إحتجاجات توحد أصوات اللبنانيين.. فهل تكسر قيود الطائفية؟

النوع: 

 

احتجاجات شعبية متصاعدة تشهدها لبنان بسبب الأزمة الاقتصادية المتصاعدة ومخاوف من انهيار العملة الوطنية وتصاعد مستويات الفقر والبطالة. لكن هناك جانب آخر لايقل أبداً أهمية عن الاقتصاد وهو المشهد السياسي الملتهب.  

هل تسقط انتفاضة "الواتس أب" حكومة الحريري؟

اتسعت رقعة الاحتجاجات في لبنان لتعم كافة مناطق البلاد، وأغلق خلالها محتجون الطرق في مناطق مختلفة بطول البلاد وعرضها، وتصاعدت انتقاداتهم للطبقة السياسية واصفين إياها بـ"الفاسدة" وطالبوا بإسقاط الحكومة واستقالة رئيس الجمهورية، مرددين الشعار المميز لثورات الربيع العربي "الشعب يريد إسقاط النظام".

وكان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري قد وضع مهلة زمنية مدتها ساعة 72 أمام كافة الشركاء في الحكومة "لتقديم حل مقنع" له وللشارع اللبناني والمجتمع الدولي، و"للتوقف عن تعطيل الإصلاحات" وإلا فسوف يتبنى نهجاً مختلفاً، مضيفاً أن أطرافاً أخرى بالحكومة - لم يسمها - عرقلت مراراً جهوده للمضي في إصلاحات، وهو ما فسره البعض بأنها رسالة موجهة للتيار الوطني الحر وحزب الله ليبدو وكأنه قد قلب الطاولة على الجميع:

باسيل يرد على الرئيس سعد الحريري بالقول "لا داعي للانتظار ٧٢ ساعة" ما يعني ان المظاهرات تم تحريكها بالتحالف بين التيار الوطني الحر وحزب الله لاسقاط ما يمثله الحريري، والهدف نظام رئاسي على رأسه ماروني باسيل وسيستاني في الضاحية يتلقى تعليماته من طهران ويقول هيك بيصير وهيك ما بيصير.

لكن هذه المدة تبدو قصيرة للغاية ولا تكفي مطلقاً في بلد بتركيبة لبنان شديدة التعقيد، لآن يتم فيها توافق بين كافة الأطياف على حل للأزمة أو أن يقتنع طرف ما في المعادلة الطائفية بالتنازل عن معيار الطائفية في مقابل معيار الكفاءة.

محركات الاحتجاج

تقول الدكتورة مها يحيى مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت إن "هناك استياء عام لدى المواطنين من سوء إدارة الدولة والخدمات عامة من قبل الطبقة السياسية الحاكمة"، مضيفة أن "ما يحدث اليوم سببه الرئيسي مخاوف اللبنانيين من إمكانية انهيار الليرة اللبنانية ما يعني اختفاء المدخرات والمعاشات التقاعدية وقدرة الناس على تأمين مستقبل أولاده وارتفاع مستويات البطالة والفقر".

وأشارت إلى أن أكثر ما أثار غضب الناس "رؤيتهم للفساد المستشري في البلاد والمرتبط بالطبقة السياسية فيما يشعر الناس أن الدولة تركز في تعظيم مواردها على الجباية من المواطنين لتحسين واردات الدولة وليس التركيز على إمكانية ضبط الهدر أو تحسين الخدمات فملف الكهرباء فقط ان تم ضبطه فهو يمثل ثلث الموازنة".

وتؤكد الخبيرة السياسية اللبنانية على أن "التظاهرات في الشارع اللبناني بدأت بطريقة عفوية وكان آخر ما أشعل الأوضاع الحديث عن فرض ضريبة على استخدام الواتس اب، ما جعل الناس يشعرون بأن الكيل قد طفح وأن الحديث عن مسألة من هذا النوع دون دراسة إمكانية تنفيذها على أرض الواقع تشير إلى مدى الهوة بين القائمين على البلد وبين الشارع".

وأشارت إلى أنه "لم يتضح حتى الآن إن كان هناك قوى سياسية ستستغل هذه التظاهرات لصالحها وأن الأمر يحتاج إلى الانتظار لبعض الوقت لمعرفة من الذي يقطف ثمرة هذه الاحتجاجات".

