استمرار "الطائف" يتوقّف على صمود "مار مخايل"!
الجواب عن سؤالَيْ هل يكمل رئيس “التيّار الوطني الحر” النائب جبران باسيل محاولة التقرُّب من أميركا؟ وهل ينجح في ذلك؟ ليس سهلاً في رأي المُتابعين بدقّة تعاطيها مع لبنان وسياساتها فيه وتعاطيها مع أطرافه السياسيّين ولا سيّما القريبين منه تقليديّاً. لكن ما يمكن قوله في هذا المجال هو أنّه سيستمر في المحاولة أو المجازفة إذا جاز التعبير على هذا النحو لأن “على الكتف حمّال” كما يقول المثل. و”الحمّال” هو “حزب الله” حليف عمّه رئيس الجمهوريّة منذ تفاهم مار مخايل بينهما عام2006. وهو الذي قدّم لـ”العمّ” ما كان يحلم به منذ عام 1988، وهو أيضاً قدّم للصهر الكثير الكثير. لكن ذلك لم يُشبعه لأن حلمه الأخير مُطابقٌ تماماً لحلم عمّه. وهو يتمنّى أن يُحقّقه له “الحزب” مثلما فعل مع “العمّ”، ويعمل كي يحصل منه على وعد بذلك منذ الآن مُشابه للوعد الذي أعطاه لعون من زمان، وذلك اقتناعاً منه بأنّه يُنفِّذ وعوده. طبعاً الظروف الحاليّة مختلفة كثيراً عن الظروف السابقة. فعون كان قبل الـ2006 مستقطباً الساحة المسيحيّة بعد معاقبتها “القوّات اللبنانيّة” و”حزب الكتائب” لموافقتهما على “اتفاق الطائف” بسبب الدور الكبير الذي أعطاه لسوريا. واستمرّ في استقطابها حتّى عودته إلى لبنان لا بل بعد عودته أيضاً. لكن استشهاد الرئيس رفيق الحريري والتطوّرات التي حصلت، وانقلاب عون وتيّاره على سياسته المسيحيّة الأساسيّة وتحوّله نحو سوريا الأسد الإبن و”حزب الله” وإيران الإسلاميّة من خلاله، لكن ذلك كلّه مع الانقسامات الداخليّة وحرب اسرائيل على لبنان وحرب “الحزب” في سوريا أعاد خلط السياسة المسيحيّة وبعض الاعتبار لـ”القوّات” التي استمرّت في الساحة رغم ما تعرّضت له من ضغوط ومُضايقات. كما ساعد حليفا ً مسيحيّاً آخر لـ”الحزب” هو رئيس “تيّار المردة” سليمان فرنجية في تلميع صورته مرشّحاً للرئاسة قادراً على إبعاد باسيل عنها إذا لم يكن في مقدوره الحصول عليها. طبعاً أثار تقرُّب الأخير من أميركا شكوك “الحزب”ودفع قادة فيه إلى القول في اجتماعات على مستوى عال: “أنت تطلب وتطلب وتطلب ونحن نُعطيك. لكنّك لا تُعطينا. هذا لا يُمكن أن يستمرّ”. في هذا المجال يعتقد المُتابعون أنفسهم أن باسيل سيجد نفسه قريباً في موقف مماثل مع أميركا التي لا تستطيع أن تقول له: “نحن أعطيناك ونُعطيك خلافاً لما كانت الحال عليه قبل تفاهم مار مخايل الذي سبقه تفاهم موثّق بين عمّه عون وسوريا بشّار الأسد. فالتجربة معه كما مع تيّاره لم تكن ناجحة. وكي تنجح عليه أن يُعطيها الكثير كما أن يُعطي الكثير لحلفائها العرب وفي مقدّمهم الخليجيّين وربّما إسرائيل. فهل يستطيع ذلك إذا أراده؟ وهل يُريده؟ وهل “حزب الله” الأقوى حتّى الآن في لبنان المدعوم من دولة لم تُقرِّر أميركا ضرب نظامها أو بالأحرى عجزت عن ذلك يسمح له بذلك؟ لذا يظنّ هؤلاء أن واشنطن ستستمر في محاولة اجتذاب باسيل وتيّاره وإن من دون آمال كبيرة، وربّما ستستمر في استعماله. وعندما يعجز عن إعطائها ما تريد تتخلّى عن محاولة استمالته، وربّما تترك البلاد لقدرها.
