النسبية وعدم ملاءمة تطبيقها في الانتخابات اللبنانية في الوقت الراهن

النوع: 

قيل

لقد راينا انه من الواجب ان نتطرق في  هذه المداخلة الى ما يتم تداوله على صعيد تطبيق النسبية في الانتخابات النيابية  في اطار مشاريع  قانون الانتخاب الذي تعددت مصادره , نظرا لارتباط هذه النظرية  بما هدف اليه الطائف من ضرورة اعداد قانون انتخابي جديد واعادة النظر بالتقسيم الاداري بما يؤمن الانصهار الوطني واحلال العدالة الاجتماعية وتحقيق الانماء المتوازن والغاء الطائفية السياسية . .  .

صحيح ان النسبية هي الوسيلة الانجح  لتمثيل جميع شرائح المجتمع من اجل حكم الشعب " الديمقراطية " , الا اننا في لبنان علينا ان لا نغمض اعيننا عند تطبيقها  بقدر ما يجب ان  ننظر اليها من خلال  نتائجها على الارض . فالبنية اللبنانية السياسية لم تصل بعد الى تقبل النصر للغير وقبول الهزيمة لنفسها . فهم دائما متربصون لبعضهم، دائما يحملون بيدهم غصنا من الزيتون وباليد الاخرى بندقية , في الوقت الذي يجب ان نحمل جميعا اغصان من الزيتون عنوانا للسلام والمحبة .

ان طرح موضوع النسبية هو من الاهمية بمكان حيث اننا نهدف قبل كل شيء التوضيح للراي العام الذي ما زال الكثيرون منهم لم يصل الى الفهم الصحيح لهذه النظرية السليمة من اجل  تحقيق التمثيل الصحيح  للناس  بغية تحقيق العدالة وبالتالي استتباب الاستقرار , وليس المزيد من الانشقاقات  . لان النسبية لها شروطها واجواءها وارضيتها الثابتة في البلدان التي تاخذ بها وما علينا الا ان ندرس واقع مجتمعات النسبية ومقارنتها بواقع المجتمع اللبناني المتشرزم والمتوتر الذي يسوده دائما جو  الحرب الباردة   .

لذا فانه لا يمكن ان نتغنى بالنسبية من انها هي الاصح  لتمثيل ارادة الناس في لبنان ,  بهدف تهيئة الاجواء الهادئة فيه وازالة كل العناصر المؤدية الى نشوب الحروب الاهلية المتكررة  , ومهما يكن فانه  وجب على المجتمع الذي سياخذ بها , ان يكون ذات مواصفات وحدوية متماسكة , وذات ولاء وطني موحد على ثوابت لا تتزعزع في النفوس , وذات ارضية سياسية تقوم على نشاة تنظيم حزبي سليم بعيدا عن الاحزاب الشخصانية او الطائفية  . وان يتسم الشعب اللبناني بوعي ونضج سياسي يستطيع ان يتحكم بقراره دون اي مؤثرات مادية او شعارات رنانة خارجية او مؤثرات واهية كاذبة , وان تكون اللحمة الوطنية قوية لا تنفصم عراها  , مع عدم وجود ولاءات تعلو على الولاء الوطني الذي جسده الدستور في مقدمته المعدلة عام 1990 , وان يكون ما نادى به الطائف من انماء متوازن وتعميم العدالة الاجتماعية وتنفيذ خطة الاصلاح المالي والعلمي والاجتماعي والاقتصادي قائمة فعلا .

ان هذه النظرة السريعة للارضية الصلبة فيما لو كانت متوفرة في لبنان لامكن  تطبيق النظرية النسبية  . ولا يمكن مقارنة او مقاربة التركيبة الاجتماعية في تونس التي تطبق النسبية او سواها , مع التركيبة الاجتماعية في لبنان , وذلك كما استشهد الوزير السابق زياد بارود في احدى مقابلاته التلفزيونية بالتجربة التونسية وتطبيقها للنظرية النسبية .

