لبنان: ألغام في لقاء بعبدا تهدّد الطائف تحت عنوان تطوير النظام
سيبقى “اللقاء الوطني” الذي انعقد في قصر بعبدا إلى فترة غير قصيرة، مادة للتجاذب السياسي والجدل حول جدواه ونتائجه وخصوصاً حول الإصرار على انعقاده رغم غياب مكوّنات سياسية وتجاوز الميثاقية السنّية بغياب الرئيس سعد الحريري الأقوى تمثيلاً في طائفته السنّية إضافة إلى رؤساء حكومات سابقين.
واللافت أنه تحت جنح هذه الطاولة حاول العهد الذي غيّب تماماً أي إشارة إلى الالتزام بتطبيق الطائف ومصالحة لبنان مع محيطه العربي، تمرير فقرة في البيان الختامي حول “تطوير النظام” متحدّثاً عن “التطوير الواجب اعتماده في نظامنا السياسي ليكون أكثر قابلية للحياة والإنتاج وذلك في إطار تطبيق الدستور وتطويره لناحية سدّ الثغرات فيه وتنفيذ ما لم يتحقق من وثيقة الوفاق الوطني”. وهذا ما يفسّر مسارعة “تيار المستقبل” إلى إصدار موقف اعتبر فيه “أن أخطر ما في البيان الصادر عن لقاء بعبدا دعوته للتأسيس على اللقاء للانطلاق من بحث توافقي من بدون عقد أو محرّمات لمعالجة مفاصل الخلافات الكبيرة”، وسأل “ما هو الشيء الذي يؤسّس له لقاء بعبدا؟ وهل أن اللقاء اتخذ قراراً من جانب واحد بفتح الباب أمام تعديلات دستورية بذريعة التطوير الواجب اعتماده في نظامنا السياسي؟” محذّراً من “مجموعة ألغام سياسية ووطنية في البيان تستدعي المراقبة والتنبيه”.
أما أوساط “التيار الوطني الحر” فركّزت على أهمية ما ورد في بيان بعبدا حول تطوير النظام، معتبرة “أن اللقاء شكّل فرصة أطاحت بعُقَد ومحرّمات وهمية كثيرة، سيحاول كثيرون إثارة غبار التضليل حولها”.
وكان العديد من القيادات ووسائل الإعلام سجّلوا ملاحظات على لقاء بعبدا على الشكل الآتي:
أولاً: انتقاد اجتماع أهل السلطة للبحث في الأوضاع المتردّية الذين هم أنفسهم من أوصلوا البلاد إليها نتيجة سياساتهم وغياب إصلاحاتهم وخرقهم لمبدأ النأي بالنفس، مستسهلين القتال خارج الحدود والبهورة على الناس والتجييش الطائفي والمذهبي ضد ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر والتلويح بقلب الطاولة على الداخل بعدما سدّوا أبواب الانفتاح على الدول العربية وتحديداً الخليجية.
ثانياً: لقاء بعبدا ليس لم ينجح فقط في تعويم العهد بل أساء إلى صورة رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يُفترض به أن يكون رئيساً جامعاً بصفته رمز وحدة الوطن، وبدلاً من نزول عون عند رغبة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لتأجيل الاجتماع، وكذلك عند دعوة الرئيسين السابقين أمين الجميّل وميشال سليمان لمزيد من التحضير والتشاور مع القيادات إنطلاقاً من مقولة أنه “بيّ الكل” أصرّ على الاستماع إلى بعض مستشاريه والمقرّبين منه الذين اعتمدوا سياسة المكابرة بتشجيعه على تجاهل كل الدعوات، فظهر أخيراً كأنه “بيّ فريق الممانعة” فقط.
ثالثاً: مسألة الفتنة بات يستخدمها أهل السلطة كفزّاعة شبيهة بـ “فزّاعة التوطين” فلا أحد في الداخل إلا ويرفض هذه الفتنة وتوليد أي شكل من أشكال العنف، ويؤيّد البعض في قوى 14 آذار/مارس ما ذهب إليه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بإتهامه المجموعة الحاكمة بتهديد الاستقرار وحلفاء العهد بإرسال الدراجات النارية إلى عين الرمانة.
رابعاً: ربط بيان بعبدا بين الحرية والحقيقة بقوله “إن حرية التعبير مصانة في مقدمة الدستور ومتنه، على أن تمارس هذه الحرية بحدود القانون الذي يجرّم الشتيمة والتحقير والمسّ بالكرامات وسائر الحريات الشخصية” هو أمر خطير ويفتح الباب على استمرار الملاحقات البوليسية وتوقيف الناشطين الغاضبين وخنق أصواتهم الرافضة ما آلت إليه الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية والتي تُترجَم بتوجيه إهانات إلى العهد والحكومة وبدعوات إلى رحيل الطبقة السياسية الفاشلة.
في المقابل، فإن أوساط “التيار الوطني الحر” تُدرِج كل هذه الملاحظات على لقاء بعبدا في إطار “التشويش السياسي المفتعل” وتعتبر “أن بعبدا نجح في إيصال رسالته الوحدوية إلى جميع اللبنانيين” مؤكدة “أن السلم الأهلي يبقى مسؤولية الجميع الحاضرون منهم والمتغيّبون، وهذا خط أحمر عبّر عنه رئيس الجمهورية الذي رأى في أحداث طرابلس وبيروت وعين الرمانة إنذاراً لنا جميعاً للتنبّه من الأخطار الأمنية”.
يبقى أن اللقاءات مهما كانت تسميتها وطنية أو غير وطنية فهي لا تعني المواطنين اللبنانيين الذين لا يعيرون اهتماماً لأي اجتماعات، وكل ما يعنيهم هو حلول فعلية لا وهمية لأزمة الدولار وللأزمة المعيشية. وقد جاءت صورة البرّادات الخاوية التي نشرها مصوّر “وكالة الصحافة الفرنسية” لتظهر حجم الأزمة الخانقة ومعدلات البطالة والفقر في لبنان والتي لن تطول الأيام قبل أن تنفجر في وجه العهد والحكومة.