المادة 95 صندوق باندورا… تفتح باب المجهول

النوع: 

 

رسالة واحدة من رئيس الجمهورية الى المجلس النيابي تطالب بتفسير المادة 95 من دستور الطائف كانت كفيلة بإحداث زلزلة في الاوساط السياسية، مطلقة العنان لتكهنات واجتهادات يكاد لا يكون اي افق لها، بدءاً باهتزاز المناصفة المعتمدة بين الطوائف وصولاً الى الخوف من تعديل دستوري يطيح بالطائف، وحتى من انشاء هيئة تأسيسية تنسف الدستور من اساسه، وذلك في ظل تحليلات ربطت التعثر الحكومي الداخلي بالتطورات الاقليمية، ولا سيما الايرانية والسورية منها.

منحيان متباعدان – ان لم يكونا متناقضين- يقاربان هذا الطلب منطلقين من احقية طلب رئيس الجمهورية تفسير اي مادة دستورية في المجلس النيابي.

المنحى الاول يفسّره لموقع beirutinsights المرجع الدستوري النائب والوزير السابق إدمون رزق، أحد صائغي التعديلات الدستورية وفق اتفاق الطائف، معتبراً ان المادة 95 تفترض انسحاب المناصفة على كل الفئات الوظيفية الى حين الغاء الطائفية السياسية التي لم يحن بعد وقت الغائها.

وهذا ما لا يوافقه به الخبير في الشؤون الدستورية النائب السابق د. صلاح حنين الذي يؤكد لـ beirutinsights ان المادة 95 في غاية الوضوح ولا تحتاج الى تفسير، اذ انها حصرت المناصفة بوظائف الفئة الاولى فقط، محذراً من اعتماد النصاب العادي في جلسة التفسير الدستوري.

نصاب عادي او بالثلثين؟

لم تكد تتسّرب نية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون توجيه رسالة الى المجلس النيابي لتفسير المادة 95 من الدستور، عقب تريثه في توقيع قانون الموازنة العامة بسبب ما رآه التباساً في المادة 80 منه، والقاضية بحفظ حق الناجحين في مباريات الخدمة المدنية بعدما سُجل اختلال في التوازن الطائفي في نتائجها- حتى علت الاصوات تحذّر من المس بدستور الطائف، خشية الاطاحة به في ظل ظروف اقليمية تتطور بسرعة وقد تضع لبنان كلياً في مهب الريح.

فالظروف التي احاطت بطلب التفسير اثارت اكثر من هاجس لدى اكثر من فريق، ولا سيما في ظل تأكيد التيار الوطني الحر، وخصوصاً رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل، مرات متتالية ومتكررة العمل على استرداد حقوق المسيحيين، وكأن المطلوب ضمناً تغيير شروط اتفاق الطائف بالعرف والممارسة متى تعذر ذلك بالقانون وبالتعديلات الدستورية، علماً ان المطلب هذا سيف ذو حدين، ولا سيما في ظل اختلال الميزان العددي بين المسيحيين والمسلمين في العقود الاخيرة، وهذا ما اظهرته دراسة الدولية للمعلومات اخيراً، قائلة ان عدد المسيحيين في لبنان يناهز الـ 30% تقريباً، اذ ان التعداد الطائفي شكل دوماً سيف “داموكليس” المعلق فوق رأس المسيحيين ، والذي كان يهدد اكثر من فريق باللجوء اليه في “الاوقات العصيبة” منذ ان توقف التعداد في العام 1932.

وفي الموازاة، لم يخف وهج هاجس الخوف من المثالثة التي يكرر اكثر من وسط سياسي تمسك الثنائي الشيعي بها،خصوصاً انها قد تشكل بديلاً يرضي حزب الله للتمسك بدوره على الساحة المحلية متى اضطرته الظروف الاقليمية الى التخلي عن سلاحه لصالح الشرعية اللبنانية.

فلم يكن كافياً تأكيد رئيس الجمهورية في عيد الجيش في الاول من آب ان ” اتفاق الطائف يُشكّل مظلّة لحماية الوفاق الوطني وصَون حقوق الجميع وإحقاق التوازن ولا يمكن لاي ممارسة ان تناقض روحيته” لإزالة الهواجس. كما لم يكن كافياً اعلان نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في 3 شباط 2019 ان “حزب الله لا يطرح لا تعديل ولا تغيير إتفاق الطائف، اذ لا قابلية اليوم لإيجاد توافق على تغيير الطائف”، لا بل استذكرت اوساط سياسية التطورات التي سبقت وتلت هذا التاريخ، ولا سيما زلة لسان نائب كتلة الوفاء للمقاومة المستقيل نواف الموسوي بعد 10 ايام بالتحديد (13 شباط 2019) يوم قال في البرلمان ان “رئيس الجمهورية وصل الى بعبدا ببندقية المقاومة”.