وقبل ان نتطرق الى النظرية النسبية باساليب تطبيقها المتعددة , لا بد لنا من ان نعرج على العقود الاجتماعية التي ابرمت بين اطراف النزاع الدائمة والمتوارثة ابا عن جد في لبنان . حيث اننا نجد ان العقد الاجتماعي المكمل  المبرم في الطائف قد اوجد اسسا ثابتة لمستقبل يسوده الاستقرار فيما لو تم تنفيذه والايمان به اولا في القلوب والنفوس ,فهو يشكل اجتهادا ناجحا وركنا اساسيا لتطوير منظومة عمل الدولة الحديثة لدرء ما يمكن توقعه من تكرار الاحداث والحروب في لبنان  جراء هذا الانشقاق الحاد والمزمن حيث ان المجتمع اللبناني يعيش على الدوام حربا باردة بين شرائح المجتمع اللبناني فتعقد على اثرها عددا من الاتفاقات المرحلية كاتفاق الدوحة الاخير . وهذا ما يجعل ابناؤه يعيشون  جوا من عدم الاستقرار والطمانينة في وجوده بوطنه , مما يدفعهم الى الهجرة بل اقول ذهابهم الى بلدان عدة للاقامة فيها بل شراء جنسيات اخرى باي ثمن هربا من ذلك الوضع للبنية السياسية في وطنه  .

سوف اتطرق في بحث النسبية الى ما يلي :

1 – ماهية النسبية ومدى تمثيلها للديمقراطية الحقيقية .

2 – بيان الايجابيات والسلبيات الناجمة عن النسبية .

اولا : ماهية النسبية ومدى تمثيلها للديمقراطية الحقيقية  .

- ان تعريف الديمقراطية هو " حكم الشعب للشعب وبواسطة الشعب " وهذا ما يدعونا الى البحث عن افضل وسائل التمثيل الحقيقي للشعب. التي هي متعددة للوصول الى تطبيق الديمقراطية المناسبة لان  الديمقراطية ليست لباسا موحدا لكل المجتمعات السياسية , فهناك الديمقراطية التوافقية التي ارست في لبنان الاستقرار الامني انطلاقا من مكونات  شرائحه المتعددة والمتناحرة , وهذا ما يستوجب علينا ان  نقوم بدراسة النسبية للنظر عن مدى مساهمتها لتحقيق الاستقرار في ظل جو توافقي بين مكونات هذا المجتمع , فالحياة السياسية ليست بحاجة الى وجود تكتلات سياسية صغيرة جراء تطبيق النسبية لان ذلك يضاعف  ذلك الجو التناحري . وهل ان الاحزاب او التيارات في لبنان هي منظمة تنظيما حزبيا سليما   ؟ وهل ان الاحزاب القائمة هي التي ستشكل البيئة الحزبية السليمة لتطبيقها ؟ اسئلة كثيرة تطرح وان جميع الاجابات عليها سوف تؤول بنا الى عدم امكانية تطبيقها ومن ثم الى مزيد من التناحر ومزيد من السجالات السياسية المتاججة التي تزيد الامور تعقيدا وشحنا للنفوس. لذا لا بد لنا من العودة الى التمثيل الاسلم لممارسة الديمقراطية الا وهي الدائرة الصغرى " القضاء"  او اقله , وضرورة  اعادة النظر في التقسيمات الادارية  كما دعى اليها  الطائف . هذا بالاضافة الى ان ثقافة المجتمع سياسيا مرتبطة بالاشخاص الذين ينتخبهم وليس ببرامج عامة او مباديء .

-  لذا فان النسبية ليست اغنية او لحنا ناتي بها لتطرب اذاننا ومن انها الامثل علميا لممارسة الديمقراطية . وبالتالي فانها بنتائجها قد تذهب بنا الى المجهول . فالبيئة اللبنانية ليست فيها احزاب سياسية مؤهلة لخوض الانتخابات على اساس برامجها الوطنية والقومية والتنموية . وليست تلك البيئة مؤهلة  لقيام احزاب سياسية ايديولوجية جديدة نابعة من وجدان الواقع الاجتماعي والسياسي وما يشتمل عليه من قضايا وجب ايجاد الحلول لها في اطار البرامج التي ستطرحها  هذه الاحزاب. لان الاحزاب التي ولدت منذ القدم لم تتقدم خطوة واحدة الى الامام  فبقيت متقوقعة في الاطار الشخصي والطائفي والمذهبي وبكل امتياز .

