الحريق الأكبر… الذي بدأ!
قد لا تكون المغالاة في استشراف التطورات على طريقة باعة السيناريوات من سياسيين واعلاميين وزاعمي امتلاك الخبرات الفائضة الذين يملأون الشاشات في هذا الزمن الهابط مرغوبة اطلاقا لدى اللبنانيين في ظل انهمار الكوارث على رؤوسهم وأقدارهم التعيسة. ومع ذلك لا نتمالك كتم الخوف الكبير لدينا يوما بعد يوم حيال خطر تفلت ابشع حالات الفوضى التي تتهدد لبنان منذرة بان تكون الفترة القريبة المقبلة والتي قد لا تقاس بأكثر من أسابيع فاتحة حقبة لم تخطر بعد ببال ذوي اكثر المتطيرين والمتشائمين.
نقول ذلك ولا نخترع ابتكارا فيما بدأت واقعيا تتفشى على ارض يوميات الازمات والانهيارات والكوارث الخدماتية والمالية والصحية والاجتماعية ما يتجاوز اخطار الفتنة، أي فتنة من أي نوع، في ظل القهر والإذلال الذي يلاحق الناس من بيوتهم الى أي مكان في سائر انحاء التي كانت مسماة جمهورية لبنانية وباتت الان اشبه بمحجر عملاق تعتقل داخله الملايين الستة او اكثر ممن يقيمون في لبنان وسط ابشع معاناة عرفها في تاريخه القديم والحديث.
نقول ذلك ونحن امام أسوأ المهازل السياسية اطلاقا التي لم تشهد أجيال اللبنانيين الهرمة والمخضرمة والشابة مثيلا لها لا في حقبات ماضي الحروب والاقتتال والاجتياحات ولا في ماضي ازمان السلم ولا في حاضر لبنان ما بعد الطائف لجهة هذا الهبوط المفجع في مستويات القيادة السياسية والوطنية والمسؤوليات العامة الى درجة الانذهال التام امام ظواهر الجاهلية المرعبة التي تضع اللبنانيين تحت مقصلتها.
من هنا نتوقف امام مهازل الازمة الحكومية المفتوحة لنحذر من انها “تحورت”،على إيقاع متحورات كورونا وأسوأ، لتغدو مشروعا متقدما جدا يهدف الى الاجهاز التام على الدستور والطائف وليس اقل من ذلك اطلاقا. وتاليا فان وسائل المواجهة لهذا المشروع باتت قاصرة تماما عن اللحاق بأضراره العميقة وتداعياته غير القابلة للترميم. ولكن استنفاد سلاح الوقت واستنزافه في تعطيل تشكيل الحكومة الموعودة منذ ثمانية اشهر في اخطر ظروف يمر فيها لبنان بدأ الآن يتخذ مقلبا آخر “شمشوميا” اذا صح التعبير بحيث سيحرق أصحابه وضحاياه سواء بسواء.
ان العض على الأصابع في الصراع السياسي تفلت بالكامل من ايدي سحرة، ظنوا في انفسهم القدرة على استعادة تجارب حرق الوقت واسترهان اللبنانيين وأعمارهم لبلوغ الكراسي اوتحقيق المكاسب اوفرض امر واقع انقلابي على الجمهورية في هيكلها الدستوري النظامي “الذي كان”. حقق أصحاب هذا النهج وهذا المنحى كثيرا مما أرادوه وفشلوا في كثير أيضا مما توخوا إنجازه فاذا بهم الان في مواجهة الحريق الكبير الذي يتهدد بفوضى لن تقف عند حدود الاضطرابات الاجتماعية بل ستنسحب بأسرع مما يعتقدون على الفوضى الأمنية الشاملة الحارقة. وفي ظل الخطر الزاحف هذا لا نزال نشهد على بهلوانيات سياسية اين منها اسطورة الجدل البيزنطي التاريخية فيما العدو يقرع على البوابات ويهدد الأسوار ومن ثم يقتحمها ويعمل باهلها مجازر الإبادة.
ومع ذلك ترانا امام معزوفات السخرية التي يتحدثون فيها عن انطلاق التخطيطات لانتخابات نيابية بعد11 شهرا او صوغ سيناريوات للانتخابات الرئاسية بعد سنة ونصف السنة. من قال لكم ان لبنان الجمهورية سيصمد اشهرا بعد قبل ان يصبح ذاك الذي لا نريد تخيله ؟ او لعلكم لا ترون الحريق الا اذا امتد الى صحون دياركم العامرة مع سائر ديارنا، ونخشى انه بدأ وحينها سنخبز معا في الأفراح!