ما بين اللامركزيّة الإداريّة والفيدراليّة.. لبنان على حافّة الانقسام الكبير!
ما بين الفينة والأخرى، تتعالى بعض الأصوات في لبنان لتنادي بضرورة اتّباع نظام اللامركزيّة الإداريّة، لتقابلها في الجهة المواجهة مواقف حادّة برفض المقترح تذهب أحيانًا إلى حدّ التحذير من مغبّة ما قد يُنتجه ذلك من تقسيم للبلد على أساس طائفيّ، بل ومذهبيّ، مؤكدة في الوقت عينه أنّ اللامركزيّة هي صورة مقنّعة للفيدراليّة.. وهنا تكمن إشكاليّة الملف: فهل اللامركزيّة والفيدراليّة وجهان لعملةٍ واحدة؟
للوقوف عند تفاصيل هذا الموضوع، وضّح خبير القانون الدوليّ الدكتور أنطوان صفير لـ "اللواء"، أنّه في الواقع، هنالك تقارب بين المفهومين، في الدستور وفي السياسة، باعتبار أنّ اللامركزية الإداريّة هي إعطاء صلاحيّات نوعيّة ومكانيّة، أي بالاختصاص والمكان، إمّا للبلديّات، إمّا لمجالس محافظات، إمّا لوحدات إداريّة منتخبة بصورة أساسيّة مباشرة من قبل الناس. فيما تبقى الأمور الأساسيّة في الدولة منوطة بالجهاز المركزي.
بالتالي، هناك جهاز مركزيّ، وجهاز لا مركزيّ فيما يختصّ بالمواضيع الإداريّة والصحيّة والإنمائيّة والتربويّة، مع إعطاء هامش كبير للسلطات المحليّة.
أمّا في موضوع الفيدارليّة، يضيف الخبير القانونيّ، فتبقى الدولة في نطاقها المركزيّ موحّدة على صعيد السياسة الخارجيّة والدفاعيّة، وربّما تلك المتعلّقة بالسياسة الصحيّة العامّة، أو السياسة التربويّة العامّة، ولكن هنالك هامش أوسع للوحدات الإداريّة السياسيّة، أي الكونتونات أو الولايات أو المقاطعات، بمعنى أن يكون هناك نوع من حكم ذاتيّ فيما يتعلّق بالقضايا الإنمائيّة الاقتصاديّة التربويّة، وربّما المواضيع الثقافيّة وإدارة الأملاك والضرائب المفروضة، وهذا يجب أن يتكامل مع ما تقوم به السلطة الإداريّة المركزيّة، ولكن بهامش أقلّ ممّا هو متعارف عليه في اللامركزيّة الإداريّة.
ففي اللامركزيّة الإداريّة، لم يزل هناك دور كبير وواسع للسلطة الإداريّة المركزيّة. بينما في الفدراليّة، الجهاز الإداريّ المركزيّ ليس لديه صلاحيّة تحكّم على الوحدات الفيدراليّة، باعتبار أنّها منتخبة ولها خصوصيّة معيّنة ويمكنها ممارسة السلطة في نطاقها ضمن القوانين المتعارف عليها.
ماذا عن دعوات اللامركزيّة أو الفيدراليّة في لبنان؟
كما شدّد الدكتور أنطوان صفير، على أنّ الدستور اللبنانيّ المعدّل وفق اتّفاق الطائف، نصّ على مبدأ اعتماد اللامركزيّة الإداريّة الموسّعة، وهذا شيء طبيعي، لأنّ ذلك يُعطي مجالًا لتحديث الإدارة ولديمواطيّة أكبر، ولإنماء أكبر، ولعدالة أكثر في جذب الاستثمارات أو بفرض الضرائب، أي أن تُصرف الضرائب في نطاقها، يعني أن يكون هنالك هامش للمناطق أو الوحدات الإداريّة، وهذا ما نصّ عليه الدستور.
أمّا فيما يتعلّق بالفيدراليّة، فيُعلّق خبير القانون الدوليّ، لافتًا إلى أنّ هذا الموضوع قديم، طرح في لبنان مرارًا وتكرارًا، بسبب الخلافات السياسيّة الحادّة في البلد، بين الأحزاب والطوائف والمذاهب. إلّا أنّه استطرد قائلًا إنّ الفيدراليّة ليست تقسيمًا، كما يُقال، بل إنّها دولة موحّدة، ولكن موحّدة على صعيد السياسات العامّة، الدفاعيّة والخارجيّة، وهي مفدرلة على صعيد ما يتعلّق بالسلطات الأخرى، التربويّة، الثقافيّة، البيئيّة، الصحيّة، القضائيّة، وما إلى ذلك.
اللواء» تستطلع آراء قانونيِّين ودستوريِّين حول موعد الإستشارات ...
ما هي أبرز الدول التي تتّبع النظام الفيدراليّ؟
الحكم الفدراليّ واسع الانتشار عالميًا، وثمانية من بين أكبر دول العالم مساحة تحكم بشكل فدراليّ. وأقرب الدول لتطبيق هذا النظام على المستوى العربيّ هي الإمارات العربيّة المتحدة والعراق، أمّا على المستوى العالميّ فهي الولايات المتحدة الأميركيّة.
ومن أبرز الدول التي تتّبع هذا النظام أيضًا: الأرجنتين، البرازيل، كندا، المكسيك، بلجيكا، فرنسا، المملكة المتحدة، إيطاليا، أستراليا، إسبانيا، ألمانيا، النمسا، الدنمارك، فنلندا، هولندا، البرتغال، البوسنة والهرسك، إثيوبيا، الهند، ماليزيا، نيجيريا، روسيا، جمهورية جنوب أفريقيا، فنزويلا، جمهورية الصين الشعبيّة، الفليبين، تنزانيا، أوكرانيا.
في ظلّ هذا الواقع، تبقى اللامكزيّة الإداريّة في لبنان، حبرًا على ورق الدستور، وسط المخاوف من تطبيق هذا النظام، الذي يعتبره البعض صورة مقنّعة للفيدراليّة، التي قد تفتك ببلد مثل لبنان، يحمل في طيّاته عشرات الطوائف والمذاهب، فضلًا عن تشعباته الحزبيّة والسياسيّة التي لا تتوقّف مناكفاتها.