-  وبالتالي علينا ارجاء البحث في تطبيق النسبية في الحالة الراهنة الى حين تطبيق الطائف باكمله انطلاقا مما سيوفره من اجواء ملائمة لتطبيقها  وخاصة الغاء الطائفية السياسية . وبالتالي علينا ان لا  ننظر الى الطائف بشق دون الشق الاخر منه فهو كل لا يتجزأ فبنوده جميعها متصاحبة , مترابطة , متفاعلة في آن واحد ولا يمكن اخذ بعضها وترك الاخر , حيث سبق لي ان اوردت البنود الواردة بالطائف التي جرى تعديلها دستوريا ولم تنفذ في دراسة سابقة , كما انه  ما زالت هناك بنود لم يتم ادراجها ضمن التعديلات الدستورية  .

-نحن لا نريد ان نخطو نحو المجهول وسط هذه الاراء المتناقضة حول النسبية , فالجسم اللبناني لا يحتمل اي مغامرة في هذا الامر , لذا وجب علينا ان نكون علميين منهجيين في التفكير والتطبيق . فلا يجوز ان ناتي بافكار مستوردة من تونس او سواها من البلدان المتقدمة غير مطابقة للواقع السوسيولوجي للسياسة في لبنان لنقول للبنانيين انتخبوا وفق هذه النظرية بغض النظر عن اختلاف وجهات النظر بين مؤيد ومعارض للنسبية الامر الذي سيزيد تازما في الوضع السياسي . لذا فاننا نطرح ما يلي  :

  1 - ان نعمل صادقين بترسيخ الطائفية الحقة المبنية  على المحبة والتسامح واصالة الاخلاق السمحة وسموها التي نادت بها جميع الديانات السماوية ونزرعها في نفوس اولادنا وننشيء اجيالا مؤمنة واعية بما هم عليهم من ديانات , وان هذه الديانات هي من عند الله الواحد الاحد .

2 -  ان نعمل على احلال الدولة المدنية والغاء الطائفية السياسية من النفوس , وما سيترتب عنها من ضرورة  وجود قناعات نابعة من اعماق الجميع , منها قبول النصر والهزيمة للطائفة التي ينتمي اليها . وبالتالي يصبح اللبناني وصل الى درجة متقدمة من الوعي والنضج بقبول اخيه الاخر مهما كانت طائفته وانتمائه السياسي والحزبي .

3 - صحيح ان الطائف نادى بالنسبية في اختيار النواب بالتساوي بين المسيحين ومذاهبهم  والمسلمين ومذاهبهم   , والنسبية في اختيار النواب وفق مناطقهم وطوائفهم معا . ولكن الطائف لم يتطرق الى المناداة بتطبيق النظرية  النسبية في الانتخابات بل دعى الى اعداد قانون انتخابي جديد على اساس المحافظة وعلى ضؤ المباديء التي تضمنها الطائف والتي سبقت الاشارة اليها في تلك الدراسة .

ثانيا : الايجابيات  والسلبيات للنظرية النسبية .

انه لمن دواعي الامانة العلمية ان نتطرق باديء ذي بدء  الى بيان الايجابيات والسلبيات حول تطبيق النسبية لنتبين مدى امكانية تطبيقها في البيئة السياسية اللبنانية حتى نخلص بالنهاية الى الوقوف بجانب ما يؤدي بمجتمعنا الى الاستقرار والتوافق بين جميع شرائح وطوائف المجتمع اللبناني . حيث اننا نرى الان ان من ينادي بتطبيق النسبية هم الاصوات الذين يحاولون النيل من بعض القوى السياسية كيدا  , والمغبونين جراء تطبيق النظام الاكثري , وهم قد لا يشكلون قوة اساسية في التمثيل الشعبي , وهذا مما يضمن لهم اخذ حصصهم النيابية من على حساب القوى السياسية الفاعلة على الارض .