فالخوف يقول الخبير في الشؤون الدستورية النائب السابق د .صلاح حنين لـ beirutinsights ان يتم السعي الى تفسير المادة 95 في المجلس النيابي بالنصاب العادي (اي نصف عدد النواب زائد واحد) الذي لا يجوز تفسير الدستور بموجبه ، اذ ان شرط مناقشة او تفسير اي مادة دستورية هو نصاب الثلثين كما التصويت بالثلثين، نظراً الى ان تعديل الدستور او مناقشته يوازيان اقراره، فلا يجوز اقراره وفق قاعدة نصاب الثلثين وبالتصويت بالثلثين وتفسيره بالنصاب العادي والتصويت عليه بالأكثرية النسبية.

هواجس الفقرة “ب”

وإذاا كانت الهواجس نابعة من الفقرة “ب” من المادة 95، موضوع الالتباس بالنسبة الى البعض، فإن هذه المادة التي عدلت العام 1990 وفق اتفاق الطائف، وبدأ تاريخ العمل بها في 21 ايلول 1990 تنص على الآتي:

“على مجلس النواب المنتخب على اساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الاجراءات الملائمة لتحقيق الغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالاضافة الى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بالغاء الطائفية وتقديمها الى مجلس النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية. وفي المرحلة الانتقالية:

أ- تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.

ب – تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والامنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقا لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الاولى فيها وفي ما يعادل الفئة الاولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص اي وظيفة لاية طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة.”

فالإلتباس يقع في عبارة “مقتضيات الوفاق الوطني” التي يرى المرجع الدستوري النائب والوزير السابق إدمون رزق لـ beirutinsights انها تفترض انسحاب المناصفة على كل الوظائف من كل الفئات، نظراً الى ان المناصفة في وظائف الفئة الاولى مثبتة في فقرتها الثانية “ب”. ويضيف رزق ان ما يسمى “الحساب الجاري” اعتُمد في الماضي، اي لدى نجاح عدد من المتبارين من طائفة ما، اكثر من عدد متبارين من طائفة ثانية، يُحفظ حق الطائف الثانية في حصتها من هذه الوظائف لاحقاً، وذلك بهدف تحقيق المناصفة.

في وقت يرفض د. حنين المس، لا بالدستور ولا بتفسيره، لأن المادة 95 في غاية الوضوح و”حرام” تفسيرها، اذ ان عبارة ” تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة … وفقا لمقتضيات الوفاق الوطني” الواردة في الفقرة “ب” منها، تعني الغاء التمثيل الطائفي واعتماد الاختصاص الكفاءة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني الذي ارتضى الغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الاختصاص والكفاءة باستثناء الفئة الاولى.

ويؤكد حنين ان هذه الفقرة ليست مشروطة ولا مرتبطة بتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، اذ ان المشرّع كتب: ” وفي المرحلة الانتقالية” … وهذه المرحلة هي راهناً السائدة اليوم قبل تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية.

من جهته، يؤكد رزق ان الهدف من هذه المادة العبور من الحالة الطائفية الى المواطنة، او ما سُميّ وقتها “العلمنة المؤمنة”، بحيث يتم الغاء الطائفية من اساسها وليس مجرد الغاء الطائفية السياسية. وهو يفنّد المادة، عبارة تلو الاخرى.

فعندما نقول “على مجلس النواب المنتخب على اساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين” نعني بذلك المجلس الذي انتخب العام 1992- يقول رزق. وعندما تنص المادة على ” اتخاذ الاجراءات الملائمة لتحقيق الغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالاضافة الى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية”، نعني المطلوب اشخاص اختصاصيين يتولون تنشئة جيل خارج الطائفية.

اما القول ” مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بالغاء الطائفية” فإن المقصود الغاء الطائفية من اساسها. كما ان عبارة ” تُمَثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة” تعني المناصفة حسب العرف، والمثالثة من ضمن المناصفة، اي ان العدد نفسه من الوزراء يخصص للشيعة والموارنة والسنّة، على ان يكمل الدروز المسلمين، والكاثوليك والارثوذكس المسيحيين لتتحقق المناصفة.

اما الفقرة “ب” من هذه المادة التي تنص على ” تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة… وفقا لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الاولى فيها وفي ما يعادل الفئة الاولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص اي وظيفة لاية طائفة مع التقيد بمبدئي الاختصاص والكفاءة” فتؤكد، وفق رزق، ان لا تخصيص لأي وزارة لأي طائفة نظراً الى ان الوزارة هي وظيفة عامة، لا بل تعتمد الكفاءة والاختصاص فيها.