هل يعني ذلك أن تفاهم أو اتفاق مار مخايل سيستمر أو يتهاوى أو يبدأ في شأنه حوار بين طرفيه “حزب الله” و”التيّار الوطني الحر” يتناول القضايا والموضوعات المبدئيّة والسياسيّة والمصلحيّة الخاصّة التي تسبّبت بخلافات بينهما وتجاذبات؟
المعلومات المتوافرة عند مُتابعي علاقاتهما منذ تأسيسها وتمأسُسها باتفاق خطّي لا تُشير إلى شيء من ذلك حتّى الآن. فالحوار مستمرّ على مختلف المستويات بينهما وهدفه التنسيق في القضايا المتُفق عليها ومحاولة حل الخلافات حول القضايا المختلف عليها. لكن أحداً منهما لم يطرح البدء الجدّي في تقويم مرحلة 2006 – 2020 بإنجازاتها لهما معاً وبإخفاقاتها وتالياً العمل على التطوير والتعديل أو على الافتراق. من أسباب الإحجام عن ذلك الخلل في ميزان القوى بينهما رغم حاجة كل منهما إلى الآخر في مجالات عدّة. ومنها أيضاً شعور “التيّار” باستمرار حاجته إلى “الحزب” وخصوصاً بعد التغييرات الكثيرة التي حدثت في الداخل ولم تكن في مصلحته سياسيّاً ومسيحيّاً وسُنيّاً ودرزيّاً. ومنها ثالثاً استمرار حاجة “الحزب” إلى حليفه المسيحي رغم بعض الوهن الذي أصابه، إذ أن التخلّي عنه يجعله مكشوفاً مسيحيّاً وسُنيّاً رغم وقوف بعض السُنّة إلى جانبه ودرزيّاً رغم المرونة التي يُبديها دائماً الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط تجاهه سواء مباشرة أو بواسطة صديقه بل حليفه الدائم رئيس “حركة أمل” ومجلس النوّاب نبيه برّي. طبعاً لن يتسبّب هذا الكشف بخسارته أو انهياره للأسباب المعروفة، وأهمّها ضعف هؤلاء كلّهم عسكريّاً وتعطُّل الدولة بكل مؤسّساتها وقوّته العسكريّة المُهمّة، ولا سيّما بعدما صار لاعباً فعليّاً سياسيّاً وعسكريّاً في المنطقة وخصوصاً سوريا والعراق وغزّة (فلسطين) واليمن و… علماً أن التخلّي عن تفاهم مار مخايل سيعني في نظر كثيرين انتهاء “اتفاق الطائف”. فالتفاهم ساهم في دعم الأخير وإن لم يعمل طرفاه لتنفيذه نصّاً وروحاً لأسباب أبرزها الخلل في الحجم بينهما وامتلاك الطرف صاحب الحجم الأكبر فيه رؤية أخرى لصيغة لبنان لا تزال غير متبلورة ربّما جرّاء عدم تبلور الوضع الإقليمي بصراعاته العسكريّة، والوضع الدولي بتنافساته على النفوذ في الشرق الأوسط. وأي إنهاء للتفاهم سيُسقِط حكماً “الطائف”, علماً أنه صار شبه ساقط إذ بدأ أطراف كثيرون شيعة ومسيحيّون في الترويج لِصِيَغٍ جديدة بدلاً منه. وما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن الشكوك بين الطرفين تزداد. لكن لا قرار بعد بإنهائها عمليّاً أو بالانطلاق منها لاتخاذ موقف جديد. علماً أن قادة الفريقين يتساءلان إذا صارت هناك حاجة لتطوير أو تعديل أو حتى إلغاء، ويكتفيان بالمراقبة وخصوصاً “الحزب” بعد قضيّة عامر الفاخوري وبعد اتخاذ كوادر في “التيّار” مواقف حادّة وسلبيّة تعرّضت لأسس التفاهم.
ماذا عن حكومة الدكتور حسان دياب؟ هل تصمد أم تستقيل أو تُستقال وهل في الإمكان تأليف أخرى بدلاً منها؟