الايجابيات في النظرية النسبية والتعليق عليها

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

برى البعض ممن يؤيد النسبية الايجابيات التالية وهذا ما يجعلني ان اعلق على كل واحدة منها وهي  :

1 -ان اسلوب الاقتراع الاغلبي يلحق الظلم بالاقلية :

الاغلبية وهي : 51 % _ 100 %

 

الاقلية وهي   : 49 % _ صفر مقعد

ان نتائج الاقتراع الاغلبي يدفع الاقلية الى الياس من النضال فتمتنع عن التصويت لانها تعلم مسبقا ان لا فائدة ترتجيها من ذلك التصويت. ( من مباديء الديمقراطية انها تتطلب من الاقلية القبول بالنتائج الانتخابية ولا يجب اعتبار ذلك ظلما لان الديمقراطية بمفهومها العام هو قبول حكم الاكثرية على الاقلية في اطار جو ديمقراطي الذي سيشكلون معارضة بناءة " والمعارضة جزء هام وضروري لبناء الديمقراطية " لان الاثنين معا الموالاة والاقلية يبنيان الدولة والمجتمع , وبالتالي تتكون الجدلية الايجابية لبناء الحياة , وليست الغاية ان يصل الجميع الى البرلمان وتبدا حالة عدم الاستقرار البرلماني ومزيدا من التناحر )

2  - ان نظام الاقتراع الاغلبي يعيب النظام التمثيلي :

دائرة تضم 8 نواب اقترع فيها 100 الف ناخب

الحزب " أ " نال 40 الف صوت

الحزب " ب " نال 35 الف صوت

الحزب " ج " نال 25 الف صوت

بموجب نظام الاغلبية سياخذ الحزب " أ " جميع المقاعد الثمانية  . وبالتالي سيتشكل المجلس النيابي اغلبية مصطنعة ليس على اساس المباديء بل على اساس خصومتها للحزب الثالث . وان الاغلبية لن تتوافق اذ ا مع اغلبية الناخبين وهذا الامر سيؤدي الى اضطراب في الحكم وبلبلته .

 ( ان المعارضة ضرورة حتمية للعبة الديمقراطية)

3 - ان التمثيل النسبي يحد من وطاة عيوب الاقتراع الاغلبي :

  أ - يؤمن لاحزاب الاقلية عددا من المقاعد يتناسب مع اهميتها ( في لبنان لا توجد احزاب للاقلية , بل هناك طوائف صغيرة وهذا ما سوف يدفعها ككتل سياسية الى اقامة محاور سياسية كيدية تتوافق مع فئة وتتخاصم مع جهة اخرى من اجل مصلحتها وعلى حساب القرار الوطني والمصلحة الوطنية العليا  , الامر الذي سيؤدي الى خلق جو من التوتر )

  ب - يحقق العدالة من جهة , ويحقق فكرة الحكومة التمثيلية من جهة اخرى . ( ان ذلك يؤمنه النظام الاكثري , او الحكومة التوافقية , وان ما تنشئه النسبية من حكومة تمثيلية في لبنان فيما لو طبقت النسبية سوف تكون الحكومة هشة قابلة للسقوط في اي ازمة بسيطة بالاضافة الى عدم الانتاجية المطلوبة لخضوعها الى جميع الممثلين مهما كان حجمهم  )

ج - تحرر الاقليات من اضطهاد المحادل السياسية والمناطقية والمالية والمذهبية والعسكرية وغيرها .

 ( لا يعتبر ذلك مكسبا . بقدر ما سيخلق عناصر جديدة في الصراع السياسي الداخلي )

 د - هو النظام الاكثر تمثيلا لرغبات وتلاوين الشعب ولذلك فهو اكثر ديمقراطية من الناحية التمثيلية .

