الحكومة و”أرانب التعطيل”… فتّش عن انتخابات الرئاسة
تترنح مبادرة رئيس البرلمان نبيه بري لإيجاد تسوية تُفضي إلى ولادة الحكومة، بين إصراره على رفض إعلان فشلها وبين دفنها واقعياً. وذلك على خلفية اعتبار الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري أنه قدَّم أقصى الليونة المطلوبة، وأن الكرة باتت في ملعب رئيس الجمهورية ميشال عون ليقدِّم أجوبته لبري على صيغة الـ24 المعدّلة.
وغير خافٍ على أحد أن عون يغطي النائب جبران باسيل ويمنحه صفة “شريك الظل” في التأليف، والأخير استحب لعبة “القبعة والأرنب” التي تُنسب لبري، وبات يسحب “أرانب” العراقيل الواحد تلو الآخر كلما حُلَّت عقدة من العقد التي يطرحها في الظاهر ليُخفي الأساس، وهو استرهان الحكومة لخدمة طموحه بوراثة العهد. في حين تتوضح يوماً بعد يوم صورة الربط الذي بات محكماً، بين الاستحقاق الحكومي المتعثر والاستحقاقات الانتخابية المفصلية في العام 2022.
المحلل السياسي علي حمادة، يرى، أن “أي مبادرة، سواء مبادرة بري أو المبادرة الفرنسية الأساسية، معلَّقة راهناً على حبل الخلافات المستعرة بين الطرفين المعنيين بتشكيل الحكومة، أي رئيس الجمهورية ومن خلفه، والرئيس المكلف”. ويلفت إلى أن “الثنائي الشيعي يُظهر شيئاً من الامتعاض، الذي لم يصل بعد إلى مراحل متقدمة، من المواقف التي يتخذها التيار الوطني الحر ورئيسه، وطبعاً عون”، مشيراً إلى أن “هذا الثنائي يريد حكومة، خصوصاً أن معايير الحكومة ومقاييسها تغيَّرت منذ انطلاق المبادرة الفرنسية في طبعتها الأولى أيلول العام 2020، فيما اليوم تحوَّلت الأمور إلى مسألة مختلفة”.
ويوضح حمادة، عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أنه “صحيح أن الحريري يتمسَّك بالمبادئ العامة حول شكل الحكومة وأسماء الأشخاص وينسبها إلى التزامه بالمبادرة الفرنسية. لكن الواقع يقول إن الحكومة التي ستتشكَّل، إذا تشكَّلت، ستكون من تكنوقراط مقرَّبين وأصدقاء للمراجع السياسية وللكتل البرلمانية المعنية، من دون أن يكونوا حزبيين. لذلك نسمع الرئيس المكلف يردِّد دائماً، حكومة من غير الحزبيين، لكن هذا لا يعني أن الحكومة ستتشكل من أشخاص معادين أو في غربة تامة عن القوى السياسية”.
ويعتبر، أن “الخلاف الكبير المستعر الآن خلفيته، في مكان ما، مرتبطة بالاستحقاقات الانتخابية المقبلة. إذ في العام 2022 هناك ثلاثة استحقاقات، الانتخابات البلدية والاختيارية والانتخابات النيابية ومن ثم الانتخابات الرئاسية. بالتالي، المسافة الزمنية هي نحو 12 شهراً أو أقل، ونحن على أبواب 3 استحقاقات كبيرة ومفصلية، ومنها سوف ترتسم معالم لبنان لمرحلة ممتدة إلى سنوات مقبلة، وفي حسابات عون أن تشكيل الحكومة لا ينفصل أبداً عن المعركة الرئاسية ومن سيخلفه”.
ويرى، أنه “ليس غريباً أن يكون في حسابات الرئيس المكلف أيضاً، التأثير على معركة الرئاسة المقبلة. والدليل على ذلك، أن هذا الصدام الكبير بينه وبين عون وباسيل، ستتمدَّد مفاعيله لتشمل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، خصوصاً وأن هناك فريقاً واسعاً من القوى الموجودة في البرلمان الآن، بانتظار أن تتغيَّر المعادلة ربما، تلتقي في ما بينها حول نقطة جوهرية، وهي استبعاد أو منع إيصال الخليفة المعيَّن من عون، أي جبران باسيل، إلى سدة الرئاسة”.
