائيلي من جنوب لبنان، لكنّ ممارساته وسياساته بعد ذلك، ولحينه تتعارض مع أبسط مفاهيم الدولة المستقلة، ذات سيادة. وهي حالة وصفها سابقاً هنري كيسنجر بـ قوات عسكريّة غير خاضعة للدولة: None state military group وهذه الحالة الشاذة، لم تشهدها ولعمري الدول منذ تأسيسها!

وإذا كانت حجة "حزب الله" بالإبقاء على سلاحه لصد أطماع إسرائيلية، فيقتضي الأمر تذكير البيئة الشيعية، أنّ هنالك وسائل بديلة للدفاع عن لبنان، أمّا إذا كانت الحجّة دحر الإرهابيين فما علمى المرء إلّا أن يسترجع تصريح أمين عام "حزب الله" حين لم يحبّذ دخول الجيش اللبناني إلى مخيّم نهر البارد (آب، 2007) بعدما عبث به الإرهابي شاكر العبسي ربيب المخابرات السوريّة قائلاً: "مخيّم نهر البارد خط أحمر" فالثابت أن التطرّف لا بل الإرهاب السنّي هو حاجة إيرانية !

خلاصة القول، أنّ استجداء الدعم الخارجي لأية فئة لن يُسمن ولن يغني من جوع. فالمطلوب الإتكال على النفس والمثابرة على النضال السياسي ولو تطلّب الأمر مشقّة. ثم أنّ وحدة لبنان واللبنانيين واستقرار البلاد وتقدّمه وازهاره ورفعة شأنه والعمل على ضمان ريادته وتألّقه لن يتحقّق إلا من خلال رجال حكم ينذرون، ويرزلون ويبذلون! ينذرون أنفسهم لخدمة بلادهم من خلال وطنيّتهم وصواب رؤيتهم وحكمتهم ونزاهتهم وتمسّكهم بوحدة لبنان واللبنانيين والتمسك العيش المشترك، ويرزلون الصفقات والسمسرات والمصالح الشخصيّة، ويبذلون جهدهم للإصغاء إلى الناس وتلبية طموحاتهم والرقيّ ببلاد الأرز إلى الأفضل والأحسن !

نريد رجال حكم يشكلون مزيجاً من كبيرين: الرئيس، الأمير، اللواء فؤاد شهاب (وهو يستحق كل الألقاب عن جدارة) هو الماروني العتيق الذي أشعرني أنا اللبناني المسلم بلبنانيتي وجعلها مرادفاً لعروبتي ، إن لم تكن سبّاقةً عليها، وهو الذي أشعرني أنّ الدولة، ليست لفئةٍ، بل للبنانيين جميعاً. من خلال حرصه على بناء المؤسسات والتمسك بالدستور والقانون.

أما الكبير الآخر، فهو الرئيس الشهيد رفيق الحريري، عرّاب "اتفاق الطائف" والمؤمن بوحدة لبنان والساعي لتقدّمه وازدهاره. هل يجب التذكير بقوله الشهير "وقّفنا العدّ"؟! ثم أن أبواب "الإليزيه" وقصر الإمبراطور الياباني آنذاك في طوكيو "اكاهيتو"، لم تُفتح له كونه رئيس وزراء لبنان المسلم السنّي!!

يكفي الإشارة إلى أن الحريري كان يُؤمن بأن وحدة البلاد لم تتمّ إلا بوحدة المكان، من هنا حرصه على إعادة إعمار وسط بيروت كي يشكّل مكان للتلاقي والتواصل. الأمر الثاني، أن رفيق الحريري شكّل مفارقة: أيّدته أو خاصمته، عاضدته أو عارضته، أحببته أو لم تحبّه... كان الحريري يشي بالثقة والإطمئنان.

فؤاد شهاب ورفيق الحريري. الأول مات حرقة وحسرة والثاني، ما إنّ وقع أرضاً مدرّجاً بالدماء، حتى شَخُصَت عيناه إلى دمشق وطهران!!

تُرى، هل قدرنا، في ضوء ما نشهد أن نتكئ على إنجازات كبار عبروا ورحلوا؟! كلا. لا نريد ذلك لأنّني أؤمن بما قاله أدونيس ... "إن الشعب المُحبّ الذي لا يحب إلا الذين ماتوا هو شعب مُحبّ للقبور!" ذلك أننا كنّا ولا نزال وسنظلّ... للمستقبل أنصار!

 

الكاتب: 
عبد الرحمن عبد المولى الصلح
التاريخ: 
الأحد, أغسطس 18, 2019
ملخص: 
إذا كان بالفعل هدف الزيارة دعم الطائف كما أشيع واستقرار لبنان فكان من المفيد أيضاً أن يزور الرؤساء الثلاثة طهران، وحث الملالي لإخراج لبنان من الكومنترن الشيعي (على وزن الكومنترين الشيوعي زمن الاتحاد السوفياتي) وحلّ الجناح العسكري "لحزب الله" ("حزب الله"،