 

 (صحيح انه سيكون كذلك الا ان تطبيقها  يتطلب وحدة وطنية , وولاء وطني راسخ , ولحمة وطنية بين جميع الطائف , لكي ناخذ نتائج ايجابية)

 ه - يحول المجلس النيابي الى مساحة تلاقي وحوار وتفاعل كل تلونات الشعب دون عزل او اقصاء لاي كان استهتارا بحجمه التمثيلي في المجتمع .

(صحيح انه سيكون كذلك ولكن الواقع سيكون حلبة للصراع والمصارعة وقليل الفاعلية )

 و - يشجع على تاسيس احزاب جديدة كما يفرض على الاحزاب الكبرى مراعاة مختلف الشرائح الشعبية عند تشكيل اللوائح .

(وهذا ما يكون صحيحا اذا اتسم المجتمع بالوعي والنضج السياسي المنطلق من ثوابت الوطن استراتيجيا وقوميا , وليس قابلا للتاثر والتاثير عليه بشعارات واهية كاذبة . لكن علينا اولا  ان ننشيء احزابا وطنية بكل ما للكلمة من معنى او بالاحرى العمل على تعزيز ما هو قائم , وليست كما هي الان  )

ز - يوصل الى المجلس النيابي ممثلين لقضايا محددة خارج اطار اللعبة السياسية كالتيارات المناصرة للبيئة بالاضافة الى مطالب نقابية .

( السؤال يطرح هل ستكون اصواتهم هي المرجحة لحل القضايا التي يحملونها . وبالتالي فاننا بتلك الحجة قد ننكر على بقية اعضاء المجلس المامهم بهذه القضايا وعدم اهتمامهم بما قد يضر بالمجتمع الذين هم جزء منه ).

 ح - البرلمان يمثل حقيقة لا اصطناعا هيئة الناخبين .

(هذا يبقى في اطار الواقع النظري والعلمي صحيحا , ولكن نحن نريد اهدافا ايجابيا من ورائها وهو  تحقيق الاستقرار والامن والسلم الداخلي . )

 ط - اذا اقر القانون الانتخابي منع التشطيب في اللوائح فان الناخب سيقترع عندئذ للافكار والمباديء لا للاشخاص والزعامات.

(طالما لا توجد احزاب سياسية , فان الافكار والمباديء سوف تكون نابعة من عصبيات ومصالح طائفية ومناطقية ومذهبية مرتبطة بالزعامات والاشخاص ومصالح الطائفة  , وبالتالي لا توجد في لبنان احزاب ذات مباديء وافكار نابعة من استراتيجية علمية واضحة بل تبقى خاضعة لمزاجية الرئيس لها وتقلباته الطائفية  )

ك - ان التمثيل النسبي لا يصحح كل عيوب الاسلوب الاغلبي ولكنه يحد من اضراره ويخفف من وطأته .

(لكل من هذين الاسلوبين  عيوبه طالما هما نظريتان .  ويمكن ان يكون كل منهما في موقع اكثر ملاءمة من غيره او انه يصحح للاخر ما يعتريه من عيوب  وفقا للواقع البنيوي للمجتمع  )

السلبيات في تطبيق النسبية

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على الرغم من انتشار اسلوب التمثيل النسبي فقد لقي من يطعن فيه للاسباب التالية :

اولا : ان اسلوب التمثيل النسبي يشكو من صعوبة التطبيق العملي :

1 - من المهم الاشارة الى المحاذير التقنية للنسبية من حيث الممارسة . فالنسبية مبدا عام تحكمه جودة تطبيقه . القوانين الاجرائية التي تترجمه آلية الانتخاب . ( النظام المعتمد اجتياز نسبة حسم محددة للحصول على تمثيل في البرلمان كالحصول على 10 % من الاصوات وهذا ما هو معمول به في  " تركيا " وهذا يؤدي الى استثناء الاحزاب الصغيرة وحرمانها )

2 - النظام الاكثري ينتج تكتلات كبيرة في المجلس تستطيع بتحالفها المصلحي انتاج حكومة . كما حصل مع حكومة ميقاتي . ( اما في النظام النسبي فالتمثيل سيتشتت . )

3  - النظام النسبي سينتج تكتلات متشابهة لتكتل طرابلس ميقاتي الصفدي كرامي فتطغى الكارتلات المالية والمصالح الصغيرة على المساحة الرمادية المتنازع عليها خارج نطاق محاور الاستقطاب الاساسية 8 و 14 اذار . هذه الكارتلات قد لا تؤثر على الوزن السياسي لمراكز النفوذ لكنها ستدخل من خلال النسبية كاوراق لعب مستحدثة على طاولة المحاصصة والمساومة .