وهنا، تلفت مراجع سياسية الى ان روحية هذه الفقرة وحرفيتها لم يتم الالتزام بهما ما بعد الطائف، لا بل خصص العرف في السنوات الاخيرة وزارات معينة لطائفة محددة، ان لم يكن لحزب محدد، من مثل الخارجية للموارنة وتحديداً للتيار الوطني الحر، والمال للشيعة وتحديداً لحركة امل، والداخلية لسنّي من تيار المستقبل.

وبالنظر الى ان هذه المادة لم تلحظ اي سقف زمني للخطة المرحلية ولتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية الغائبتين الى اليوم، فيؤكد رزق ان الخطة تتعلق بتنشئة جيل خارج المفهوم الطائفي، اي ابتداء من صف الحضانة وحتى التخرج الجامعي، اي في فترة زمنية لا تقل عن 17 عاماً، اذ ان نقل المواطن الى الحالة العلمانية عبر خطة تربوية خارج القيد الطائفي، لا تنفذ بين ليلة وضحاها، يضيف رزق.

تعديل الطائف؟

لكن هل احالة هذه المادة للتفسير تعني تعديل المادة، وبالتالي نسف اتفاق الطائف او جزء منه، في ظل اصوات كثيرة ارتفعت متمسكة به، من رؤساء الحكومة الثلاثة الذين زاروا المملكة العربية السعودية ناقلين عن عاهلها الملك سلمان “حرصه على صيانة الطائف” ، الى البيان الختامي للقمة الروحية في دار الموحدين الدروز في فردان الذي شدد على ان “الميثاقية والعيش المشترك والتعددية التي ارسى ثوابتها اتفاق الطائف بتعديلاته الدستورية تشكل الاساس لبناء لبنان الغد”، الى الرئيس تمام سلام الذي رأى ان ” الدستور تعرض ولا يزال، لسلسلة من الاعتداءات بهدف فرض وقائع وأعراف جديدة واختراع مفاهيم تخلّ بجوهر النظام السياسي كما أنّ أيّ رغبة في تعديل الدستور لا تتمّ إلَا وفق ما رسمه الدستور نفسه، ولا تجري بالتهريب او بقوة الأمر الواقع.”

رزق يؤكد ان تفسير المادة لا يعني تعديلها او الغاءها، لا بل ان التعديل الدستوري يتطلب آلية وأصولاً محددين لسنا في صدد ولوجهما، فتفسيرها يفترض انشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية.

ويختم رزق معرباً عن اعتقاده اننا نفسياً واجتماعياً في مرحلة تقتضي الحفاظ على المناصفة لأنها من مقتضيات الوفاق الوطني، وذلك لإزالة التشكيك في امكانية التفرقة الوطنية. وهو يقول ان على المجلس النيابي اعطاء تطمينات وطنية بعدم خرق المناصفة حفاظا على الوفاق الوطني ومقتضياته.

الا ان الخبير في الشؤون الدستورية د .صلاح حنين لا يشاطره الرأي، لا بل يقول ان “الخوف في الموضوع الدستوري، يكمن اولاً، في ان ان يتم تفسير المادة عكس مضمونها الحقيقي، ثم في ان تؤدي ثغرة صغيرة نحن استحدثناها الى ثغرات اكبر. ففتح باب تفسير المادة 95 قد يثير “شهية” البعض لتفسير مواد دستورية اخرى لبنان في غنى الآن عن الدخول في متاهاتها”.

صحيح ان هناك آراء سياسية حيال هذه المادة، فلكل فريق هواجسه وهي كثيرة – يؤكد حنين- واذا كان كل فريق سينظر الى الدستور من حيث هواجسه، فإنه سيستحال تطبيق القانون او الدستور. فلنترك السياسة للسياسة والدستور للدستور.

من هنا، تخوف اكثر من مرجع سياسي عايش مرحلة الطائف، اذ ان الرد على طلب المناصفة في كل الوظائف من كل الفئات في ظل الارقام العددية التي يتم تداولها راهناً، قد يقلب الامور رأساً على عقب، وقد يسقط الفريق المسيحي في المحظور السياسي، فيتم تغليب الديمقراطية العددية على الديمقراطية التوافقية… وفي اكثر من مجال بدءا من قانون الانتخاب.

الكاتب: 
جوسلين حداد الدبس
المصدر: 
التاريخ: 
الجمعة, أغسطس 2, 2019
ملخص: 
لكن هل احالة هذه المادة للتفسير تعني تعديل المادة، وبالتالي نسف اتفاق الطائف او جزء منه، في ظل اصوات كثيرة ارتفعت متمسكة به، من رؤساء الحكومة الثلاثة الذين زاروا المملكة العربية السعودية ناقلين عن عاهلها الملك سلمان “حرصه على صيانة الطائف” ، الى البيان ال