ويلفت، إلى أن “هذه الجبهة البرلمانية موجودة وواسعة ولها وزنها الكبير، ومن الصعب على حزب الله أن يقنعها أو أن يفرض عليها انتخاب باسيل، من دون أن يعني ذلك أن الأمر مستحيل لكنه صعب. خصوصاً أن تجربة العهد الحالي فشلت، وبات من الصعب إقناع حتى الجمهور الشيعي المؤيَّد لحزب الله والمتعاطف مع عون، بأن عهد الأخير يمكن أن يتمدَّد ستة سنوات أخرى عبر وريثه باسيل”.
وبرأي حمادة، أن “الجميع ينتظر نتائج الانتخابات النيابية المقبلة. بمعنى، ما هو حجم الكتلة التي سيحصدها التيار الوطني الحر وحلفاؤه، وما هو حجم كتلة القوات اللبنانية والقوى المسيحية المعارضة لعون وللتيار”، معتبراً أن “ذلك سيلعب دوراً كبيراً في اختيار المرشح الأبرز المقبل لرئاسة الجمهورية”.
لكن قبل ذلك، يشدد المحلل السياسي ذاته، على أن “قدرة لبنان واللبنانيين على انتظار الاستحقاقات الانتخابية محدودة جداً، في ظل انهيار المؤسسات والخدمات والعملة الوطنية وهبوط شرائح واسعة من اللبنانيين إلى ما دون خط الفقر”، لافتاً إلى أن “مسافة 12 شهراً طويلة جداً، لأن الأمور يبدو أنها تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وهناك تسارع في وتيرة الانهيار في الأسابيع والأيام القليلة الماضية بشكل خطير جداً. وهذا ما نلحظه على صعيد الخدمات الأساسية، كالصحة والكهرباء والمحروقات والاتصالات والإنترنت وغيرها. وقبل البحث في موضوع الانتخابات يجب تأمين صمود الحد الأدنى”.
ويمكن الاستنتاج، وفق حمادة، أن “الوضع غير مستقر، انطلاقاً من أن الرهان على الانتخابات غير كافٍ، والرهان على الطاقم السياسي الحالي غير ممكن، والسؤال، متى سيتدخل المجتمع الدولي جدياً لأجل تغيير هذه المعادلة”، مشيراً إلى أن “الأمر يبدو أنه، حتى الآن، غير مطروح على بساط البحث، وهناك لا مبالاة دولية وعربية، بل هناك إحجام عربي عن لبنان لأسباب كثيرة، وإحباط فرنسي كبير، على الرغم من أن الفرنسيين يصرّون على مواصلة جهودهم والتواصل الدائم مع القيادات السياسية لكنهم لا يستطيعون أن يحلّوا مكان اللبنانيين”.
أما إلى متى يمكن أن تستمر المناورات في ظل الانهيار، يعود حمادة إلى “التجربة التاريخية السابقة مع الرئيس عون. فالتجارب علَّمت المراقبين للحياة السياسية اللبنانية بأن عون، قبل وبعدما أصبح رئيساً، لا يزال يفكر بالطريقة ذاتها، أي يذهب إلى الهاوية ويأخذ معه الآخرين إليها. هذا ما حصل في مرحلة 1988 ـ 1990، وما حصل بعد عودته من باريس في العام 2005، وما يحصل اليوم. لذلك المتوقع من عون ومحيطه، أن يذهبوا إلى أقصى وأبعد الحدود في العرقلة، ورهن البلاد في سبيل خوض معركة ذات بُعد شخصي في أساسها ليس أكثر”.
ويرى، أن “عون يريد أن يرث نفسه، ويعتبر أن وصول وريثه السياسي يترجم هذا الإرث الذي يريد الإبقاء عليه”، مؤكداً في المقابل، أنه “في المدى المنظور، لا اعتذار للحريري عن التكليف ولا استقالة مع كتلة المستقبل من مجلس النواب”.