4 - النظام النسبي قد يحدث تصدعا باتجاه فراغ سياسي اكبر . فسوف تصبح في المجلس دكاكين لخلايا نيابية صغيرة لشراء اصواتها البرلمانية .

5  - النظام النسبي هو طرح مثالي بالدرجة الاولى  , ويفترض ان تكون عناصر المكونات للمجتمع في ذات المستوى من المثالية

6 - يهدف التمثيل النسبي الى تمثيل الاحزاب يتناسب مع قوتها الحقيقية , ولاجل تحقيق هذه الغاية يلجا المشرع الى تحديد عدد معين من الاصوات مقابل كل مقعد من المقاعد النيابية .

7 – انه بغياب التنظيم السياسي الحزبي في لبنان سوف يتم تكريس الطائفية والمناطقية الطائفية التي تعتبر عائقا امام تطور المجتمع اللبناني وبالتالي ستتكرس امتيازات الطائفية وتعود بالوطن الى الوراء طالما انه لم يتم الغاء الطائفية السياسية . وفي عام 1975 بعد استشهاد معروف سعد وحادثة عين الرمانة وبدء الحرب الاهلية تقدم الرئيس الراحل رشيد كرامي باستقالة حكومته واصدر  بيانا حول ذلك قائلا : ان الامتيازات الطائفية التي تشكل اساس النظام السياسي اللبناني . . تحولت الى عائق يمنع اي تقدم . . ويحول دون المساواة الحقيقية بين المواطنين بما يقضي على الحرمان ويرفع من مستوى المناطق المحرومة "

-8  اما تحديد العدد المعين من الاصوات فيتم باحدى طريقتين :

اولا : طريقة الخارج الانتخابي : هو نتيجة قسمة عدد المقترعين على عدد المقاعد . فلو كان ثمة 400000 ناخب يقترعون ل  10 نواب فيكون الخارج 40000

ثانيا : طريقة العدد الواحد : في هذه الطريقة يحدد القانون سلفا عدد الاصوات الذي يجب ان يناله كل مرشح لاعتباره فائزا وهو عدد واحد في جميع الدوائر . مثلا : تحديد 30000 يسري على جميع المناطق

ثالثا :  الفضلات في طريقة الخارج الانتخابي : فمثلا يوجد 30000 ناخب في دائرة على ستة مقاعد . فيصبح لكل 5000 صوت مقعد . ولكن اذا كان هناك كسور او فضلات من تقسيم عدد الاصوات التي نالتها كل لائحة على 5000 فيكون الصوت الطائر للكسر الاكبر او للائحة التي يتبقى لها من تلك العملية الحسابية فضلة اكبر .

رابعا - الفضلات في طريقة العدد الواحد : يكون المقعد الطائر حسابه اسهل لان الفضلات ستجمع على مساحة الوطن وفي كل الدوائر .

خامسا : هناك لوائح مجمدة : لا حرية للناخب في اختيار نوابا من اللوائح

وهناك اسلوب تزاحم اللوائح : يكون للناخب حرية الاختيار في اللائحة الواحدة فقط فيقدم فيه ويؤخر كيفما يشاء . وله ان يحذف ما يشاء من الاسماء . ولكن ليس له ان يضيف عليها اسماء اخرى من لائحة اخرى . وعندما يقترع لشخص واحد او اكثر من اللائحة الواحدة يعتبر كانه اقترع للائحة بكاملها . وهكذا لن ينال اعضاء اللائحة الواحدة عددا متساويا من الاصوات . وهكذا سيفوز بالمقاعد التي تستحقها اللائحة المرشحون الذين نالوا العدد الاكبر من اصوات المقترعين .