بعيداً عن الطائفية

وينظر للنطاق الجغرافي المتسع لهذه الاحتجاجات، في بلد تحكمه حسابات طائفية، على أنه مؤشر شعبي على الغضب تجاه الساسة على اختلاف أطيافهم والذين ساهموا معاً في وصول لبنان لوضع الأزمة، ويبدو أن اللبنانيون أنفسهم قد وضعوا مسألة الطائفية خلف ظهورهم حين نزلوا إلى الشارع فلم يمكن لأحد أن يلحظ إلى أي تيار ينتمي من يقف الى جواره.

تؤكد على ذلك الدكتورة مها يحيى مديرة مركز كارنيغي ببيروت، فتقول: "نحن لا نشاهد وسط كل هذه الحشود إلا العلم اللبناني في الشوارع، فهناك استياءعام من كل أطياف الشعب من هذه الطبقة السياسية، فهناك انتقادات لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ولحسن نصر الله و لميقاتي ولكرامي، بل إن هذه الانتقادات يأتي بعضها من داخل جماعات وتيارات هؤلاء الأشخاص أنفسهم، فالانتقادات موجهة للجميع بغض النظر عن أي طائفة أو تيارات سياسية".

ووفقاً للخبيرة السياسية وشهود عيان وإفادات لمراسلة DW عربية في لبنان، فقد امتدت المظاهرات إلى النبطية وعين التينة وفي بعبدا تم قطع الطريق الرئيسي كما امتدت المظاهرات إلى الجنوب والبقاع، في الوقت الذي يشهد وسم لبنان ينتفض على مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلا ضخماً من جانب اللبنانيين .

آخر أيام "اتفاقية الطائف"؟

ويأتي حراك الشارع اللبناني في ظلّ انقسام سياسي داخل الحكومة، وتباين في وجهات النظر بدءاً من آلية توزيع الحصص والتعيينات الإدارية، وكيفية خفض العجز في الموازنة، وصولاً إلى ملف العلاقة مع سوريا، مع إصرار التيار الوطني الحر الذي يتزعمه الرئيس اللبناني ميشال عون وحليفه حزب الله على الانفتاح على دمشق، ومعارضة رئيس الحكومة سعد الحريري وفرقاء آخرين لذلك.

لكن مع تصاعد الأحداث في لبنان واللحمة التي ظهر عليها المجتمع، بدأ وكأن اتفاقية الطائف التي وضعت أوزار الحرب الأهلية في لبنان تتعرض لمأزق خطير. فهل هناك بالفعل محاولة ما لتغيير المشهد السياسي اللبناني الذي يسير منذ عقود وفق تلك الاتفاقية، والدفع نحو عمل توافق سياسي جديد يطرحه اللبنانيون من داخلهم بعيداً عن هذه التقسيمات؟ وماهو بديل إنهيار تلك الطبقة الحاكمة في لبنان؟

تقول الدكتورة مها يحيى مديرة مركز كارنيغي ببيروت إن "هذا بالفعل ما يخيف الكثيرين، فالبديل للطبقة السياسية الحاكمة غير واضح حتى الآن ولكن المؤكد اليوم هو أن التسوية التي أنهت الحرب اللبنانية أصبحت اليوم على المحك". وقالت الخبيرة السياسية اللبنانية إن "تحذير وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل من وجود فوضى أو جوع نتيجة سقوط النخبة السياسية الحاكمة اليوم يشير إلى أن الوضع مقلق بالفعل خاصة مع غياب البديل".

وكان وزير الخارجية اللبناني قد صرح بأن "ما يحصل قد يكون فرصة للبنان كما يمكن أن يتحول إلى كارثة ويدخلنا بالفوضى والفتنة" وأن "البديل عن الحكومة الحالية هو ضباب وقد يكون أسوأ بكثير"، وأن "الخيار الآخر هو الفوضى بالشارع وصولاً للفتنة". لكن تصريحات باسيل "وتخويفه" من تغيير الطبقة السياسية الحالية والتهديد بالفوضى والجوع قوبلت بانتقادات عنيفة من قبل الكثيرين.

التاريخ: 
الجمعة, أكتوبر 18, 2019
ملخص: 
لكن مع تصاعد الأحداث في لبنان واللحمة التي ظهر عليها المجتمع، بدأ وكأن اتفاقية الطائف التي وضعت أوزار الحرب الأهلية في لبنان تتعرض لمأزق خطير. فهل هناك بالفعل محاولة ما لتغيير المشهد السياسي اللبناني الذي يسير منذ عقود وفق تلك الاتفاقية، والدفع نحو عمل تو