ثانيا : ان اسلوب التمثيل النسبي يحد من حرية الناخب :

1 - ان منع التشطيب في اللوائح يحد من حرية الناخب ولا يمكن تطبيقه الا في البلاد المنظمة حزبيا . فرنسا ايطاليا يمنعان التشطيب . يعتمدان اللائحة المجمدة .

2 - ان حرية الناخب تبقى مسيرة بارادة الحزب .

3 - يجعل الاحزاب في الانتخابات تاثيرا يفوق تاثير سائر الناخبين . والمرشح المستقل لن يكون له امل بالنجاح وبالتالي سيقضى على المرشحين المستقلين .

4 - ستذوب فكرة انتخاب الاشخاص لتحل محلها فكرة انتخاب المباديء والبرامج . ولن يظل لشخصية المرشح الا اهمية ضئيلة .

ثالثا :  صعوبة تشكيل اكثرية نيابية :

يعاب على التمثيل النسبي صعوبة تشكيل اغلبية نيابية مستقرة . ذلك لان المجلس سيكون مؤلفا من مجموعات تافهة يتعذر على احدها ان يستلم الحكم .

1 - عندما يتعذر وجود اغلبية برلمانية كافية لتشكيل الحكومة , سيضطرون للائتلاف مع الاحزاب الصغرى وتبقى الحكومة خاضعة للمساومات . فالتجانس والتضامن يكونان كاذبين .

2 - انصار النظرية النسبية يردون على هذا القول من ان العيب المنسوب يعود الى التنظيم الحزبي الذي يحول دون قيام احزاب وطنية منظمة ولا يقع على اسلوب الاقتراع .

الخاتمة

ـــــــــــــــــــــ

انه مما لا شك به بعد هذا العرض الموجز عن  النظرية النسبية وعن عدم امكانية  تطبيقها في الانتخابات اللبنانية , الذي اشرت فيه الى صعوبة تطبيقها ان لم يتوفر بالمجتمع اللبناني الارضية الصلبة المتماسكة  لتقبلها امام التنوع الطائفي والمذهبي وكثرة الانتماءات السياسية على اساس طائفي وهذا ما يعكس  الواقع اللبناني كما هو قائما  . لذا فانني  انادي بما يلي :

1 - وجوب تطبيق جميع بنود الطائف بدون استثناء , لانه كل لا يتجزا وترتكز جميع بنوده على ركائز ثلاث : انها متصاحبة ومترابطة ومتفاعلة مع بعضها البعض .

2 - وجوب تعزيز الحوار الهاديء البعيد عن التشنج وان يكون الطائف مرجعا اساسيا لكل المواقف السياسية لجميع الفرقاء السياسين . بالاضافة الى الاحتكام الى الدستور المعدل بموجب الطائف باكمله والى سائر القوانين النافذة الامرة والشارحة .

3 - التسليم بما لا يدع الى الشك من عدم قدرة احد الاطراف على الغاء اي طرف اخر وبالتالي العمل معا من اجل نهضة لبنان وانتشاله من بؤرة الصراعات الداخلية المؤثرة بالخارج والعودة به الى عصر النهضة والتطور الحضاري الذي عرف عنه منذ القدم من ان لبنان سويسرا الشرق بالتئام ابنائه وبالعيش المشترك وبانسجام العيش الطائفي والمذهبي , وليس بجره الى الوراء .

4 - عدم الانجراف وراء النسبية وكانها المنقذ الوحيد على ما نحن عليه.

التاريخ: 
الخميس, نوفمبر 21, 2019
ملخص: 
علينا ارجاء البحث في تطبيق النسبية في الحالة الراهنة الى حين تطبيق الطائف باكمله انطلاقا مما سيوفره من اجواء ملائمة لتطبيقها وخاصة الغاء الطائفية السياسية . وبالتالي علينا ان لا ننظر الى الطائف بشق دون الشق الاخر منه فهو كل لا يتجزأ فبنوده جميعها متصاحب